هل يمكن المقارنة بين عراق اليوم وعراق الأمس؟
الكثير مما يكتب عن الوضع السياسي العراقي الحالي يشير إلى بحر من المساوئ والانحرافات عن العدل والحق…وسوء حالة الإنسان العراقي الصحي والمادي والأمني والاجتماعي.
التركيز على فقدان الأمن والماء والكهرباء والوقود…
الصراع السياسي بين الكتل أو التوافق بين الكتل…
كل شيء، وكل أمر وحراك سياسي له معارضين ويصورونه بأسوأ حالة، وكأن ما كان في السابق أفضل. إذا كان توجه الحكومة للانفتاح نحو دول العالم قوبل بعواصف من الاتهامات والانتقادات اللاذعة من كل صوبٍ وحدب…وإن حاول التقرب من الدول العربية هوجم أن قاتلي الشعب العراقي هم العرب…وأن حاول التفاهم مع دول الجوار بسبب شحت المياه أو الكهرباء لإيجاد حلول لما يعانيه العراقي قالوا عنه يتصافح مع الذي يقصف قرانا…ويشرد أبنائنا, وفي كل ما يقال حقيقة، لكن كيف لجميع الناقدين لو كانوا في موقع الحكومة كيف يتصرفون…هل نعزل العراق عن واقعهُ الإقليمي والعالمي لكي نبني بلداً على أساس الخراب…والدمار.
هل جميع الأصوات المعارضة لكل حركة سياسية تصدر من الحكومة الجديدة المنتخبة (حسب مفهوم التوافق والمحاصصة) أصوات معادية…أم جميعها أصوات ناقدين يحاولون تصحيح المسار.
أم أصوات حاقدين، حاسدين لم تصلهم قطعة من الكيك العراقي…أو (الفرهود) حسب المصطلح المشاع. أم أنها أصوات مختلطة من جميع الفئات…أم أنه ورائها جهات خارجية لا تريد الخير للعراق وشعبه.
في وقت ليس ببعيد كان البعض محق حين قالوا أن البلدان المحيطة بالعراق لا تريد النجاح للتجربة العراقية خوفاً من تصديرها، أو خوفاً من أن ينالها الدور بحكم سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على حكم العالم بالقوة والاقتصاد والسياسة وحياكة المؤامرات وبث الفوضى لأنها خلاقة.
ولم يخطأ من صور لنا أن أهم ما تسعى لها أمريكا هي السيطرة على الذهب الأسود، وبالخصوص سيطرتها من خلال تبديل أساليب الحكم في الدول المنتجة للنفط لكي تكون مطيعة لأوامر أمريكا وحلفائها الكبار…أو بالأحرى حسب رأي الدول الصناعية السبع وقراراتها وخططها الاستراتيجية.
ولم يخن ضن البعض الذي قال أنها حرب وصراع الثقافات، وبالأخص صراع الديانة الإسلامية (المتطرف) وبين العلمانية والقوى الليبرالية العالمية. لكن لم يذكر التطرف الديني لدى باقي الديانات.
فلكل الأفكار والآراء نوع من الحقيقة حسب وجهة النظر والمؤثرات إن كانت أيدلوجية أو معتقدات كامنة في عقلية ذلك الإنسان…فليس هناك من هو حيادي لحد النغاع.
لكنني أود من خلال هذه السطور بيان أوجه التشابه والخلاف بين وجهات النظر التي تستهدف العملية السياسية والكتل الحاكمة والقيادات بمختلف اتجاهاتها وتوجهاتها. ولكي ألخص الموضوع أضع بعض النقاط التي أراها المحرك الأساسي لمجمل الانتقادات الهادفة والمهدمة.
1- الفساد الذي استشرى في أعلى مؤسسات الدولة العراقية بعد التغيير كان محركاً للأصوات التي أتخذ موقفاً معارضاً لكل ما يصدر من الحكومة.
2- إعلان الحرب على الذين كانوا أدوات بيد النظام السابق، وعدم معرفة احتوائهم بطرق سليمة وسلمية.
3- كثرة الاغتيالات العشوائية – منها أخذاً للثأر ومنها حسب أوامر خارجية.
