كعادتها ,ألقت بجسدها المثقل على ألكنبه, وأخذت بالبكاء بحرقة,فعرفت أن قلبها قد أنحرق من جديد وان المشكلة هذه المرة ليست مجرد حب عابر ومضى في سبيله.
لأني خبرت الحال, طلبت منها أن تكمل البكاء لحين تحضير القهوة بدون سكر,التي عادتاً, نشربها بعد أن تبرد, لانشغالها بالحديث وانشغالي بالاستماع.
وحيدة في بيت والدها القديم ,تركها الإخوة والأخوات, منشغلين بأحوال أسرهم ,لهم العذر في الانشغال, ولها العذر في افتقادهم والشكوى من عدم السؤال ,وتفقد أحوالها ,إلا ما ندر احيانا, عند حاجة احدهم إلى خدمة .
تعطيهم العذر طالما كانت أمورها بخير وعندما تسوء الأحوال تتعذر بان احد لا يسال, ولا يرفع سماعة التلفون ليطمئن على أحوالها.
صديقتي, نموذج لكثير من الفتيات اللواتي تعداهن قطار الزواج, فبقيت تعيش الوحدة مع أمها, ترعى شؤونها وتدير أحوال بيت العائلة, حتى أخر لحظة من عمر الأم, التي برحيلها المحتوم تترك الفراغ والوحدة ليكون قدر وحياة الابنة.
معظم اللواتي يعانين من فوات سنين العمر, دون أن تحظى باهتمام شخص ما, يسند وحدتها ,ويمنح بوجوده فرصة ممارسة الحياة العادية,ويقضي على ساعات الملل والوحدة, يجدن بالسيجارة, صديقة ملازمة, ووسيلة للتنفيس من ضغط الوقت وضيق الساعات.
حتى في العنوسه هناك محظوظة واخرى خانها القدر,ففي العمل سلوى وفي الوظيفة اكتفاء, وحياة خارج البيت توفر مستوى من المشاركة في المجتمع ,وراتب الوظيفة كفاهن السؤال والنفقة من الأهل فاكتفين بما بين ايديهن ليدبرن حياتهن, سواء بشراء سيارة أو كسوة نفسها والتمتع بقليل من الإجازات السنوية مع الصديقات والسفر, وتخفف الشعور بالوحدة ,ومع ذلك, فهذا الراتب رغم وحدتها لم يعد كافيا, للأساسيات الحياتية بأقل مستوياتها إلا من انعم الله عليها, بإرث من الأهل يضمن لها دعم مناسب,يساند راتبها التقاعدي القليل.
,هناك فرق كبير بين حياة العزباء الموظفة والغير موظفة, في مجتمع تضيق فيه الخيارات وتتوقف عند حدوده الكثير من الرغبات والاحتياجات ,فتظهر المشاكل العاطفية,والاجتماعية التي تحيط بحياتهن,اكبرها ما يتعلق بالإنفاق عليها في مراحل عمرها المختلفة ,وتبقى العزباء الموظفة لها أفضل الخيارات ,كون معظم سنوات عمرها تقضيها في العمل,وتكتفي بتلبية حاجاتها المعيشية دون أن تلقي بثقل نفقاتهاعلى احد,عكس الأخرى التي يبقى واجب الإنفاق عليها من قبل إخوتها أو والدها فيه ثقل ولا يخلوا من التذمر احياناً,وهذا يحدد حاجاتها الاقتصادية اعتمادا على ما يسمح به مستوى المنفق ,وما يعطيه هذا الإنفاق من سلطة عليها ,كما ان حاجتها إليه يحتم ومراعاة وقبول بقاء الود والرضي قائم بين الطرفين ,حتى لو كان احيانا على حساب كرامتها ووجودها الانساني ضمن عائلات تعيش تغيرات مستمرة.
يبقى الاشباع العاطفي حاجة إنسانية لا يمكن التغاضي عنها ,سواء للرجل أو المرأة فالجميع يحتاج أن يحب (بكسر الحاء) ويحب (بفتح الحاء). البعض , يقبلن بقصص الحب مع أشخاص تربطهم علاقات زوجيه وأسريه فيها الأولاد والبنات ,على اعتبار أن الطرف الأول -هي- يتعشم الزواج ,اماالآخر(الرجل), حياته الاجتماعية مؤمنه بالزوجة والأطفال ولا ينقصه إلا فتاة تشعره بأنه شخص لا يزال مرغوبا من الجنس الآخر,وتشبع غروره بمشاعر الحب والاهتمام, وتبقي على دقات قلبه متجددة تنبض بشعور الحب , رغم امتلاكة لأسرة وزوجة,وحياة عائلية إنخفظت فيها جرعات الرومانسية, بسبب مشاغل الحياة وصعوبتها, والاهم من ذلك ,أن مثل هذه العلاقات لا تحتاج إلى أعباء مالية من طرف الى اخر,وقد وقف كل منهما على حال الآخر,لا بل أحيانا يكون مصدرحركة الصرف من الفتاة, كونها وبداعي الحب والحرص على الحبيب, لن تجعله يتكبد مصاريف الأعياد والمناسبات التي تظهر أهميتها من جديد, فيصبح لها عيد ميلاد مهم,وظهرت مناسبات خاصة, نسيها الجميع,من كلا الطرفين!, بعد أن تم تجيير مثل هذه النفقات لمصاريف الأولاد وأعباء الحياة .
