بالرغم من أن هذا النوع من الأحداث ليس الأول في قطاع غزة, غير أنه المرةَ يكتسي أهمية خاصة, ليس لفظاعة المجزرة , وحسب, ولكن للظروف السياسية الدقيقة والحساسة التي تحيط بها, أيضا. وقد تباينت المواقف من المجزرة التي ارتكبت على شاطئ غزة, وأوقعت ستة شهداء منهم خمسة من “كتائب القسام”. مخلفا مع انفجارين قبله عشرات من الجرحى. وفي بواكير المواقف اعتبرت بعض الجهات في السلطة أن المجزرة نتيجة صراعات داخلية في حماس, ثم تتابعت تصريحات أخرى منها تأسف وتستنكر, وفي موقف صريح تبنت “حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح – كتائب العودة”، في بيان حمل توقيعها, ونشره “المركز الفلسطيني للإعلام” يوم السبت (26/7) تلك المجزرة, وتوعدت بالمزيد. وأما حماس, فقد قالت إن التحقيقات أثبتت تورط عناصر في فتح في تدبير هذه الانفجارات, وأكدت أنها ستعرض نتائج التحقيقات بكل شفافية على المجلس التشريعي الفلسطيني والفصائل الفلسطينية.وأما الحكومة في غزة برئاسة إسماعيل هنية فقد أكدت أن مجزرة شاطئ غزة، التي ارتكبت مساء أمس الجمعة (25/7) “تحمل دلالات سياسية توضح وصول التيار الانقلابي إلى مرحلة خدمة الاحتلال والنيابة عنه في القتل والإرهاب. وقد شددت على أن الهدف الحقيقي لهذه العمليات الإجرامية هو “ضرب حالة الهدوء والأمن الذي يعيشه قطاع غزة “، مؤكدة “أننا لن تسمح لأي جهة كانت أو أي فئة العبث في ساحتنا الأمنية الداخلية. ولعل أولى الدلائل التي تستفاد من الجريمة وأقربها هي ضرب الهدوء الأمني الذي تُفاخر به حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة, وهو ليس بعيدا عن جملة من التصرفات المفتعلة, والصعوبات التي ظلت تتتابع على الحكومة في غزة؛ لإظهار عجزها, وعدم قدرتها على تسيير حياة طبيعية هناك. وقد ألمح نبيل أبو ردينة، الناطق بلسان رئيس السلطة محمود عباس، إلى مزيد من الفوضى والتخريب ما بقيت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على سدة الحكم في غزة، وعلل أبو ردينه لقناة “العربية” الفضائية فجر السبت (26/7) ذلك بالقول: “إن ما يحدث في قطاع غزة هو بسبب عدم وجود السلطة الشرعية”، في إشارة إلى “حكومة” سلام فياض. وقال المتحدث باسم رئيس السلطة: “إن ما يجري من فوضى في غزة وعدم وجود السلطة الشرعية سيؤدي في المستقبل إلى مزيد من الصراعات”، وتأتي هذه المجزرة في ظروف ترقب واحتقان في الشارع الفلسطيني, و في ظل تزايد الأصوات المنادية – حتى داخل سلطة رام الله- بوقف المفاوضات, فقد كشفت القدس العربي 26/7/2008بأن عباس أوضح لأركان قيادة السلطة بأن الجانب الفلسطيني سيتوجه لجامعة الدول العربية في حال فشل جولة المفاوضات في واشنطن لاتخاذ موقف موحد من فشل المفاوضات التي انطلقت عقب مؤتمر أنابوليس, ورد عباس علي بعض المسؤولين الفلسطينيين الذين طالبوه بوقف المفاوضات والإعلان عن فشلها بالقول ذهبنا للمفاوضات عقب أنابوليس بقرار عربي، والتراجع عنها, أو وقفها أو الاستمرار بها سيكون بقرار عربي كذلك. كما تأتي في ظل تسريبات صحفية عن موافقة حماس على استقدام قوات عربية تمهيدا لتسليم المقرات لسلطة عباس, وقد نقلت القدس العربي, أيضا, عن مصادر فلسطينية بتاريخ 26/7/2008 أن حماس وافقت علي نشر قوات عربية في قطاع غزة شرط أن يتم دمج آلاف من عناصر القوة التنفيذية التابعة لها ضمن عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وأشارت إلى أن موافقة حماس جاءت بعد حراك عربي على أعلى المستويات للإسراع في تنفيذ مبادرة الرئيس