الأسرى الفلسطينيون في السجون الصهيونية بنك كرامةٍ، يفيض أملاً بالحرية، والكبرياء، وهم خزان لا ينضب من الرجال، بإمكان الدولة العبرية أن تغترف منه الألوف، وتفرج عنهم اليوم كبادرة حسن نية دون أن يتناقص الجوهر شيئاً، وقد حصل قبل اتفاقية أوسلو أن أطلقت إسرائيل سراح المئات احتراماً لمختار عشيرة، أو مقابل لقاء عدد من الوجهاء مع الحاكم العسكري، أو تكريماً لرئيس بلدية صغيرة، وكان الحاكم العسكري في قطاع غزة يفرج عن مئات الأسرى بمناسبة عيد الفطر، ومثلهم بمناسبة عي الأضحى، وظل الخزان يطفح بالرجال، فالمفرج عنهم كانوا دائماً من ذوي الأحكام الخفيفة، ومن الذين شارفوا على قضاء فترة حكمهم، أما أولئك الذين مارسوا عملاً عسكرياً مؤلماً لإسرائيل، فلم تشفع لهم كل التوسلات، واللقاءات، ولم يفرج عنهم في أوج عملية أوسلو، والتنسيق الأمني، وتبادل القبلات، والدعوات إلى السلام، وظلوا حتى هذه اللحظة في السجون ـ أنا واحد من الذين أفرج عنهم بعد أوسلو، وكان قد تبقى لفترة حكمي أربع سنوات فعلي فقط ـ أما الذين أفرج عنهم من ذوي الأحكام العالية، فقد تم ذلك عنوة، ورغم أنف الدولة العبرية، وبالقوة المماثلة التي توظفها إسرائيل، وهذا ما أدركته فصائل المقاومة وعلى رأسها “حماس”، وهذا هو السبب الوحيد في تمسك “حماس” بالأسير اليهودي. اليوم، لا مناص أمام الدولة العبرية لإعادة أسيرها إلا ضمن تبادل الأسرى مع حماس، والخضوع لشروطها، فهي تقف أما الحائط، وعلى مفرق طرق، ولها احتمالان: الاحتمال الأول: أن تفرج الدولة العبرية مضطرة عن الأسرى أمثال مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وسليم الكيال، وأبو علي يطا، وسعيد العتبة، وغيرهم العشرات، وجميعهم ليسوا من حماس، وأمضى بعضهم أكثر من ثلاثين سنة في السجون العبرية، وامتصت الجدران شهيتهم للحياة خارج الأسوار، أن تفرج عنهم ضمن صفقة تبادل أسرى مع حماس، وما لذلك من انعكاسات طيبة لصالح حماس، وضد نهج الرئيس عباس. الاحتمال الثاني: أن تفرج الدولة العبرية عن العشرات منهم إكراماً للرئيس عباس، وبدلاً من إعطاء حماس قوة الحضور في الشارع العربي، وظهورها بمظهر المنتصر أمام الفلسطينيين والعرب، وتكرار تجربة حزب الله، فإن العقل السياسي العبري يقول: يجب أن تعطي القوة لعباس، وبدلاً من تشجيع الفلسطينيين على اعتماد أسلوب الأسر للجنود، يصير تشجع الفلسطينيين على اعتماد أسلوب الحوار، واللقاءات بديلاً مثمراً. فهل ستدرك إسرائيل ذلك، وتعمد إلى خطف بريق التباهي بتحرير الأسرى من حماس، وتعطي للمفاوض الفلسطيني فرصة للحديث عن انجاز تحقق بالتفاوض، ويضخم إعلامياً كنصر لا يقل عن انجاز أسر الجندي “جلعاد شليط”، وبالتالي تنجح إسرائيل في بث رسالتها التي طالما حرصت علي ترديدها، بأن إسرائيل دولة إنسانية، ولا يمكن لي ذراعها بالقوة؟ قد تعمد إسرائيل إلى ذلك، ولاسيما أن المتغيرات الميدانية في فلسطين، وخارج فلسطين راحت تهز الوجدان اليهودي، ففي صحيفة هآرتس، يعترف “دورون روزنبلوم” بذلك، ويقول: في الوقت الذي ما زلنا نتخبط فيه بالتمنيات، والصلوات، والبكاء الجماعي، والعناق العائلي الزائف، ثمة أنباء سيئة؛ وهي أن جيراننا عرفوا سرنا، ففي الوقت الذي نركز فيه على الأحاسيس، ركزوا هم على التفكير. الأسرى الفلسطينيون ينتظرون، ويتمنون حريتهم، أكان ذلك عن طريق عباس، أم عن طريق حماس، ولكن، أن يصير تحرير الأسرى الفلسطينيين من خلال خطين، خط التفاوض السياسي، وخط التفاوض بعد أسر الجنود، فهذا مكسب فلسطيني، وعربي، وإن تحقق، وأطلقت إسرائيل سراح عدد من الأسرى ذوي الأحكام العالية، فإن الفضل في ذلك منسوب أولاً وأخيراً إلى أولئك الفتية الذين أسروا “جلعاد شليط” ، وذلك لسبب بسيط، فمنذ أوسلو 1994، وحتى 2008، لم تفرج إسرائيل عن تلك الأسماء المطروحة إلا بعد أن حشرها أولئك الفتية في الزاوية، وألزموها بما لم تلتزم.