4- هجرة العقول خوفاً من القتل والتنكيل.
5- ظهور عصابات على غرار المافيا العالمية.
6- تخطيط النظام البائد لزرع الرعب والقتل بين صفوف الشعب بعد الهزيمة النكراء.
7- عدم قدرة القيادات لإدارة البلاد بالشكل المطلوب.
8- التدخل الكامل في كل صغيرة وكبيرة من قبل الأمريكان – سوء معرفتهم للوضع الاجتماعي والأخلاقي والبيئة العراقية والأعراف…والقائمة تطول.
9- خسارة الكثيرين لمواقع مرموقة وضمانات مالية ضخمة ومنزلة سياسية واجتماعية.
01- انعدام مبدأ إدارة الدولة أو فقدان ستراتيجية موحدة بين القوى الفعالة.
11- التخبط في شكل الحكم – إسلامي على أساس مذهبي منقسم، أو علماني ليبرالي غير منسق.
21- العوز القاتل بين صفوف الشعب العراقي منذ فترة طويلة.
31- عدم وقوف الدول المحيطة بالعراق لمساندة الوضع الجديد، بل كانوا ومازالوا حجر عثرة في طريق العملية السياسية.
41- عدم إنصاف الأطياف المظلومة طيلة أربعة عقود، وتوزيع المنجزات على أعضاء الأحزاب والمقربين.
51- التسابق من أجل السلطة وثروة العراق المباح أدى لنسيان الشعب وزيادة في ظلمهم مآسي وآلام.
61- زيادة عدد وسائل الإعلام ونقص في النوعية والحيادية.
71- تعميق الفجوات بين المجتمعات العراقية المختلفة.
81- انعدام التوجه الوطني الحقيقي والصادق…بل الشعارات غلبة الأفعال…أو عاكستها.
91- تفرق المثقفين لجبهات متنوعة ومختلفة…وشراء الأقلام.
02- المنجزات الإيجابية لم تظهر بالشكل المفروض…لذلك فقدت أهميتها لدى الشعب العراقي.
12- فقدان إعلام الدولة الصارم بوجه الإعلام المضاد والمخرب.
22- فقدان الثقة بين جميع الأطراف المتنازعة على السلطة والمشاركة في السلطة.
32- عدم ضبط الحدود بوجه المخربين والإرهابيين والمهربين.
42- تواجد المخابرات العالمية بكثرة دون أي مواجهة وطنية أو شعبية.
وبالتأكيد أنني لم أذكر جميع النقاط السلبية والإيجابية التي أدت لفقدان التوازن بين النقد من أجل البناء والنقد من أجل التخريب والهدم والقضاء عل
ى العملية السياسية.
لكن أي منصف من غير المعقول أن يجعل مقارنة بين الماضي القريب والحاضر…دون أن يذكر دور الشعب العراقي في المشاركة الفعالة في العمليات الانتخابية المتعددة رغم التهديدات والقتل والتهجير …رغم القنابل والمفجرات والسيارات المفخخة. صحيح من قال ويقول أن وراء خروج هذا الكم للمشاركة في العملية الانتخابية أحزاب وشخصيات وطنية قومية ودينية مذهبية وما إلى ذلك…لكن هذه هي حالة الديمقراطية والتعبئة الجماهيرية…وهذا هو واقع المجتمعات العراقية ولا يمكننا التهرب منه أو نكرانه…وصحيح من يريد عراق متطور يسوده الوعي بأن الحياة للجميع دون تمييز عنصري عرقي أو أي نوع من أنواع التمييز، لكن هذا بحاجة لجهد كبير ومتواصل، وبحاجة لقيادات مثقفة وواعية، وبحاجة لنكران الذات والخلاص من المصالح المقززة.
