التعامل مع الإنسان ككيان له الحق في الوجود وممارسة حياته ضمن البيئة التي اختارها ,حق أقرته الشرائع والديانات على مر العصور,وباختلاف الثقافات والبيئات, ليبقى الفرد هو العنصر الرئيس الواجب احترام وجوده, وعدم التغاضي عن هذا الوجود, ضمن النظام الاجتماعي الذي يمارس فيه حياته,وهذا بالتالي يتطلب من الآخرين الانتباه في طرق التعامل مع هذا الكائن الحساس بطبعة ,الذي ميزه الله عن باقي مخلوقاته بهذا الحس,لتكون له أولوية الاحترام في المعاملة,وعدم السماح بمبررات المساس به ,وحدوث تجاوزات تمس هذا الكيان,ليبقى للفرد حرية خوض مراحل التكيف مع الأحداث اليومية, المقصودة والغير مقصودة ,في العمل والحياة, التي لا ينطبق واقعها مع التوقعات والأحلام الخاصة,تمنحه فرص تطوير النفس, وممارسة حياته ضمن بيئة أمنه, تعطيه الاحترام والاهتمام وتمنع مشاعر الإحباط وضياع الفرص,أمام الاضطراب المرافق لصعوبة المواجهة التي لم يخبرها في بيئة محمية, بين الأهل وداخل الأسرة, لتبدأ مسيرة الحياة في التعامل مع الم الشعور بين الصد والقبول. أصعب المشاعر التي تمس الحس الإنساني ,وما يتعلق باحترام الذات والكينونة الخاصة بالفرد على مدار مراحل عمرة, التي يقابل فيها أحيانا, بعدم تقبل الآخرين ,والصدود والتجاهل, الذي يضع الجميع في مواجهه ,البحث عن الذات وحقيقة احترام النفس..من منا لم يواجه بالصدود والتجاهل في موقف ما في حياته؟.لدرجة عدم الرغبة في التذكر لما يسببه من الم الذكرى, و صعوبة تقبل الموقف الذي مس احترامنا لذاتنا وعوالمنا الخاصة الداخلية, وأشعرنا بالمهانة تجاه أنفسنا .في احد المحلات بيع الملابس الجاهزة, لم يعطي البائع السيدة التي دخلت المحل أي انتباه, لانشغاله بمجموعة من الفتيات اليافعات المترددات في الشراء, ويتجادلن بغير جدوى مع البائع الذي ركز انتباهه عليهن, لدرجة انه نسي الجميع حوله.مما أثار حفيظة تلك السيدة,التي لم تخفي شعورها بالاستياء, رغم شمولنا بهذا التجاهل, فلقد كانت ردة فعلها مغايره, إنها صورة عن كيفية الاستجابة لبعض الناس في مواقف الصد والتجاهل ,رغم بساطة الموقف ووجود خيار ترك المكان, ووجود البديل في السوق لتلبية حاجة الشراء إلا أن هذا التجاهل قد عكر مزاج تلك السيدة.مواقف الشعور بالتجاهل تتكرر في العمل من خلال تجاهل الأفكار المطروحة ومدى القدرة على انجاز العمل وحتى في العلاوات والامتيازات الممنوحة,وفي البيت بتجاهل الزوج أو الزوجة والأبناء فلا يعطون أي اهتمام لرغباتنا ولسلطتنا في البيت, التي تؤثر علينا وعلى مزاجنا العام. ليس بالضرورة أن يكون حضورنا, كما نريد ونرغب, فلابد من الشعور بالصد والإهمال أحيانا.وذلك لأسباب كثيرة,تكون أحيانا لا تتعلق بنا شخصيا , تجعل من المواقف صعبة و مؤلمة بسبب تماسها مع حقيقة وجودنا واحترامنا لأنفسنا , وحق الجميع بمستوى من الشعور الذاتي بالاحترام والأهمية تجاه نفسه,لهذا نسعى جميعا على تجنب ما يمس هذا كيانه ووجوده , وتجنب الشعور بالألم, وأحيانا خيبة الأمل تجاه أنفسنا والآخرين,خاصة الأحباء والمقربين , لان الإساءة المقصودة, تدمي القلب بمستوى قرب ذلك الشخص أو بعده من هذا الكيان الداخلي الذي يظهر أحيانا على السلوك وعلى تعابير الوجه وحركة الجسد, وتؤثر على المزاج العام للفرد وعلى شعوره تجاه نفسه . مواجهة مثل هذه المواقف يحتاج إلى بعض التمعن للوقوف عليها, من اجل تخطي الألم الحاصل بصورة تساعدنا على المواجهة والاستمرار, وبناء طرق فكريه و ذهنيه تساعدنا على سرعة الاحتواء والتقبل للمواقف بأدنى شعور من الألم .