ومن احوال الاخرايات,اللواتي, يعشن في بيوت مليئة بالأولاد وضجيج الاسر,ما يتيح لهن وجود الأنس والسلوى, فتجدهن قد تعلقن بأحد الأبناء أو البنات في علاقة خاصة تميز هذا الطفل عن باقي أولاد العائلة بالرعاية والاهتمام ,وهذا له اعتبارات كثيرة ,تحتم على الاهل تقبل انسحاب سلطتهم على ذلك الطفل من اجل المحافظة على شعور العمة الوحيدة التي لم تنصفها الحياة كباقي الفتيات.
شخصيات متعددة لفتيات فآتهن قطار الزواج ,وبقين في وحدتهن, يغلف هذا الاختلاف تنوع البيئات وتنوع الصفات الخاصة لكل منهن, اعتمادا على المستوى الاجتماعي ونوع الشخصية ,ومدى التأثر بمعايير الانضباط النفسي في ظل المجتمع وقيمه وعاداته ,وتنوع عناصر البيئة الاجتماعية فيه.
ظاهرة ارتفاع نسبة العازيات في المجتمعات, لها أسبابها ولها مخاطرها أيضا ,ويبقى التمسك بالدين الحنيف وسيلة يتجنبن فيها نظرات التساؤل والفضول ,خاصة, إذا كانت على مستوى لا باس به من الجمال, ولها عائلة تتمتع بمزايا اجتماعية مقبولة,لينتهي الفضول بتحميل النصيب العبء الأكبر, من أسباب هذه الحالة الاجتماعية التي تزداد يوم بعد يوم.
كل عمرله م
تطلبات مرحلية,تختلف عن الأخرى ,فما كان مهم ومصيري في مرحلة ما ,تغير ولم يعد كذلك في أخرى.
تطلبات مرحلية,تختلف عن الأخرى ,فما كان مهم ومصيري في مرحلة ما ,تغير ولم يعد كذلك في أخرى.
فترات الشباب وتوفر الخيارات المتعددة لدى الفتاة, في مرحلة عمرية معينه, تضيق وتتقلص مع مرور السنين,وتظهر صعوبة الحصول على فتى الأحلام ,الفارس الذي يمتطي الجواد الأبيض ,أو الطويل الأسمر ,عريض المنكبين ,الوسيم الغني,لتصبح أكثر عقلانية مع السنين,ولتكون اقرب من الواقع ومتلائمه أكثر مع المحيط الاجتماعي الذي تتواجد فيه ,لتكتفي بأحدهم ,ممن كان من الصعب قبوله في مرحلة عدت وانتهت.,فتجدهن مديرات ومسئولات ,وذوات مستوى في أعمالهن وحياتهن الاجتماعية, قد رضين برجال عاديين لا يملكون معايير مسبقة ومحددة ,ووجدن في الأولاد والبيت, ورعاية هذا الزوج خيار اخير مناسب وعقلاني, تخطى كل المعايير العاطفية ,ليتربع المنطق والعقل على ارض الواقع .
المعايير التي تضعها الفتاة لنفسها ,سواء تمسكت بها, أو أرخت حبال التشدد فيها, تبقى في النتيجة خياراتها, وستتحمل مسؤولية هذه القرارات الخاصة ,في حال مراجعتها لنفسها بعد فوات الوقت, ومواجهة نفسها لنفسها,في أين أخطأت؟ وأين أصبت؟ لتجد ان النتيجة في اخر المطاف,انه خيارها لتبداء مرحلة التكيف والاستمرارلتكون وحدها.
الطامة الكبرى, معايير الأهل لبناتهم ,سواء من الأم أو الأب,وللأسف الشديد أن هناك كثير من الأمهات, قد أضاعت فرصة الزواج على بناتهن لرفضهن عرسان لم تنطبق معايير مواصفاته, مع ما تتخيله لابنتها فكانت ترفض وترفض حتى أوصلت ابنتها إلى الحالة الحتمية في بقاء ابنتها إلى جانبها, ترعى شيخوختها ومرضها,و لتبقى بعدها وحيدة يتقاذفها الإخوان بين متذمر إلى متثاقل إلى مستغل.
