في مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء الاسرائيلي “أولمرت”مساء الأربعاء 30/7/2008 في منزله، أعلن فيه عدم تنافسه على رئاسة حزب”كاديما”،وبما يعني تخليه عن منصبه كرئيس وزراء،حال انتخاب رئيس جديد للحزب.
وبغض النظر عن مسلسل التحقيقات المتعلقة بالاخفقات والهزيمة العسكرية في الحرب على لبنان تموز/2006 والفضائح المتعلقة بالرشاوي والفساد،والتي طالت”أولمرت” مباشرة،مما استوجب اعلانه عدم ترشح لرئاسة الحزب،خوفاً من أن تقوده التحقيقات الجارية بتهم الفساد الى السجن.
والعبرة هنا أن هناك نظام قضائي ولا أحد محصن أمام القانون،بدءً من”كتساف”الرئيس الاسرائيلي السابق،والذي تم اقالته والتحقيق معه بطريقة مهينة بتهم تتعلق بالتحرش الجنسي،وانتهاء ب”أولمرت” والذي تولى الحكم والأب الروحي شارون”لكاديما” في غيبوبة،وها هو يخرج من الحكم وهو في نفس الغيبوبة،مع فارق كبير جداُ،حيث شارون بشخصيته”الكريزماتية” وقدرته على الحسم واتخاذ القرارات،رفع من شعبية”كاديما” الحزب الذي أسسه،وحطم أحزاب كبرى وقف على قمة هرمها وقيادتها مثل”الليكود”،واليوم وشارون ما زال في غيبوبته،فإن التوقعات تشير الى أفول نجم”كاديما” والذي ربما يدخل في مرحلة غيبوبة كمؤسسه وبانيه، وقد تدفع الصراعات والخلافات، بين أقطابه الواردة اليه من أكثر مشرب سياسي وحزبي الى التفكك والتحلل.
والمهم هنا أنه رغم كل مسلسل الفضائح والاخفاقات،فإن هناك انجازات تحققت في عهده في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،مثل تخفيض معدلات البطالة والفقر،والتأييد السياسي العالمي غير المسبوق لاسرائيل عالمياً ..الخ،ولكن كل ذلك لم يشفع لهذا الرجل،وها هو يصل نهاية مستقبله السياسي.
أما في عالمنا العربي،فالصورة ليست كما هي في اسرائيل،فضائح وفساد ولجان تحقيق وهزائم وغيرها،فكل الزعامات العربية بمختلف تسمياتها وألقابها، لا تشوبها شائبة ولا تغيب عنها واردة ولا شاردة،فهي في العدل أعدل من الخليفة عمر بين الخطاب،وفي الحريات السياسية والديمقراطية والتعددية الحزبية،ما هو متوفر فيها لا يوفره أي نظام سياسي ليبرالي يدعي راية الديمقراطية،فحق التعبير عن الرأي والتظاهر ضد النظام “مكفول”،حتى أن أجهزة قمع النظام،”توفر الحماية للمتظاهرين،لا تعتقلهم ولا تطلق الرصاص عليهم ولا يجري اغتصابهم في السجون ولا تعذيبهم ولا يختفي جزء منهم دون معرفة طريق له”،أما عن تداول السلطة والترشح ،”فهو النموذح الرائد،والذي لو صارت عليه الشعوب والدول الأخرى،لما بقيت في جهلها وتخلفها،فالأوطان عندنا وهذا فقط غيض من فيض اقطاعيات،وهي مملوكة بالوراثة رؤساء وملوك وأمراء ،ولا يتخلى أي من زعماءنا عن كراسيهم،الا بالموت أو القتل”،فالجماهيرهي التي تريدهم وجاءت بهم للحكم بطريقة ديمقراطية(99،9 )،وأعطوني أي زعيم في العالم يحصل على هذه النسبة،بما فيهم زعيم الدولة الأولى في العالم،وهناك مثال حي على” وعي” الشعوب و”حبها” للقيادة أكثر من نفسها،وهي لم يحركها لا اغتصاب العراق ولا فلسطين،ولا ما يرتكب فيهما من مجازر وانتهاكات واستباحة للأوطان والأعراض،بل حركها حب الزعيم والقائد،وما أن وصلت أخبار اعتقال السلطات السويسرية ل”هانيبال” القذافي بتهمة ضرب خادميه،كما ضرب صديقته في فرنسا،حتى قامت الدنيا ولم تقعد وتحركت “اللجان الشعبية الثورية”،أكثر الله منها في دولنا وهي كثيرة، لتهتف بحياة الزعيم وولده،وأغلقت مؤسسات وشركات سويسرية عاملة في ليبيا ،واعتقل الكثير من رعايها في ليبيا أيضاً،في مثال حي وصارخ على “النخوة والشهامة العربية”،وهذه الجماهيرالتي لم تنتصر لا لنفسها ولا لقضاياها العربية، ستبقى غارقة في نار الجهل والذل،وستبقى ترقص وتطبل وتزمر للنظام،ما زالت هي والأحزاب التي تدعي تمثيلها ارتضت لنفسها هذا الدور.