في بعض المقابلات التي تحدث من اجل انتقاء كفاءات في مجال معين من الأعمال يتم ممارسة بعض استراتيجيات اكتشاف طاقات التكيف وسرعة البديهة في التعامل مع المواقف الطارئة ومدى القدرة على احتواء الموقف والتعامل معه بسرعة وذكاء, تؤكد قوة الشخصية والقدرة السريعة على التكيف والاستجابة.من المستحيل أن نحصل على نفس مستوى التأثر والتأثير من قبل الآخرين, فلا بد من تنوع الاستجابات نحونا, فهناك من يتقبلنا بسهولة وهناك من نجد لديه الصد والتجاهل وهناك آخرين لا يعطوننا أي استجابة, وأحيانا لا يلاحظون وجودنا.هذه الأمور طبيعية جدا ,وكما تحدث من الآخرين تجاهك فهي تحدث منك تجاه الآخرين وذلك متعلق بطبيعة النفس البشرية وحديث الرسول الكريم :الأرواح جنود مجندة.قوة الشخصية والثقة بالنفس تساعد كثيرا على مواجهة مثل هذه المواقف وتحد من الألم المترتب عليها ,والاعتماد على هذه العوامل يساعد في ضبط طريقة الاستجابة والتصرف مع الموقف,فكلما قويت الشخصية كان ضبط النفس قويا, أيضا, وتكون إشارات التعبير على الوجه والجسد, وما يعرف :بحديث الجسد, منضبط أكثر وفيه صلابة تخفف من ردة الفعل الغير مرغوبة, مع بقاء الألم مختزلا في الداخل.تفهم الآخرين وخلق أجواء إنسانيه لطيفه ,مشحونة بحس الاهتمام والترحيب تقلل من هذا الشعور المؤلم في حياتنا اليومية وفي لقاءاتنا مع الآخرين ,فلا ضرر من إن نكون لطفاء ومرحبين طالما فرضت علينا ظروف العمل والحياة الخروج لمقابلة الناس أو تطلب العمل مقابلة مراجعين وباحثين عن الخدمة أو مراجعة مواطن لمعاملته في إحدى الدوائر الرسمية,يحمل أوراقها بين المكاتب هائما على وجهه, لا يسأله احد إلى أين؟ مما يتطلب ذلك انتباه القادة والمدراء لضرورة التنبيه لأهمية التعامل في طريقة تقديم الخدمة وتدريب الموظفين على حسن التعامل مع المواط
ن صاحب الحاجة ,لهذا تجد إن الواسطة تدخل في أدق تفاصيل حياتنا ,حتى في اقل المعاملات أهميه ,حيث نبدأ بالبحث عمن نعرفهم أو من يعرف من نعرفهم في ذلك المكان,باحثين عن من يضمن لنا القليل من الاهتمام, وان لا نقابل بالإهمال والتجاهل.الحالات التي شاهدتها شخصيا في كيفية التعامل بتجاهل وعدم اهتمام مع المواطنين ومع الأفراد بشكل عام, كثيرة.واعتبر من لم يكونوا طرفا في هذه المواقف, محظوظين ,وكفاهم الله هذه المعاملة , لان تحسن الوضع الاجتماعي والاقتصادي,لا بد يساعد في تخطي الكثير من هذه المواقف ,اقلها عند محل الخضروات ,فإذا عرفك,أو شعر بمستواك الاجتماعي ,أعطاك الأفضل,وحسن طريقة التعامل والخدمة المقدمة ,حتى نوعية البضائع ستختلف,وإذا لم يعرفك فأنت وحظك في ما هو موجود,أما الأكثر الم ما تشاهده من أحوال الناس على أبواب المستشفيات العامة والمراكز,والطوابير المزدحمة فتحمد, الله على نعمة الاستغناء, وكف الحاجة عنك,لينقبض قلبك على من لا يملكون الحيلة, ولا يوجد من يتعرف عليهم وسط الطوابير والأزمات.