تتصدر إيران الأخبار العالمية بسبب القلق الدولي من سعيها لامتلاك سلاح نووي ولكونها دولة لا تخفي في ظل قيادتها الحالية المكونة من رجال دين محافظين، أنها تسعى لإزالة دولة إسرائيل من الخارطة وتهديد الدول التي تعترف بها بالحرق بنيران شعوبها، وتستمر في احتلال الجزر الإماراتية وتطالب بالبحرين محافظة إيرانية، وتهدد بإغلاق مضيق هرمز لوقف إمداد العالم بالنفط، وتدعم العنف المسلح في بلدان الشرق الأوسط، وتسعى لتصدير نموذج “ثورتها” الإسلامية للعالم أجمع، حيث صرح الرئيس نجاد مؤخراً أن:“القوى العظمى في طريقها للانهيار.. نحن بداية حقبة جديدة.. الاستكبار العالمي يفقد مواقعه في العالم والقوى الثورية تحل محله ويجب أن تقود العالم”، فالثورة الإسلامية برأيه ستشمل العالم.. مع قرب عودة الإمام المهدي ليقيم حكومته العالمية العادلة حسبما يردد..قد تبدو إيران في حمأة الضجيج الخطابي لقادتها بأنها إمبراطورية تقارع الدول الكبرى في العالم، إلا أن الحقيقة غير ذلك. وفي مقال نشرناه منذ حوالي السنة فضلنا تعبير “الإمبراطورية الرثة” لوصفها، وبينا الفجوة الواسعة بين الصورة الإعلامية المضخمة وأوضاع الشعب الإيراني المعيشية والاجتماعية البائسة، رغم موارد إيران الكبيرة من مبيعاتها النفطية التي يذهب ريعها بغالبيته للتسلح وتصدير الثورة للجوار الإقليمي.أحد أوجه رثاثة “الإمبراطورية”، المسافة الشاسعة بين دولة تسعى لدخول العصر النووي ودولة لا تزال متشبثة بمفاهيم وتقاليد وتشريعات من العصر الحجري، ومنها بشكل خاص عقوبة “الرجم حتى الموت” التي ينص عليها القانون الإيراني الصادر عن رجال دين ليلائم تفسيرهم “للحدود”: الجلد وبتر الأطراف وقطع الرؤوس والرجم..، التي وإن كانت مناسبة للعصر القديم، فقد أصبحت حالياً صادمة للعقل البشري ومنافية لكل المفاهيم الإنسانية للعصر الراهن: الإعلان العالمي والعهود الدولية لحقوق الإنسان.قانون العقوبات المعتمد حالياً في إيران ينص صراحة على أن المرأة المتزوجة التي تقيم علاقات جنسية مع غير زوجها تحكم بالرجم حتى الموت. والقانون لا يترك مجالاً للرحمة أو التسامح فيتدخل في تحديد حجم الحجارة المستعملة بحيث تكون كبيرة لتسبب الألم ولكن ليس إلى حد القتل الفوري، بحيث يستغرق الرجم حوالي نصف ساعة حسب القدرة على التحمل، وهو ما يحول الرجم لتعذيب بطيء حتى الموت، يحتفظ القاضي الذي أصدر الحكم “بشرف” رمي الحجر الأول فيه، وعادة ما يجبر أطفال الضحية على مشاهدة العملية البربرية.يقابل “الرجم حتى الموت” في العالم باستنكار واسع من دول ومنظمات تعتبره مع العقوبات الأخرى، الجلد والبتر..، جرائم ضد الإنسانية تعود للعصر الحجري عندما لم يختلف الإنسان القديم كثيراً عن الحيوانات المتوحشة، وخاصة عندما يكون الرجم حتى الموت عقوبة لممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج، علماً أن كثيرين في العالم باتوا يفضلون تعبير ممارسة الحب.عارض الإصلاحيون العقوبة لكنهم فشلوا في وقفها نهائياً، فالقضاء الإيراني مرتبط برجال الدين المحافظين، ولم يضطر رئيس السلطة القضائية لتعليق شكلي لأحكام الرجم إلا نتيجة ضغوط دولية ومصالح تجارية، إلا أن العقوبة استمرت في الصدور مع تنفيذها سراً لتفادي الإحراج على المستوى الدولي، ولكن ليس إلى الدرجة التي تلغي حاجة النظام لها لإرهاب المجتمع الإيراني، وعادة ما يرفض المسؤولون كشف عدد أحكام الرجم المنفذة منذ العام 1979 لكن يعتقد أنها لا تقل عن 1200.قد يظن البعض أن الرجم عقوبة خاصة بطائفة معينة، إلا أنها طبقت أثناء حكم الطالبان لأفغانستان وتطبق أحيانا في السودان وباكستان. أما في العراق فقد استنبط البعث الصدامي، “المتأسلم” في سنواته الأخيرة، طريقة مبتكرة ضد النساء “بائعات الهوى” بقطع رؤوسهن وتعليقها عند أبواب منازلهن. وتم إلغاء الرجم في دولة الإمارات عقب احتجاجات محلية ودولية، كما أوقف تنفيذه في عدد من ولايات نيجيريا. وقد أفتى علماء من الأزهر بأن الرجم حتى الموت من صريح السنة رغم عدم وروده في القرآن. ومن الطريف أن الشيخ السعودي الباز في بداية التسعينات أفتى باستخدامه ليشمل المرأة العاملة، التي اعتبرها زانية عندما تخرج من بيتها للعمل!!