كل ما يقال عن عراق اليوم هو صحيح وإن أعد البعض من نسج الخيال، لكن ما الحل…الجميع مشارك في خلق الأزمات بعضهم عن علم والبعض الآخر عن جهل وآخرين عن جهلٍ مركب. والجميع ينادي بالحل، وكلٌ يتصور أنه يملك الحقيقة الأبدية وما يقدمه هو الصواب وما يعده الآخر الخطأ بذاته. والكل يتحدثون عن العدالة والحقوق والنزاهة والوطنية والإخلاص وحب الوطن والشعب، وفيهم الكثيرين القتلة والفجرة والسرقة والوصوليين وعملاء الجهل والظلام. والذين يدافعون عن استقلال العراق قد يكونوا أهم أسباب التي أدت للاحتلال بقصد أو دون دراية. لم نصل لعراق أسلوب نظامه ديمقراطي محض…بل البحث عن أسلوب توافقي وهذه هي الديمقراطية التوافقية…ولا للديمقراطية مكان، ليس الآن قد يكون لكن بعد سنين وأنين وقد يعد بقرون.
أهم النقاط التي أراها ستوصل العراقيين لحل المعضلات وعبور الصعاب وإزالة المشاكل المستعصية:
1- إبرام اتفاق قوي ومحكم وبعيد المدى بين الأحزاب الكبيرة لفرض الديمقراطية بحسابات الأصوات الأكثرية.
2- عقد ميثاق شرف وطني لعدم ظلم الأقليات بأي شكل من الأشكال.
3- التوصل لتوافق بشأن القضايا المصيرية الداخلية، مثلاً كركوك والأقاليم.
4- اعتراف الدولة العراقية بجميع الجرائم بحق الإنسانية وتقديم الاعتذار الشديد وتعويض المظلومين بشكل كامل دون أي إجحاف.
5- إرجاع جميع المهجرين للوطن وصرف الوثائق الرسمية لهم وتعويضهم عن طيلة أعوام الحرمان والظلم.
6- تثبيت دعائم المصالحة الوطنية الحقيقية وتحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول التي لديها ذات التجربة.
7- إصدار قانون صارم وحازم ضد أي اتهامات قومية طائفية مذهبية وحرمان دم ومال وشرف وكرامة كل العراقيين…بل الإنسان أفضل تعبير.
8- حرمة المؤسسات الحكومية مهما كبرت أو صغرت لاستغلالها من قبل الأحزاب النافذة فهي ملك العراقيين جميعاً ويجب أن تكون للكفاءة والنزاهة حكم وفيصل.
9- المكاشفة والشفافية في كل ما يخص ثروات العراق قبل الإقرار والتصرف.
01- التعامل مع العالم الخارجي الشقيق والصديق والبعيد والقريب على أساس مصلحة الشعب العراقي أولاً مع الأخذ بنظر الاعتبار مصالح الآخرين …وذلك من خلال تكوين شبكة عقول تفاوضية ذات قدرة لنيل المكاسب.
11- الأجهزة الأمنية بكل تشكيلاتها وتنويعاتها يجب أن تحظى باستقلالية كاملة عن التحزب والتطرف والانجراف وراء النزاعات والسياسات الداخلية للأطراف…والمهنية في عملها ضرورة قصوى.
21- القانون يجب أن يكون فوق الجميع الفقير والغني صاحب السلطة المسئول والمأمور. والمثل الذي يقول القانون لا يرحم المغفلين…يجب أن لا يرحم المسئولين فهم أولى بالمحاسبة…والعارف أولى بالحساب من الجاهل والمغفل.
وقد لا أكون هنا ملماً بكل ما يدور في خلد المثقفين وأصحاب الفكر والتجربة الأمور الضرورية والملحة والتي تؤدي لوفاق وطني وتوافق شعبي ووعي متكامل لبناء العراق من أجل العراقيين جميعاً. وهذا الأمر يتطلب تدقيق وعلم ودراسة ومراقبة لكل صغيرة وكبيرة…وللإعلام دور مهم وفعال في تنشيط الذهن الجماهيري لقبول الجيد ورفض السيئ والقبيح واللاوطني.
هل أرسم خيال، أم أشرح حلماً قد صحوت من نومةٍ هنيئة لواقع مليء بالقهر والحرمان والحقد والبغضاء والتقاتل من أجل السلطة والثروات…ومن للعراقي المسكين…ومن للمضطهد سابقاً وحالياً ولاحقاً.
المخلص
عباس النوري
03/08/08
[email protected]