لعل الإنسان لا يولد من بطن أمه مجرما أو شقيا أو ظالما أو حتى مظلوما، أي أن الإنسان من إنتاج المجتمع الذي يعيش فيه، والبنية الطبقية التي ينتسب إليها عرقيا واجتماعيا ونفسيا، يحمل همومها إلى جانب سلبياتها وايجابياتها، ونموذج “المومس” الصورة الواضحة [للنحيب النرجسي] (1) لمجتمعاتنا العربية خاصة، لأنها أنثى كتب عليها العيش في مجتمع ذكوري، لا يعترف إلا بسلطة الذكر والأب كسائر المجتمعات البطريركية في تاريخ البشرية، من هنا تنطلق المقاربة التي تتجلى تفاصيلها في مأساة الأنثى وضعفها وموقعها الاجتماعي كوسيلة لتلبية نزوات جنسية أو ملذات جسدية أو كمصنع بيولوجي لإنتاج الأطفال، فالمومس غالبا ما تكون مرت من ظروف اجتماعية قاهرة تبلورت في رد فعل نفسي رضوخي لسلطة المجتمع/الذكر، لتسقط ضحية مكلومة، تعاني في صمت قاتل، بعدما كانت إنسانة ممانعة جنسيا ونفسيا واجتماعيا وأخلاقيا، والمجتمع الذكوري يذكي دوامة ضياع هذه الإنسانة، ويعمق تناقضاتها، ويزدريها ويحتقرها، مع العلم أنه هو الذي أنتج هذه الظاهرة الاجتماعية “المومس” أو “قارب الليل” حسب نجيب محفوظ فهي المتنفس الذي يوفر المتعة واللذة، أما القهر المجتمعي فيتخذ من الأنثى بصفة عامة مجالا للتفريغ والضغط النفسي، فالإنسان المتخلف في الدول والمجتمعات الذكورية يقوم بإسقاط نفسي مرضي لكل عقده وأزماته على الأنثى والمومس خصوصا، وينسى أنه هو علة نشوء الكبت والقهر الاجتماعي والنفسي، فالنحيب النرجسي الصامت، القابع في اللاوعي المجتمعي هو إنسان أسموه (مومس) ، فهو باختصار ضحية ونحن نصنفه كجلاد، فالأنثى هي إكسير الحياة والجنس هو غريزة الحفاظ على ديمومة الإنسان في الدنيا، ولا يجب اتهامها، بل إعادة الاعتبار لها، بواسطة إيقاف نزيفها النفسي اليومي من تعنيف وتحرش وقهر ونظرة دونية …فقبل أن تتجه نحو “مومس” تذكر أمك وأختك وبنتك …تذكر أن “المومس” ضحية والمجتمع هو الجاني، وعبر جدلية القهر الاجتماعي والكبت النفسي تنشأ الظواهر الشاذة، فالإنسان إذا ما فقد دوره الاجتماعي، حتما سيتحول اجتماعيا، وفي الغالب الأعم إلى ما لا تحمد عقباه …!
(1) [النحيب النرجسي] : معاناة الذات في صمت خافت لاشعوري، بعجز ورضوخ .
بوغولــــــيد رشــــــــيد : كــــــاتب ومــــــفكر مــــــــغربي
للمزيد من المعلومات المرجو الاتصال :
E Email : [email protected]
E GSM : 067.49.10.09