ينال الزاني نصيبه من الرجم في حالات قليلة لكن العقوبة طبقت في معظم الحالات على المرأة الإيرانية وهي العقوبة القصوى في سلسلة انتهاكات لحقوقها وحرياتها التي كفلتها لها شرعة حقوق الإنسان العالمية، فهي مجبرة على ارتداء ما يحدد لها من لباس، وهي ممنوعة من تولي مناصب القضاء، وموسومة بأنها ناقصة عقل ودين، تعتبر صالحة للزواج وهي طفلة في سن 13 عاماً، ويجوز لأهلها إرغامها على الزواج عكس رغبتها، وليس لها حق الطلاق أو حضانة أطفالها، ويجبرها القانون على تلبية المطالب الجنسية لزوجها، وهي مهددة بالرجم حتى الموت إن أقامت علاقة حب لا تراعي القوالب القديمة المفروضة للسلوك الجنسي. بينما الرجل قوام على المرأة، يملك حق الطلاق والحضانة وتعدد الزوجات وضربهن إذا نشزوا، وقتلهن حفاظاً على “شرفه”.يدعم الهيمنة الذكورية على المرأة ويبرر العنف ضدها قوانين وتقاليد قديمة، والعداء للمرأة ما زال سائداً منذ آلاف السنين وكرسته الأديان في نصوصها المقدسة وتمسك به الأصوليون لتأبيد سيطرتهم. وإذا كان وأد النساء منتشراً قبل مجيء الإسلام حيث يستبق الرجل ممارسة المرأة للجنس كحق طبيعي لها
فيقتلها وهي طفلة بدفنها حية، فإن ما يحصل حالياً هو تأجيل وأدها إلى ما بعد ممارستها للجنس بدفنها حتى صدرها ثم تعذيبها بالرجم حتى الموت بناء على قرار من محكمة تدعي أنها تطبق شرائع. ويمكن وأدها دون أمر من محكمة من قبل زوجها أو والدها أو أخاها أو أي ذكر من أسرتها يأخذ “العدالة” بيديه فيما يدعى جرائم شرف، دون أن يجد من يتصدى له بالعقوبة الرادعة أو التغيير الاجتماعي والقانوني الذي يوفر للمرأة البالغة حريتها في ممارسة علاقتها بالرجل بالطريقة التي تراها مناسبة لها.الوأد والرجم وجرائم الشرف وسائل مختلفة لإرهاب المرأة وإبقائها مملوكة للرجل لتحقيق رغباته وخدمته وتربية أولاده. وطالما أن المرأة لم تتحرر من هيمنة الرجل فلا أمل في التخلص من التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وهذا الأمر مثبت منذ قرون، فقد لاحظ العلامة ابن رشد أوضاع المرأة المزرية في عصره واعتبر ذلك أحد أسباب جمود المجتمعات الإسلامية وتخلفها.الرجم الوحشي حتى الموت أحد وسائل القتل فقط في “الإمبراطورية الرثة”، فإيران الدولة الثانية في العالم بعد الصين من حيث عدد الذين أعدموا لارتكاب جرائم مختلفة, وهي الدولة الأولى في العالم من حيث إعدام الأحداث ممن هم تحت سن 18 عاماً، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تعدم المثليين جنسياً ويقدر عدد من تمت تصفيتهم منهم منذ بدء حكم رجال الدين بما يتجاوز الأربعة آلاف.أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها وتنديدها بالانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في إيران، من عقوبات وحشية وإعدامات متزايدة وانتهاكات لحقوق المرأة والأقليات القومية والدينية والقيود المفروضة على حق التجمع وحريات التعبير، وممارسة العنف ضد ناشطي المعارضة الإيرانية في الخارج. إلا أن القلق والتنديد لن تلقى أذنا صاغية إن لم تؤكد من خلال عرض ملف حقوق الإنسان في إيران على مجلس الأمن الدولي تمهيداً لإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية لتحاكم الأفراد والمؤسسات التي شرعت أو نفذت هذه الانتهاكات، وخاصة الرجم وإعدام الأحداث وبتر الأطراف وغيرها، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.الإمبراطورية الرثة في إيران أحد النماذج التطبيقية “للإسلام هو الحل”، الشعار الذي ترفعه حالياً العديد من منظمات الإسلام السياسي في أكثر من بلد، ثبت من خلالها جميعاً –باستثناء الإسلام السياسي العلماني التركي- فشل المصالحة بين الإسلام السياسي وحقوق الإنسان وفشل التوفيق بين الدولة الدينية والحداثة.
لقد تمت هزيمة الأصوليين الإسلاميين في أكثر من بلد، وخاصة طالبان أفغانستان والمحاكم الإسلامية الصومالية، إلا أنهم سيعودون مرة أخرى إن لم يتم تجفيف النبع: الفكر الأصولي، على الأقل بإيقاف تنفيذ كل ما يتضمنه النص المقدس من أحكام تتعارض مع مفاهيم حقوق الإنسان في العصر الراهن.
* كاتب من سوريا