لم يشهد تاريخ العلاقات بين حركتي فتح وحماس الكثير من التوافق لا في القضايا الرئيسة ولا حتى في القضايا الثانوية، وهذا الاختلاف ظاهرة صحية على إعتبار الاختلاف في المنطلقات والمرجعيات يقود بصورة طبيعية لهذه الدرجة من الاختلاف وعدم التوافق، ولكن عدم التوافق لم يكن يعني في يومٍ من الأيام تحويل الوضع الداخلي الفلسطيني لواقع لا تطاق الحياة فيه، فلم تكن إجراءات الاحتلال وممارساته كافيه في نظرهم فجروا الواقع الفلسطيني لشلال من الدماء لم يسلم من نتائجه لا البشر ولا الحجر ولا الشجر.
ولكن رغم شدة الاختلاف وعدم التوافق بتنا نرى بعض نقاط الالتقاء في بعض الأمور، مع أن هذا التوافق في المبدأ ومختلف في التفاصيل، وأول هذه القضايا المتوافق عليها هي تبرئة الاحتلال الإسرائيلي من جريمة شاطئ غزة والتي ذهب ضحيتها سبعة مواطنيين فلسطينيين بينهم ستة من كتائب عز الدين القسام.
لحظات بعد عملية الاغتيال اتهمت حركة حماس حركة فتح بالوقوف وراء عملية الاغتيال هذه، متهمة من سمتهم “بالتيار الخياني” داخل حركة فتح، وهذا الاتهام لم يستند لأية أدلة مادية ملموسة، ولم يكن هذا الاتهام إلا سياسياً لعجز حماس حتى الآن عرض أدلة مادية تثبت اتهاماتها، مما يفقد كل إجراءاتها التي أعقبت العملية مبررها وأدخلتها في تطبيق سياسية العقاب الجماعي، فاعتقال العشرات من أبناء حركة فتح واقتحام وتدمير المؤسسات ليست الطريق لكشف خيوط الجريمة المرتكبة على شاطئ قطاع غزة، ولا يمكن وضع مثل هذه الإجراءات إلا في إطار الفشل في معرفة حقيقية الانفجار ومن يقف ورائه، وشكل هذا الاتهام تبرئة مجانية للاحتلال وعملائه في قطاع غزة، وقد يكون سعي حماس للتغطية على الخرق الأمني الكبير الذي تعرضت له في هذه الجريمة عامل آخر دفعها لتسهيل الأمور على نفسها عبر إدخال هذه الجريمة في إطار الصراع المحتدم بينها وبين حركة فتح.
وموقف حركة فتح في هذا السياق لم يكن بعيد عن موقف حركة حماس مع الاختلاف في تفاصيل الاتهام، فحركة فتح وضعت هذه الجريمة في قبة “الخلافات الحمساوية- الحمساوية”، وتحدثت بعض المواقع الإخبارية التابعة لحركة فتح وبعض مسئوليها عن تقرير قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس للرئيس المصري حول خلافات حماس الداخلية، وإن عملية الاغتيال جاءت نتيجة صراع بين جناحي رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية ومحمود الزهار، وإن هذه الجريمة نتيجة هذه الخلافات، والغريب أن هذا التقرير حول خلافات حماس المقدم للرئيس المصري لم تتحدث عنه أية جهات إعلامية أو سياسية غير فتحاوية رغم أهمية مثل هذا التقرير وخاصة إذا تعلق بحركة كحركة حماس، والمثير للاستغراب هذه “لقدرات الاستخبارية” لدى حركة فتح والأجهزة الأمنية حول هذه العملية وسرعتها، فأين كانت هذه القدرات الاستخبارية الفائقة التي لم تظهر ولم تتجلى لمعرفة من وقفوا خلف مئات عمليا الاغتيال للقادة الميدانيين للانتفاضة الثانية ولم يزالوا أحرار وطلقاء يعيثون بالأرض فساداً.
وفي ظل هذه الاتهامات المتبادلة يستطيع الاحتلال أن يشرب نخب انتصاراته المتتالية في ظل هذا الواقع الذي خلقة في الأراضي الفلسطينية بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص، وتستطيع أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن تكمل مخططها دون إزعاج أو تعثر فهي وعملائها المحليين لم يعودوا في خانة الاتهام أو المتابعة من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية في شقي الوطن المنشغلة في تصفية حساباتها الداخلية على ظهر ومصالح هذا الشعب، فهي ليس لديها متسع من الوقت سوى للاعتقالات والاعتقالات المضادة.
والمسألة التي لا تقل أهمية وتأثير على الشعب الفلسطيني نتيجة هذه الاتهامات المتبادلة بين فتح وحماس هي الصورة التي ستعزز تجاه الشعب الفلسطيني، صورة سلبية تكرس فكرة أن الشعب الفلسطيني وقادته السياسيين تخلوا عن العمل والنضال من أجل قضيتهم الوطنية لصالح صراعات ومواجهات تخدم أهداف حزبية ضيقة وشخصيات سياسية محدودة على حساب القضية الوطنية الفلسطينية، وهذا الواقع يجعل قضيتنا الوطنية تحقق المزيد من نقاط التراجع السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، وتجعل مهمة الاحتلال للترويج على أن فصائل العمل الوطني الفلسطينية ليست إلا عصابات تقاتل بعضها البعض، وخاصة إن مثل هذه الأحداث تتم في ظل توافق كافة أطياف الساحة الفلسطينية على الالتزام بالتهدئة مع الاحتلال مما يعزز المقولة “كلما قلت عدد الرصاصات الموجه للعدو, زاد عدد الرصاصات الموجه لصدرونا”.
وفي هذا السياق لا أعلم إن كان سياسينا مدركين أن هذا التوتر الداخلي ووصول الأمور لهذه الدرجة من السوء يجعل الأرض مهيأة أكثر لجرائم يرتكبها الاحتلال مستغلاً سلسلة الاتهامات والمواجهات المتبادلة بين فتح وحماس، وتسجل هذه الجرائم فيم
ا بعد تحت عنوان الثأر المتبادل بين حركتي فتح وحماس، وحينها ستصل الأمور لنقطة ألا عودة النهائية إن كانت لم تصل بعد.
ا بعد تحت عنوان الثأر المتبادل بين حركتي فتح وحماس، وحينها ستصل الأمور لنقطة ألا عودة النهائية إن كانت لم تصل بعد.
blog.amin.org/yafa1948