لم أشأ منذ أن غادرت مجلس الأمة في أواخر سنة 2003 أن أدخل في سجالات كلامية ومزايدات لا طائل منها، وفضلت بعكس كل ذلك أن أحتفظ لنفسي بحق الملاحظة والمتابعة لما يجري من أحداث سياسية في بلادي، لكن ذلك لم يمنعني من الجهر بمواقفي فيما يتعلق بأمهات القضايا في الجزائر والعالمين العربي والإسلامي، فموقف الملاحظ احتفظت به طوال هذه المدة بخصوص القضايا التي كانت سببا في طلاقي مع السلطة، والتي على رأسها ملفات الفساد ومافيا العقار وشبكات الاتجار في المخدرات، فضلت وعن قناعة أن أترك الحكم في هذه القضايا التي رفعت بشأنها ملفات ثقيلة إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، إلى الزمن ليقيني بأن التاريخ لا يرحم، فرئيس الجمهورية ومباشرة بعد أن رفعت إليه ملف المخدرات وهي الواقعة التي تشهد عليها الصحافة الجزائرية والدولية، فضل التنصل من مسؤوليته ورمى باللائمة علي عند دوائر صنع القرار، وقلت إذاك وفي قرارة نفسي، إن الرئيس لم يقو على مواجهة قوى الشر، ورضيت بالمقابل أن أتحمل تبعات ما قمت به في سبيل نصرة الجزائر وتخليصها من الشوائب والأجسام الخبيثة، ولم أفكر يوما وبرغم المضايقات والتحرشات التي طالتني وطالت أبنائي أن أستنجد بفلان أو علان، وأوكلت أمري لله سبحانه وتعالى، وكلي ثقة بأن قلاع الفساد والإفساد سوف يأتي اليوم الذي تنهار فيه على رؤوس أصحابها، وأكرمني الله تعالى اليوم وأنا أرى بأم عيني كيف تتساقط رؤوس الفساد التي حاربتها لما كنت رئيسا لحزب سياسي حلته السلطات ظلما وعدوانا، ولما كنت عضوا بالمجلس الانتقالي ورئيسا للمجموعة البرلمانية للثلث الرئاسي بمجلس الأمة، فالحمد لله أنني وفي الوقت الذي توليت فيه مناصب عليا في هرم الدولة لم أزدد إلا إصرارا على محاربة الفساد والمفسدين، وقد كلفني وأهلي ذلك حملة مضايقات غير مسبوقة لا يسمح المقام لسردها، وإنني إذ أستحضر هذه المحطات اليوم فبعد أن تعرّى واقع الفساد الذي حاربته دوما وأبدا،وتساقطت رؤوسه أمام القاصي والداني، وتأكد الجميع أن من اتهمتهم في سنوات خلت وكشفتهم أمام الرأي العام الوطني والعالمي من مسؤولين كبار في الدولة الجزائرية، لم يكونوا سوى «حرامية» ومجرمين استغلوا مناصبهم في مؤسسات الدولة لتقوية نفوذ شبكاتهم الإجرامية، وبعد أن انكشف أمر هؤلاء يحق لي أن أسائل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة وأقول له من منعك سيدي الرئيس من مساندتي في الحرب على الفساد والمفسدين؟
وأقول له، واليوم وقد أنصفني الله والتاريخ هل بمقدوركم سيدي الرئيس أن تفتحوا جبهة موسعة لمحاربة باقي جيوب الفساد، التي لا تزال تنخر البلاد والعباد، أم أنكم سيدي الرئيس ستفضلون التلذذ بنشوة لسكر السلطة التي وفرتها لكم سريا الحكم؟
إنني وبحكم قربي منكم فخامة الرئيس، وبحكم أنه كان لي الحظ في محادثتكم، لعلى يقين بأنكم ستتركون دار لقمان على حالها، وتلك الأيام نداولها بين الناس…
جمال الدين حبيبي