إن ما حدث في غزة يومي 25 و26/7/2008 بغض النظر عن الجهة التي تقف ورائه؛ فهو يمثل جريمة بكل معنى الكلمة، ولا نعني بالجريمة معناها المتعارف عليه كجريمة عادية يمكن أن يتم الحساب عليها من خلال القانون الجنائي، أو العفو عنها من الجهات المعنية بها، ولكن نعني بها جريمة بحق شعب وأمة وقضية، جريمة تفتح باب الحرب الأهلية على مصراعيه، جريمة لا علاقة لها بالاختلاف السياسي أو التنظيمي والفصائلي المتعارف عليه في تاريخ هكذا خلافات وإن كانت نوع منها، ذلك لأنها تأتي في توقيت حساس جداً بالنسبة لِما تمر به القضية المركزية للأمة. صراع على الفتات فلوضع الفلسطيني الداخلي، يمر بظروف صعبة منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية في كانون الثاني/يناير 2006، وقد ازدادت تلك الظروف صعوبة بعد أحداث غزة في حزيران/يونيو 2007، وما أحدثته من انقسام بين جناحي الوطن وقطيعة بين حركتي فتح وحماس، وما ترتب على تلك الأحداث من حصار وعزل لقطاع غزة عن العالم. وقد جاءت دعوة الرئيس محمود عباس للحوار في الذكرى السنوية لتلك الأحداث بدون شروط مسبقة ولا اتهامات لحركة حماس كطوق نجاة للوضع الفلسطيني وخاصة لأهلنا في غزة الذي يكاد الحصار يقضي على ما تبقى لديهم من روح معنوية ونفسية قوية، وإرادة للصمود والمواجهة. وإنهاء حالة الحصار المفروض على أهلنا في غزة منذ ما يزيد من عام وقبلها عام وأكثر على تباعد، لتستعيد الجماهير الفلسطينية بعضاً من عوامل صمودها بعد أن أنهكها الحصار المجحف. وتجديد للأمل في استعادة وحدة الوطن جغرافياً وسكانياً بعد تلك القطيعة التي كانت لها آثار سلبية كبيرة على الوطن، وتهدد في حال استمرارها بالقضاء على القضية وتصفيتها نهائياً. ولا يُستبعد أن تكون تلك التفجيرات جزء من مخطط تهيئة الظروف بشكل أو بآخر لإكراه الجماهير الفلسطينية على الموافقة على أي تسوية في حال تم طرحها نهاية هذا العام! ووسيلة من تلك الوسائل لإكراه الجماهير على إفشال الحوار الفلسطيني وعودة الوحدة لشطري الوطن، والاتفاق على إصلاح وتطوير وإعادة تفعيل منظمة التحرير لتتمكن من استيعاب الفصائل الإسلامية التي تقف خارجها، لأن ذلك في نظر مَنْ يريدوا تمرير مشروع التسوية قد يفشل الاستفتاء وتأتي نتائجه عكس ما يريدون ويطمحون. علماً أنه لا يمكن تمرير أي اتفاق تسوية ما لم يتم إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني ووسط القطيعة بين حركتي حماس وفتح والسلطة. سواء كان ما ذهبنا إليه مُحتمل أو لا؛ فإن الذي لا يُحتمل ولا يجب أن نختلف عليه هو: أنه يجب وقف الحملات الإعلامية التي لا تخدم إلا عدو الأمة والوطن، ووضع حد وبدون تأخير أو مماطلة أو تردد لتلك الحالة من التوتر والانفعال والتحريض الإعلامي من كلا الطرفين، يجب أن نكون جميعاً مسئولين وحريصين على عدم توصيل الأمور إلى أبعد من ذلك، وألا نعطي الفرصة للموترين ومشدودي الأعصاب من دعاة الفتنة والفرقة، أو دعاة التكفير والتخوين، وكل مَنْ يحاول أن يصب الزيت على النار أو ينفخ في رماد الفتنة، من الطرفين لتأجيج المشاعر وشحن النفوس بمزيد من مشاعر الكراهية والعداء والحقد والتحفز ضد الآخر، وإخراج الوضع عن السيطرة لأن الجميع سيكون فينا خاسر. يجب أن يُقر كلا الطرفين أن لدى كل واحد منهما فريق مستفيد من الوضع القائم وليس من مصلحته الحوار والصلح وتجاوز وضع الانقسام والاختلاف، وأن تلك المصلحة هي التي تحركه وتجعله يضع العقبات ضد أي محاولة للتقارب وتصفية الأجواء من أجل إنجاح الدعوات والمحاولات المخلصة لإصلاح ذات البين. ومن أجل ذلك يجب إبعاد كل مَنْ يحاول من الطرفين من المتحدثين الرسميين أو الذين تستضيفهم الفضائيات أو تجري معهم الصحف والمجلات مقابلات أو أحاديث، أو كتاب المقالات والتقارير وصياغة الأخبار، كل مَنْ يحاول تصعيد حالة التوتر وتكريس القطيعة بين الإخوة والأشقاء في حركتي حماس وفتح، بل وأن يصل الأمر إلى محاسبة مَنْ لا يلتزم منهم معايير المصلحة الوطنية في عمله أو حديثه أو