رغبتنا في تعليم فتياتنا أصبحت تفوق رغبتنا في تعليم أولادنا , فتجد نسبة الطالبات في الجامعات تفوق نسبة أعداد الطلاب ,وهذا بحد ذاته له مؤشرات اجتماعية واقتصادية كبيرة وواضحة للجميع ,ومن الملاحظ أن الفتيات في المرحلة المدرسية , مجتهدات أكثر من الأولاد ويظهر تفوقهن على إخوانهن في البيت لالتزام البنت بدراستها أكثر من الولد, الذي يتاح له ترك البيت في الوقت الذي يشاء,خاصة في المناطق الريفية ,فالتفوق واضح ,وهناك مشاهد اجتماعية متكررة في الأسر الأردنية تظهر الأولاد وقد التحقوا بالعمل قبل إتمام دراستهم لتكمل البنات طريق العلم إلى الجامعات على حسابهم, فتجد البنات قد تعلمن والأولاد يسعون في الحياة لتلبية احتياجاتهن واحتياجات الأسرة, وبالتالي فان الفرق التعليمي يظهر بين البنات والأولاد في البيئة الواحدة فيعزف الطرفين كل عن الآخر ,ليبحث الشاب عمن هي في مستواه التعليمي ,وتنتظر الفتاة نصيبها عله يأتي من خارج العائلة,كما أن الوضع الاقتصادي الضيق اجبر العائلات على تدبير امور الإنفاق على هؤلاء الفتيات من حساب الأسرة بأكملها ,فتجد الأب قد رهن راتبها بعد التخرج لبناء بيت أو لتحسين أحوال الأسرة المعدمة ,وفي حالة تقدم احد العرسان وهو بالتالي يبحث كغيره عن موظفة تساعده في حياته يجد أن راتبها محجوز لسنوات طويلة ,لا يجد ما يجعله يتحمل عب خروجها من البيت دون إن يستفيد هو شخصيا من هذا الخروج, فتقف الأمور عند هذا الحال,ولا أبالغ أبدا في أن اذكر أن هناك من وضع شرطا في عقد الزواج ,يكفل له التمتع براتب ابنته لسنوات قادمة أو لحين سداد القرض.
…صديقتي..عزيزتي, عهدتك مقبلة على الحياة, ترسمين البسمة أينما توجهت وتحضرين الفرح معك باقات, تصنعين الأوقات الجميلة بحضورك وخفة ظلك, التي اعتدنا عليها. وكأنك تحاولين أن تنسينا كم أنت حزينة, وانك الباقية الوحيدة إلى النهاية بعد أن يعود الجميع إلى بيوتهم, لا احد يجالسك في عتمة الوحدة.ليمسح سكون ساعات الشتاء الطويلة ,مؤلم أن أرى دموعك المتساقطة فوق وجنتيك, تشق طريقها عبر خلايا وجهك التي أرهقها السهر,فظهرت تلك الأخاديد المتشققة بعشوائية القدر, وعبثية الزمان فوق صفحة هذا الوجه المتعب, بلونه الأسمر ,قمحاوي الظلال
اعتصرني الم الضعف, وتراجع الهمة ووقوف الأمل, وشعور القهر الكئيب الذي اعتصر نبض القلب وعكر صفاء نفسك الطيبة المرحة,فما عدت أجد , من كل الذي اعرفه عنك, إلا تلك العبارات الساخرة المنفلتة من عقال الحزن تقاوم ثقل الألم ,التي تخرج منك وأنت تعتصرين حيرتك الصامتة تحت قبضة التراجع والهم الثقيل.
منذ عرفتك وأنت تجمعين بين الفرح والمرح والحضور, تصنعين الموقف على حساب نفسك ليسعد من حولك, بذلك الجهد المصطنع من السعادة وفرض الوجود.
كم هي أعداد الخيبة التي عشتها مرة بعد مرة.وزمن بعد زمن ,ليطالك الألم وتنتشر في أنحائك التعاسة والضعف وتبدأ مسيرة الشيخوخة وحيدة في ذلك البيت العتيق على مفترق الزحمة والضوضاء ,الجميع يمر من هناك ولا يرى تلك الوحدة القاتلة التي تسكن ذلك الطابق المنارة نافذته, خلف الستائر البيضاء المسدلة دائما,لا تفتح إلا في مواسم إزالة رواسب مطر الشتاء وتراب غبار الصيف.
من بين الدموع ناولتها فنجان قهوتها الباردة, كان طعمها مر جداً!