في نهاية المطاف,من الصعب أن نقولب المواقف بما يتلاءم مع أمزجتنا ورغباتنا ,فهذا عالم واسع بناسه وأمزجته وردود فعله,لا نملك فيه حق إجبار الآخرين على تقبلنا, واستمرارية شعورنا بالسعادة التي تملا النفس بالاهتمام والقيمة. الأهمية تكون في طريقة استجابتنا لهذه المواقف,وتغيير بعض المعتقدات حول أنفسنا من اجل تقبل ردود فعل الآخرين والخروج بأقل مستوى من الألم,والاستفادة من المواقف بالحصول على التغذية الراجعة حول سبب السلوك المضاد وتداعياته على شخصيتك والاستفادة منها في عمليات إعادة التقييم الذاتي,والنظر بموضوعية وصدق تجاه أنفسنا, فرب ضارة نافعة.ومن المستحيل أن يحبنا الجميع, ومن الصعب أن يكرهنا الجميع, أما من يشكلون شعورا وسط تجاهنا, فان السلوك الايجابي تجاه أنفسنا سيحل الكثير من صعوبة الموقف,واتساع مدى التفكير بالآخرين يساعد في القدرة على الاحتواء واعتبار الغير وتقبلهم بأقل الم ممكن,ممارسة الحياة والتعامل مع الآخرين لا تأخذ الجانب الأبيض والأسود على طرفي النقيض, أكثر الناس حكمة وقوة, هم من يأخذون درجات الرمادي المختلفة في علاقاتهم بعين الاعتبار والقدرة على التمييز بين الأفراد اعتمادا على مستوى كافة الظلال الرمادية الممكنة.استطلاع بسيط حول العلاقات القائمة هذه الأيام بين الشباب في العمل وفي الجامعات, يعطينا فكرة بسيطة عن مدى الصد والتغير الذي يحصل لمعظم هذه العلاقات بعد الانتهاء من سنوات الدراسة وهذا ما أطلق عليه (حب الأربع سنوات),الذي ينتهي بمجرد عودة الطرفين إلى الواقع الاجتماعي الحقيقي خارج الحرم الجامعي المثالي لإقامة العلاقات.صدمة العودة إلى ارض الواقع هي صد وعدم تقبل,في حد ذاتها ,لهؤلاء الشباب الذين أزالوا عقبات المجتمع وشروطه في رسم العلاقات, وبناء عالم خاص بعلاقة خاصة نشأت عندما تقارب الجلوس بينهم على مقاعد الدراسة ,والشعور بالتحرر من القيم والعادات والمحظورات الاجتماعية,التي تعود مباشرة مع أول مشكلة في العمل وتقبل الواقع,عندما يبدأ كل طرف بالتذمر من مواجهة معاركة المواقف والحاجة إلى من يتحمل هذا النوع الجديد من الحديث الثقيل الذي لم يتعودوا عليه على مدار الأربع أو خمس سنوات .فيظهر الثقل في مزاج الطرفين ليبدأ, الضغط على الأعصاب, ويبدأ الضجر والرغبة في التغيير, والابتعاد عن كل هذا الضغط الذي ينتهي بالفراق النهائي بطبيعة الحال.الأشخاص الذين يتركون ويبتعدون ,مشكلين حالة من الصد والجفاء, رغم الم الفراق والبعاد ومواضيع العشرة والتعود ,إلا أنها فرصة في إعادة تقييم العلاقة نفسها, بعد مرور سنوات ووقت ليس بالهين على الطرفين,فمثل هذا الصد يعطي فرصة في إعادة التفكير بأنفسنا وعلاقاتنا وعدم اخذ معظم العلاقات بالمسلمات وإنما هي فرصة لإعادة تقييم,و ترتيب ما يتعلق بحقيقة دورنا ,وهل كانت علاقة ايجابية وصحيحة ,تبادليتها معقولة؟ أم كانت تسير على حساب احد الطرفين وسكونه؟امتلاك مصفاة للبشر تمنع اقتراب الآخرين منا , شيء مستحيل ,فلا بد من الألم أحيانا ,لنعود بالأمل والثقة من جديد لنمارس حياتنا وعلاقاتنا بالمحبة والتفاهم وترك الآخرين ليمارسوا حياتهم بطريقتهم وبأفكارهم لا معترضين ولا متدخلين بل مساعدين لمن نستطيع مساعدتهم, ونكتفي بتجارب ,الحياة لا منتقمين ولا غاضبين ,نترك للأيام قرار الحكم النهائي , مسامحين ومؤمنين أن للنصيب موقع في الاختيار, وان هناك جوانب في علم الغيب لا نعلمها ,جاء النصيب ليحد من شرها وليعطينا خيرها لنواجه الحياة بابتسامة الأمل والتفاؤل, التي تزيل هذا الجبل الثلجي المغلف لألم الصد وجفاء الشعور.