محمود عباس للحوار بين حركتي فتح وحماس والتي جاءت بناء على المبادرة اليمنية للمصالحة الفلسطينية الداخلية، والتي تبنتها القمة العربية الأخيرة. وتحدث هذه المجزرة في الوقت الذي يضيق فيه الخناق على محمود عباس لقرب انتهاء ولايته, وتهديد حماس بعزمها عدم الاعتراف بسلطته بعد ذلك, فالوقت لا يعمل لصالحه في هذه النقطة. من المحتمل أن تكون هذه الأحداث مؤشرا على تصاعد حدة الصراع والنزاع ؛ فقد كشف موسى أبو مرزوق في لقاء مع الشرق القطرية 26/7/2008 معلومات صريحة عن الدور الذي تقوم به مصر, في استمرار إغلاق معبر رفح, وألمح إلى أنها تتعاون مع أمريكا في كسر إرادة حماس, وإخضاعها, ورأى أنه يراد للسلطة أن تعود إلى غزة عن طريق التحكم في معبر رفح. ” وبشكل أكثر تحديدا يقول أبو مرزوق، بخلاف ما يروج عبر وسائل الإعلام عن وجود دعوة مصرية لحوار فلسطيني ـ فلسطيني قريب في القاهرة “ليست هناك دعوة للحوار. هناك رؤية مصرية ترى أن الحوار الوطني الفلسطيني لم يحن وقته المناسب بعد. وأن مختلف الأطراف لم ينضج موقفها للدخول في الحوار”. ويقر أبو مرزوق وجهة النظر التي ترى أن المصريين، وبقية الأطراف المعنية، يعملون على تعطيل فتح المعبر لأنهم “يظنون أن إغلاق المعبر سيعمل على إنهاء إدارة حماس لقطاع غزة، أو يساهم في تقصير عمر إدارة حماس في القطاع، في أحسن الأحوال”. ويؤكد “هم واهمون، وبعد؛ فلا يمكن فهم أبعاد هذه المجزرة وتداعياتها بمعزل عن الحالة الفلسطينية الراهنة التي آلت إلى انسداد أفق الحوار الحقيقي الذي قد يؤمل أن يؤدي إلى التئام غزة والضفة تحت سلطة موحدة, وقد حمّل بسيسو نائب أمين سر المجلس الثوري للحركة والقيادي في حركة فتح، صخر مسؤولية فشل الدعوة التي أطلقها عباس للمصالحة في حوار مع الحياة اللندنية في عددها الصادر بتاريخ 23/7/2008حملها إلى أطراف حول أبو مازن لا تريد المصالحة وقال
: «هناك أطراف في «فتح» لا تريد المصالحة، ومصالحها مرتبطة بإسرائيل أو بجهات إقليمية, وهي التي أفشلت مبادرته للمصالحة إضافة إلى وجود أطراف متشددة في «حماس» لا تسعى إليها.
وقد وضح أن الأميركيين لا يريدون لـ «فتح» عقد حوار مع «حماس» إلا بعد أن تنفذ الأخيرة كل الشروط المتعلقة بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الدولية الموقعة. “ والخشية أن يكون الانسداد في أفق ” السلام” أيضا سببا إلى الدخول في حالة من التفريغ الداخلي والرجوع إلى الوراء, و للأسف أن الجو المشحون بالكراهية والثارات المبيتة التي ما زالت تهيمن على الكثيرين من أبناء فتح وحماس تسمح بالدخول في هذه الحالة. ربما تتوهم السلطة, في رام الله, أو تُوهِم, أن الطريق إلى القدس والحقوق الفلسطينية يمر بغزة, تحت ابتزاز إسرائيلي يتمثل بالاتهامات المتكررة والعلنية لعباس بالضعف؛ بسبب عدم قدرته على بسط نفوذه على غزة؛ ويشككون حتى في قدرته على بسطها على الضفة؛ وقد صرح في لقائه الأخير ببيرس الذي عقد في القدس أن السلطة تقوم ببعض ما هو مطلوب منها, وليس كله, في إقرار صريح بعزمه على القيام بالمزيد , واستشعاره بوجوب ذلك عليه. إن خياراتٍ كنشر قوات عربية في قطاع غزة, أو غيره للخروج من المأزق الحالي لن يكتب لها النجاح, إذا توسلت بالقوة, دون توافق مع حماس التي ما زالت تحظى بدعم شعبي لا يبدو أنه يتناقص في غزة. وإن السبب الذي ألجأ ” إسرائيل” إلى قبول التهدئة, وهو الصعوبات العملية على الأرض, والالتفاف الجماهيري الذي تحظى به حماس يقف عائقا أمام أية خيارات أخرى غير توافقية.
[email protected]