“التجربة الدنمركية” كان عنوان فيلم للكوميدي المصري الكبير عادل أمام عرض من خلاله التباين بين الثقافة العربية والغربية في بعض القضايا الاجتماعية، وعرض من خلاله الصورة الشكلية التي من خلالها يحكم الغرب على مدى نيل المرأة لحقوقها وحريتها في العالم العربي، والتي يقصد بها الحرية المطلقة المجردة من أي ضوابط أو قيم تحافظ على كرامة المرأة.
ومن مدينة رام الله وتحت رعاية الممثلية الدنمركية ووزير التعاون الدنمركي انطلقت حملة الشعلة تحت شعار ” حق المرأة الفلسطينية في الحياة”، انطلقت الحملة، والهدف من الحملة ” تجديد الأنظمة والقوانين، والرقي بالوعي الاجتماعي حتى نتمكن من حماية المرأة من الظلم الاجتماعي، وأشاروا إلى الحاجة الملحة لحماية المرأة وحقها في الحياة، وعدم قتلها على خلفية ما يسمى بقضايا الشرف”.
من يقرأ تفاصيل وأهداف هذه الحملة يخرج بانطباعيين أولهما أن المرأة الفلسطينية لا زالت تعيش عصر العبودية في فلسطين، وأن النساء في فلسطين يذبحن على قارعة الطريق يومياً بسبب ما يسمى بجرائم الشرف، وخاصة أن في الحملة شركاء فلسطينيين وعلى رأس هؤلاء الشركاء سياسيون وبرلمانيون وجمعيات يفترض أن تكون المبادرة منهم في سن القوانين ووضع الأنظمة التي تحمي المواطن الفلسطيني بإناثه وذكورة وعلى كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والصحية …الخ.
وباعتقادي إن مثل هذه الحملات تأتي لصرف النظر عن القضايا الجوهرية والأساسية التي تهم المجتمع الفلسطيني برمته، وتهم قطاع المرأة الفلسطينية على وجه التحديد، فعلى الرغم من أهمية الوقوف في وجه موضوع قتل النساء على خلفية الشرف، ورفض مثل هذا النهج في معالجة الأمر، هناك قضايا جوهرية وأساسية ذات أهمية في حياة الشعب الفلسطيني والمرأة الفلسطينية التي يجب أن يكرس الاهتمام بها وذات علاقة بالقضية الوطنية.
إلا أن سياسية الدعم الأوروبية والغربية تتركز في بعض الأمور الداخلية الفلسطينية وتبتعد عن دعم القضايا الوطنية والسياسية، وكأن الهدف تغييب القضايا الوطنية لصالح قضايا ثانوية، فالمرأة تعاني في المجتمع الفلسطيني بشكل لا يقل عن معاناة الرجل بسبب سياسية الاحتلال القائمة على القتل والتدمير ومصادرة الأراضي.
ففي الانتفاضة الفلسطينية الثانية فقط سقط (314) شهيدة فلسطينية حتى حزيران 2008 بفعل نيران الاحتلال وجرائمه، وأكثر من مائة وعشرون أسيرة فلسطينية يعانين في السجون الإسرائيلية وبينهن من هن محكومات لعشرات السنيين، ويواجهن شتى صنوف العذاب والإهانات اليومية من سجاني دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي الأسابيع الأخيرة اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدد من النساء الفلسطينيات منهن من يشغل مناصب في المجالس البلدية والمجلس التشريعي الفلسطيني، ولم نسمع من الدول “الحريصة على حقوق الإنسان وحقوق المرأة” غير بعض التصريحات الخجولة التي تنم عن تواطؤ غربي لا بل عالمي مع ما تقوم به دولة الاحتلال، فإن كانت الدنمارك حريصة على حق المرأة الفلسطينية في الحياة فعلاً عليها أن تقف مع حقوق المرأة الفلسطينية السياسية وحقها في الحرية من نير الاحتلال أولاً، لا أن تصب جام جهدها على قضية يمكن معالجتها بقوانين وأنظمة فلسطينية حال قدرة الشعب الفلسطيني على ممارسة حياته كبقية شعوب العالم الحرة التي تستطيع سن القوانين والأنظمة الضابطة لكافة جوانب الحياة ومنها قضية قتل النساء على خلفية شرف العائلة.
