سوريا وحزب الله كانا الهدف الرئيس من كافة عمليات الاغتيال والتصفية التي تمت على الساحة اللبنانية بدءً من جريمة اغتيال رفيق الحريري وحتى جريمة اغتيال العميد الركن فرنسوا الحاج الذي كان مرشحاً لاستلام قيادة الجيش اللبناني بعد الجنرال ميشيل سليمان، وقد جند لهذا الهدف بالإضافة لمن يقفوا وراء عملية الاغتيال بشكل مباشر(الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل) تيار سياسي كبير في لبنان تمثل فيما بات يعرف بتيار الأكثرية في لبنان بقيادة الرباعي جعجع والحريري الصغير والسنيورة وجنبلاط.
والهدف الأول من عمليات الاغتيال كان إخراج القوات السورية من لبنان عبر تشجيع انتفاضة ضدها واتهامها بالوقوف وراء عمليات الاغتيال والتصفية التي تمت في لبنان، وهذا الهدف استطاع أصحابه تحقيقه بسهولة بغض النظر أن كان الأمر نابع عن تراجع لسوريا أو حكمة من قيادتها في قرار الانسحاب من لبنان.
وهذا كان الهدف الأول ولكن ليس الوحيد، حيث كان استهداف حلفاء سوريا في لبنان وبالتحديد حزب الله كان قد بدء قبل ذلك بكثير،وتمثل هذا في قرار مجلس الأمن رقم (1559) والصادر في العام 2004 الداعي لنزع سلاح المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، فالفكرة كانت تقوم على أساس إن إخراج القوات السورية من لبنان سيضعف المقاومة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله، ولكن فشل هذا المخطط سبب خيبة أمل كبيرة للداعمين له داخل لبنان وخارجه، هذا بالإضافة لسعي هذه الجهات لتنحية الرئيس اللبناني السابق إميل لحود الذي كانت تربطه علاقات جيدة مع سوريا.
فحزب الله حافظ على مواقفه الوطنية القائمة على حق المقاومة في مقاومة الاحتلال حتى تحرير كافة الأراضي اللبنانية وتحرير كافة الأسرى اللبنانيين، والرئيس اللبناني أكمل ولايته وغادر قصر بعبده بإرادته بعد انتهاء ولا يته القانونية، وجاءت حرب تموز 2006 لتكمل مخطط القضاء على حزب الله وتجرده من سلاحه إلا أن النتيجة كانت عكسية، فاستطاع حزب الله هزيمة دولة الاحتلال في عدوانها على لبنان، وكسر هيبة “الجيش الذي لا يقهر”، واستعاد الأسرى اللبنانيين ومعهم رفات (199) شهيداً من معظم الجنسيات العربية سقطوا شهداء عبر سنوات النضال الطويلة ضد الاحتلال، لا بل أكثر من ذلك ها هو حزب الله استطاع تحقيق نصر آخر على من كانوا يسمون أنفسهم بتيار الأكثرية عبر البيان الوزاري للحكومة اللبنانية واستطاع تثبيت حقه في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى تحرير كامل التراب اللبناني، ليس هذا فقط فها هو وليد جنبلاط الذي شكل رأس الحربة في مهاجمة واستعداء حزب الله وسوريا بدء بالتراجع عن تلك المواقف المشينة له بحق المقاومة الوطنية اللبنانية، وبات معني بتصليح مسار علاقاته مع سوريا عبر طلبه لوساطة الأسير المحرر سمير القنطار لهذا الغرض.
وبعد الفشل في خلخلة النسيج اللبناني وتجريد المقاومة من سلاحها باتت الجهود موجه تجاه الساحة السورية مباشرة، فعملية القصف التي تعرضت لها دير الزور بحجة وجود بنية تحتية لمفاعل نووي سوري هناك، وبعدها اغتيال القائد في حزب الله عماد مغنية على الأرض السورية، ومن ثم تصفية الجنرال محمد سليمان(كما نقلت بعض وسائل الإعلام مؤخراً) المنسق بين سوريا وحزب الله والمستشار العسكري للرئيس السوري بشار الأسد في طرطوس تدخل في إطار نقل المعركة للبيت السوري من أجل خلخلته ووضع مزيد من الضغوط على سوريا في ظل المفاوضات غير المباشرة حول استعادة الجولان من دولة الاحتلال.
والمقصود من هذه الاغتيالات إما خلق فوضى أمنية كبيرة داخل سوريا تمكن جماعات الأخوان المسلمين وجماعة المنشق عبد الحليم خدام من تحقيق مكاسب في الداخل السوري وبالتالي تكون الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي وصلا لمبتغاهم مرّة واحده، بالتالي تكون هذه الخطوة بمثابة مسمار أول وهام في نعش المقاومة الوطنية اللبنانية وحزب الله كون سوريا هي رئة هذه المقاومة التي تصل من خلالها المساعدات والدعم بشتى أشكاله، وتجفيف هذه المصادر سيترك أثره بكل تأكيد على الساحة اللبنانية وقواها الوطنية والإسلامية.
وإن لم تعطي مثل هذه الخطة أُكلها قد تشكل عمليات الاغتيال هذه ورقة ضغط على النظام السوري ليدخل في إطار اللعبة الأمريكية في المنطقة مقابل تحقيق الهدوء والأمن الداخلي لهذا النظام، ولربما يكون هذا الهدف هو الأكثر أهمية وله الأولوية في الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية على اعتبار عدم وجود تيار خياني قوي يمكن الاعتماد عليه بالسيطرة على زمام الأمور في سوريا مما يجعل الولايات المتحدة تكرر تجربتها في العراق مع احمد الجلبي والمالكي وأمثالهم الذين لم يستطيعوا توفير نظام حكم قوي ومستقر في العراق بع
د الإطاحة بنظام صدام حسين بعد حرب الخليج الثانية مما زاد من توريط الأمريكان في المستنقع العراقي لسنوات طوال قادمة.
د الإطاحة بنظام صدام حسين بعد حرب الخليج الثانية مما زاد من توريط الأمريكان في المستنقع العراقي لسنوات طوال قادمة.
وفي ظل هذه النجاحات التي تحققها الأجهزة المخابراتية الأمريكية والإسرائيلية وحلفائهم في المنطقة مطلوب من النظام السوري قول كلمته وتحديد موقفه والكشف عن ملابسات عمليات الاغتيال التي تتم تحت أنظاره وأنظار أجهزة مخابراته، فلا خير في جيش جرار ومخابرات قوية وقدرتها فائقة في حماية النظام الحكم في سوريا ولا تستطيع حماية السيادة السورية والكرامة الوطنية لبلدهم، وصمت الأجهزة والإعلام السوري عن مثل هذه الجرائم يثير الكثير من الشك والريبة تجاه النظام برمته، فإما انه نظام عاجز ولا يتقن غير سياسية الشعارات والثورات الإعلامية فقط، أو أن هذا النظام مخترق من ساسه إلى رأسه لدرجة أنه لا يستطيع كشف معالم أية جريمة مهما علا شأن المستهدف فيها، مما يجعل الحديث عن سوريا كدولة ممانعة ومناصرة للمقاومة فيه الكثير من عدم المنطقية وعدم الصحة، وهنا يبقى دور النظام السوري ليؤكد موقعه الحقيقي وفي أي اتجاه هو.
فلسطين: 03-08-2008