كتاباته. كما يجب ألا يكون ذلك فقط مطلوب من الفصيلين الرئيسيين (فتح وحماس) ولكن يجب أن يكون لبقية الفصائل الفلسطينية التي اعتادت أن تقف على الحياد أو تمسك العصا من المنتصف أو تميل لهذا الطرف أو ذاك بحسب مصالحها الحزبية والشخصية، عليها أن تتخلى عن سلبيتها وأن ترفع صوتها لا منددة ومستنكرة وملقية اللوم على هذا أو ذاك، ولكن من أجل أن تكون شريك حقيقي في رسم السياسة الوطنية في جميع المؤسسات وعلى جميع المستويات، بالفعل لا بالكلام فقط، وأن تتخذ خطوات عملية من أجل تحقيق ذلك بعد أن اعتاد منها الفصلين القويين أن يكونا تابعين لهذا أو ذاك، وإلا فتحل نفسها ويذهب كل واحد منهم إلى بيته، وكفاهم عيش كالعلق على دماء وتضحيات الجماهير والأمة باسم فلسطين وادعاء العمل لتحريرها وهم لا يفعلون شيء سوى جمع المال والحصول على المناصب وشرف القيادة!. دور الجماهير والأمة ونفس الأمر مطلوب من مؤسسات المجتمع المدني؛ أن تمتلك الجرأة على إدانة هذا الطرف أو ذاك، بل وأن تحريض الجماهير على العصيان المدني والخروج إلى الشارع للتعبير عن رأيها وحقها في قيادة نفسها، وتقودها حتى لو تعرضت إلى رصاص قوات الشرطة وأجهزة الأمن في غزة والضفة لتقول لكلا التنظيمين المتصارعين على المصالح التنظيمية والمكاسب الشخصية، أن القضية ليست ملكاً لكم ولا أنتم الخاسرون والمتضررون من صراعكما، ولكن نحن الذين ندفع الثمن ونسدد فاتورة صراعكم مع بعض وصراعكم مع العدو الغاصب للوطن، د
ماً ومعاناة وألم وحسرة لفراق الأحبة من أطفالنا ونسائنا وشيوخنا ومرضانا، قولوا لهم نحن لم ننتخبكم(الرئاسة والحكومة) من أجل أن تتصارعوا على مَنْ الذي يقودنا، ولكن من أجل أن تتعاونوا وتنسقوا لاستعادة حقوقنا الوطنية والتخفيف من معاناتنا وقسوة ظروف الحياة علينا. نعم على الجماهير الفلسطينية في الداخل والخارج بعد أن وصل الأمر بالفصائل وأصحاب القرار إلى الصراع على فتات ما سيبقى من الوطن وكأنه غنائم حرب تستحق الصراع عليها، عليها أن ترفع صوتها وتعلن رفضها لقيادة كلا الطرفين لها، وأن تطالب أن يكون التمثيل الأكبر في منظمة التحرير ومؤسساتها سواء المجلس الوطني أو المجلس التشريعي أو اللجنة التنفيذية وغيرها للمستقلين الذين يدفعون الثمن الأكبر في كل الظروف التي تمر بها القضية، دون أن يُنظر لتضحياتهم أو معاناتهم أحد من الفصائل التي تملك القوة والسلاح وتحتكر أموال التبرعات والدعم التي تأتي للجماهير وتعتبرها حق له تنعم وتترفه بها هي وعناصرها، وكأن الجماهير لا حق لها وليست هي التي قدمت تلك التضحيات التي تدر عليها تلك الأموال، والمشكلة أن تلك التنظيمات تَمُن على الجماهير ببعض الفتات الذي تقدمه لها كمساعدات وتعتبر نفسها أنها قدمت لهم ما يفرض عليها الولاء لها؟! يجب على الجماهير أن تقول لِمَنْ نصبوا أنفسهم قيادة لها بالقوة: كفى استهتاراً بمصيرنا وبحقوقنا وبدماء أبنائنا وتضحياتنا طوال عشرات السنين من أجل مصالحكم وأطماعكم في القيادة والسلطة والتسلط!!. كما وأننا نهيب بالأمة أفراداً وجماعات ومؤسسات وحكومات وأحزاب وتنظيمات ونقابات واتحادات الأمة كلها؛ هي الأخرى أن ترفع صوتها وأن تخرج في مسيرات ومظاهرات كما خرجت تدعم انتفاضة أهلها في فلسطين وتؤازرهم في صامدين، لتعلن رفضها قيادة ِمَنْ اثبتوا أنهم ليسوا أهلاً ليؤتمنوا على قضيتها المركزية، وبراءتها من أفعالهم ومطالبتهم بالاحتكام إلى المصلحة الوطنية والقومية والإسلامية لا إلى مصالحهم الخاصة، دون أن تؤيد هذا أو ذاك لأن الجميع في فلسطين أثبت أنه ليس أهلاً ليكون أمنيناً على قضية الأمة والمركزية، أو أن يترفع ويُغلب المصلحة العامة على الخاصة، ولكنهم جميعاً يقتتلون على فتات، على لا شيء! ولو كانوا صادقين أو أحدهما صادق أكثر من الآخر، لتنازل وضحى ببعض المكاسب من أجل وحدة الوطن وتجاوز المرحلة والعدو على وشك أن يضع لمساته الأخيرة على شكل خارطة الوطن التي يرسم خطوطها بحسب نصوصه التوراتية، وهما يتصارعان على .. على ماذا؟ لا أ‘لم!!!.