في المقابل فاقد الشيء لا يعطيه، فقبل أن تحرص الدنمارك على حقوق المرأة في فلسطين عليها أن تنصف النساء وتمنحن حقهن في الحياة داخل حدودها أولاً، فتقرير منظمة العفو الدولية للعام 2007 عرض صورة الحياة للمرأة في الدنمارك والذي يشير ليس للظلم فقط بل لسياسية عنصرية تجاه المرأة من غير الأصول النرويجية، وورد في تقرير منظمة العفو الدولية “ فحصت “اللجنة المعنية بالقضاء على التمييزضد المرأة” التقرير الدوري السادس المقدم من الدنمرك، وأعربت عن القلق بشأن مستوىالعنف ضد النساء والفتيات؛ والاتجار في النساء والفتيات؛ وبشأن طول “مهلة الحسم“،والتي تعني ترحيل النساء اللاتي تم الاتجار بهن تلقائياً إلى بلدانهن الأصلية بعد 30 يوماً. كما سلطت اللجنة الضوء على المخاطر التي تواجهها الأجنبيات المتزوجات مندنمركيين، ممن حصلن على تصاريح إقامة مؤقتة لدواعي الزواج، ويتهددهن خطر الإبعادإذا ما غادرن منزل الزوجية بسبب تعرضهن للعنف على أيدي أزواجهن”.
والغريب إن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية يركبن هذه الموجه بسرعة فائقة ويسارعن بتبني تلك البرامج الواردة من الدول الغربية دون فحص مدى جدواها وأهميتها لواقع المرأة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا يعود إلى أن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية وخاصة تلك العاملة في مجال حقوق المرأة وتمكين النساء تفتقد لبرامج عمل وأولويات فلسطينية بحته، بل مرتبطة بالممول وشروطه وبرامجه لا أكثر ولا أقل.
والملفت للنظر أيضاً أن عدد من القادة السياسيون والمشرعين الفلسطينيين كانوا في استقبال حملة شعلة حق المرأة الفلسطينية في الحياة، فأين كان هؤلاء السياس
يون غائبين طوال هذه الفترة؟، أليس هم القادة والمشرعون المطلوب منهم وضع الأنظمة والقوانين لحماية المواطن الذي أوصلهم لهذه المواقع القيادية والتشريعية؟، فبدلاً من مشاركتهم بمثل هذه التظاهرات والبرامج الموجهة عليهم قول كلمتهم والقيام بدورهم في المكان والزمان المناسبين لا أن ينتظروا مبادرات دنمركية وغير دنمركية للقيام بواجبهم تجاه المرأة الفلسطينية وحمايتها.
يون غائبين طوال هذه الفترة؟، أليس هم القادة والمشرعون المطلوب منهم وضع الأنظمة والقوانين لحماية المواطن الذي أوصلهم لهذه المواقع القيادية والتشريعية؟، فبدلاً من مشاركتهم بمثل هذه التظاهرات والبرامج الموجهة عليهم قول كلمتهم والقيام بدورهم في المكان والزمان المناسبين لا أن ينتظروا مبادرات دنمركية وغير دنمركية للقيام بواجبهم تجاه المرأة الفلسطينية وحمايتها.
بالتالي على مؤسسات الشعب الفلسطيني بشقيها الأهلي والمدني أن تعمل على تحديد أولوياتها وفق احتياجات وظروف الشعب الفلسطيني، وأن تأخذ هذه الأولويات والبرامج التوعوية والتثقيفية المرتبطة بها المورث الديني والثقافي والاجتماعي الخاصة بالشعب الفلسطيني، لا أن تكون سطوة الممول وتوجهاته الفكرية والعقائدية هي التي تحكم وتحدد أولويات هذه المؤسسات ونظام عملها وبرامجها، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية أن تضع الأنظمة والقوانين التي تحدد إطار لعمل المؤسسات الأهلية وآلية التمويل وأوجه صرف هذا التمويل لكي لا تتحول بعض المؤسسات الأهلية لأذرع منفذه لسياسية لا تخدم المصلحة العامة.