أما في المجال الاجتماعي،وتحديداً في قضايا الفقر والبطالة ومحوالأمية،فهذا ما يميز أنظمتنا وقدرتها على وضع “الحلول لهذه المشاكل”،حيث أنك في طول الوطن وعرضه ،لا تجد “جائعاً واحد لا فقراء يموتون جوعاً لا في الصومال ولا السودان ولا اليمن”،أما معدلات البطالة فهي “الأدنى” في العالم وتقارب “الصفر”، لا 20 ولا 30 في المائة،او ستين وسبعين في المائة كما هو الحال في فلسطين،وفي التعليم لم يبقى لدينا “أمي واحد”،فقط 85 مليون على الأقل من مجموع عدد سكان الوطن العربي، وفي قضايا المرأة وعلى صعيد حقوقها ومساواتها،فهذا أحد نماذج “الفخر والاعتزاز لنا عالمياً، حيث لا بيوت دعارة عندنا ولا تحرش واغتصاب للنساء في الشوارع ،ولا امتهان لكرامة المرأة،ولا هي سلعة وتجارة”،وحديث المؤسسات الدولية عن أن دولتين من الدول العربية في المرتبتين الثانية والسادسة في تجارة اللحم الأبيض،هي محض “افتراء وتشويه”،والمحطات الفضائية الجنسية التي يمتلك رجال أعمالنا وأمرائنا أغلبها،فهي امتياز ونصر يسجل لنا ويضاف “لسجل انتصاراتنا الكثيرة”
،ونحن الأقدر على حل مشاكل العنوسة في مجتمعاتنا،وهناك الكثير من المراجع الدينية التي تفتي في هذا الجانب،فعدا الزيجات الشرعية مثتى وثلاث ورباع،لدينا زواج المسيار والمتعة والكيف والونس والعرفي وحتى ارضاع الكبير قبل الصغير.
أما على الصعيد العسكري والسياسي والقضايا القومية،ففيهما الكثير الكثير من “النماذج الخلاقة والمبدعة واجتراح المآثر والبطولات”،فترساناتنا تمتلك أحدث أنواع السلاح،والمعد طبعاً ليس “لقمع الجماعير وقيادتها بالنار والحديد،بل لحماية الوطن والدفاع عنه ونصرة قضاياه،فأرضنا وأوطاننا ليست مستباحة ولا تجد عليها قاعدة عسكرية أجنبية،ولم نستخدم السلاح في خلافاتنا الداخلية أو في الاعتداءات على بعضنا البعض،ولم نسهل وندعم ونساهم في احتلال هذا البلد العربي أو حصاره،وانتصاراتنا ليس لها أول ولا آخر،ولم نعرف الهزيمة قط،ولن تكن جيوشنا للإستعراض،ولا أسلحتنا نشتريها وتصدأ،ونشغل من خلالها شركات السلاح الأمريكية والغربية،المستخدم في قتلنا ولا نشتريها من أجل عمولات ورشاوي طائلة نتقاضها”،أما عن الرتب والنياشين والأوسمة عندنا،فهي لم ينالها ويحصل عليه أفضل وأشجع القادة العسكريين في المعارك، “فالرتب والنياشين والأوسمة عندنا،والتي تثقل صدور وأكتاف الكثير من قادتنا العسكرين،يحصلون عليها ليس في معارك الشرف والبطولة،بل من خلال المراسيم”والفرمانات”وعلاقة القرابة والمصاهرة والنسب وغيرها.
وأنا لو استميرت في شرح الفروقات لكم بين قادة أنظمتنا العربية،وحتى الأحزاب وحركات التحرر منها والتي تتلطى بالشرعية الثورية زوراً،وبين قادة النظام في اسرائيل ،فهذه مسائل بحاجة الى كتب ومجلدات،وعندما يأتي وقت يتخلى فيه زعيم من زعماءنا عن كرسيه طواعية أو نستطيع توجيه اتهام لعقيد وليس وزير أو زعيم بالفساد والرشوة أو السبب في هزيمة ،فهذا يعني أننا نسير نحو التغير والتطوير والتثوير.
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
1/8/2008