يستعر الخلاف الفلسطيني الفلسطيني ليكون دمويا قاتما تارة، واعلاميا تحريضيا تارة اخرى.. ممارسات على الارض يندى لها الجبين.. واجواء بوليسية تتسبب بالتوتر في كل مكان.. ويقف المواطن الفلسطيني العادي مذهولا محبطا مما يرى ويسمع.. وفي لحظة ما يتساءل: الا يوجد مخرج من هذا الوضع..؟؟ وهل وصلت الامور الى النهاية المحزنة..؟؟ وهل وصلنا في علاقاتنا الداخلية الى حد القطيعة النهائية..؟؟ هل مات العقلاء والحكماء..؟؟ الا يجلس كل واحد من القادة مع نفسه ليفكر في مصير الشعب والوطن والقضية، ويسال نفسه عن مسئوليته الشخصية في كل مايجري وماذا سيكتب التاريخ عنه..؟؟
الحسم العسكري لم يجلب لاصحابه الا المتاعب، ولم يجلب للشعب الا المزيد من المصاعب، والمشروع الوطني اصبح اليوم برمته قاب قوسين او ادنى من شفير الهاوية.. ومواجهة الحسم العسكري بالحسم العسكري مرفوضة– مع انها غير ممكنة الا بجريان شلال اضافي من الدم الفلسطيني– كما وان اي تدخل عسكري خارجي في الصراع الداخلي مرفوض– لانه لن ينتج عنه الا مزيد من تعميق الانقسام والجراحات، والتسبب بنزف اخر للدم الفلسطيني.. والتصعيد في الحرب الدعائية والاعلامية وسيل الاتهامات المتبادل– لا ينتج عنه الا مزيدا من التوتير وتصعيد الامور.. كما وان اخراج فتح من النظام السياسي في غزة مرفوض.. مثلما هو اخراج حماس من النظام السياسي في الضفة ايضا مرفوض.. وكذلك فان المساس بحقوق الانسان والتعدي على الحريات وعلى المؤسسات مرفوض ويجب ان يتوقف في كل مكان وفي كل زمان.
ولكن هل يجوز ان تبقى الامور على حالها..؟؟ وهل يستمر الشرخ الفلسطيني بالنزف حتى اخر قطرة دم..؟؟ وحتى يضيع الوطن وتطوى القضية..!! الجواب حتما لا والف لا.. لان ما يحدث جريمة وكارثة كبرى، على عموم الشعب الصامد المرابط على ارضه، ولان استمرار حالة الانقسام والصراع شكل وسيشكل فرصة ثمينة للعدو المتربص بجميع الفرقاء من الاخوة الاعداء، وهو الذي يقوم ومنذ زمن طويل بتنفيذ اخطر مخطط له، في تدمير الامكانية لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، من خلال تفتيت الوحدة الجغرافية لارض هذه الدولة، فقام اولا بعزل غزة عن الضفة الغربية، وانجز عزل القدس ومساحات واسعة جدا من الاراضي عن الضفة عن باقي مناطق الضفة الغربية من خلال بناء جدار الفصل والضم العنصري..
ان كل هذه المخاطر المحدقة بالمشروع الوطني التحرري تفترض بالقيادات الفلسطينية– من كل الاطراف والالوان– تحمل مسئولياتهم التاريخية، والقفز فوق الجراح، وتغليب مصلحة الوطن فوق كل المصالح التنظيمية الفئوية والانانية، والشروع فورا بالحوار الوطني الفلسطيني الشامل والجدي من خلال الاستجابة للدعوة التي اعلنها الرئيس ابو مازن، والتي عاد وكررها حتى بعد احداث الشجاعية لانه باعتقادي رجل حكيم يدرك ان لا حل الا بالحوار..
ولكي يتوفر المناخ الملائم للحوار، لابد من اجراءات وخطوات حاسمة تتخذها كل الاطراف.. ومنها اطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، ووقف كل حملات المداهمة والاعتقال على خلفية الانتماء التنظيمي، ومنها وقف الحملات الدعائية عبر محطات التلفزة والفضائيات والمواقع الاخبارية الالكترونية– التي تزرع الحقد وترسخ الكراهية والبغضاء وتحرض الجمهور على بعضه البعض، مما يزيد من تفتت النسيج الاجتماعي، والكف نهائيا عن تخوين او تكفير الاخر ورفض وجوده، وعدم السماح تحت كل الظروف بالاساءة الشخصية لرموز نضالية مهما كانت درجة الاختلاف معها، والتوقف عن ممارسة التحريض من على المنابر في المساجد والمهرجانات..
ان صوت العقل يقول كفانا جنونا، كفانا اندفاعا نحو الهاوية، ولا بديل ابدا عن الحوار– الا اذا حسم البعض اموره ولم يعد معنيا بوحدة الوطن والشعب والقضية– وهنا من المؤكد ان الغالبية العظمى من الشعب لن تبقى صامتة ولن تسمح لهذا البعض ان ينفذ مخططاته الخبيثة، التي لا تخدم الا اعداء الشعب المتربصين به..
نعم ان الحوار هو البديل لمسلسل للدم والقتل والاعتقالات وتشويه سمعة وتاريخ شعبنا.. ولابد لمصر وللدول العربية الاخرى ان تتدخل– كما فعلت في الازمة اللبنانية– وان تسارع الخطى في الدعوة للحوار وتحديد موعد قريب له.. والحوار بين الاخوة– حتى ولو كانوا اعداء– ليس عيبا ولا جريمة مادام يهدف حقا لحقن الدم ووقف الانحدار الى الهاوية، ويسعى الى انقاذ المشروع الوطني من الضياع.. فبالحوار يمكن للاطراف ان تتوصل الى آلية عادلة لحسم الخلافات.. مثل التوافق على حكومة تكنوقراط مهنية تعد العدة لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.. ويمكن الاتفاق ايضا على الية لاعادة بناء وتنظيم الاجهزة الامنية على اسس مهنية لا فئوية.. ومعالجة مواضيع الميليشيات وانتشار الاسلحة بين الافراد والجماعات.. وبالحوار ممكن ان تحل ملفات الدم منعا للثار.. وملفات التوظيفات بعد الانقسام.. ويمكن ان تبحث قضية القوانين التي سنت وفرضت في غياب الهيئة التشريعية..
ان الحوار هو مطلب الجماهير الواسعة وعلى صناع القرار في اطراف الصراع الاستماع الى صوت الجماهير.. كما وان الواجب يفترض بالقوى الحية في المجتمع من
احزاب ومؤسسات واتحادات شعبية وشخصيات اعتبارية وتمثيلية ان تتحرك الان بقوة للضغط على صناع القرار من اجل القبول بالحوار كطريق لحل الخلافات وانهاء حالة الانقسام وليكن شعارها دفاعا عن المشروع الوطني ودفاعا عن الحقوق والحريات..
احزاب ومؤسسات واتحادات شعبية وشخصيات اعتبارية وتمثيلية ان تتحرك الان بقوة للضغط على صناع القرار من اجل القبول بالحوار كطريق لحل الخلافات وانهاء حالة الانقسام وليكن شعارها دفاعا عن المشروع الوطني ودفاعا عن الحقوق والحريات..
مخيم الفارعة
4/8/2008
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب