لا شك أن مقاربة هذه الإشكالية المعقدة ضربٌ من العبث تحليلاً كان أم محاولة تفسير وفهم.. ففي حين تتراكم الأسئلة من دون إمكانية الحصول على إجابات مقنعة فإن ذلك يترافق مع تسارع انحدار فعالية الإنسان القيمية الحياتية بما هي محصلة طبيعية لوظيفة العقل الذي افتقدته الكائنات الأخرى في الطبيعة.! والمفارقة على هذا الصعيد تكمن في المعادلة العكسية الحاصلة بين وضوح صورة الحيوانات على اختلافها وهي تتكيف مع بيئة تفترسها الكائنات الناطقة.. و بين تشوش حالة الإنسان في محيطه الاجتماعي وتعمق غموضها بحيث استحالت إلى حالة ملتبسة لا تفك طلاسمها كل الفلسفات والنظريات ذات الصلة.!
شراسة الإنسان كحيوان ناطق منظورة في مجتمعاتنا فهي لا تحتاج لأدلة وبراهين..! وفي الزمن الراهن الذي يفترض تراجعاً مطرداً في حيوانية الإنسان المتجلية في سلوكه العنفي الدموي أو المعنوي أو الاقصائي فإنه على العكس من ذلك تزداد وحشيته وسفاهته ودونيته.! وكما أن كثرة المرعى تدفع الحيوانات للانفلات في كل اتجاه فإن كثرة الثروة تعمي بصر الحيوان الناطق وفي معظم الحالات تعمي بصيرته تؤكد ذلك الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة وفي مقدمتها ظاهرة التفكك والانفلاش التي تطال كافة المستويات الاجتماعية وأولها العائلة وليس آخرها الحزب كتعبير متحضر عن الجماعة.!
نحن هنا لا نتكلم عن ماهية العقل الذي بحث فيها وعنها مئات الفلاسفة والمفكرين بل عن وظيفته الضائعة التي آلت بالذات البشرية في مجتمعاتنا العربية إلى الانكماش والتراجع اقتراباً من مملكة الكائنات غير العاقلة..! فما يحدث في العراق وبعده في لبنان و منذ أيام في قطاع غزة حيث راح أفراد عائلة كبيرة واحدة ( حلس ) يكسِّرون عظام بعضهم، يعبِّر بجلاء.. وبكل بساطة ووضوح، عن تراجع الأنسنة لحساب ( الحيونة ) وهذه الخلاصة الواقعية غير المنظورة فلسفياً في ما عايناه من متروكات فلسفية هي المقصد الذي نبتغي التساؤل عنه مع التنويه إلى أننا لا نغفل عن الذرائع الأيديولوجية والمظلات العقائدية التي يتلبسها أصحاب الألسن، والآذان، والأيدي الفاعلة..؟
إذن ماذا تعني هذه الحالات التي أضحت سمة عامة في مجتمعاتنا الممسوخة..! أن لا يلتقي الأشقاء لا في الأفراح ولا في الأتراح.؟ أن تسعى الأمهات إلى تسويد عيش الأبناء و بالعكس..؟ أن يصبح النفاق بكل أشكاله ودرجاته عملة شائعة ومطلوبة في كل الأحوال..؟ أن يبطش الواحد بجاره ليقبض ما يعادل دولارين..؟ أن يتطلع العاقلون إلى مسايرة الأفاقين واللصوص بدواعي مستوجبات واستحقاقات أنسنة وهمية يعتقدون أنها لا تزال حاضرة..؟
أن يتكلم الفاسدون عن النظافة..؟ أن يتكلم السلطويون عن الوطنية ويحاكمون دليلة وحبيب وفداء وأكرم وأنور وكمال وكيلو وسيف وسعد وعاشور و أبو دان ومروان وجبر ووليد ومحمد وياسر وعلي وغيرهم من الذين لا يملكون غير عقول حاولوا استخدامها..!؟
أنسنة أم ( حيونة ) هذا هو السؤال عندنا نحن العرب…!؟