مَن الذي لا يعرف روح الدعابة التي يتمتّع بها الياس الرحباني؟ خلف تلك الدعابات التي يلقيها عِبَرٌ تتخطّى حدود الضحك لِمَن يغوص في أبعادها… قد لا يذكر أحدٌ من المشاهدين أنّه رأى أو سمع الياس الرحباني يتحدّث بنبرة متوترة لأنّه بكلّ بساطة لم يقم بهذا الأمر في السابق حتّى في أشدّ انفعالاته عند تكلّمه عن وضع الفنّ والفنّان في لبنان، إذ كنّا نراه متأثراً أو مدافعاً أو مناضلاً أو مطالباً أو مندفعاً… وكلّ ذلك من دون أن يغيب عن حديثه حسّ الفكاهة والدعابة. ولكن حين شاهدناه الأحد الفائت في الحلقة الأخيرة من برنامج «سوبر ستار» يتكلّم بانفعالٍ متوتّرٍ، كان لا بد من أن نطرح عليه سؤالاً مباشراً: «ما القصّة؟»
ولا يتردّد الياس الرحباني في الإجابة بصراحته المعهودة: «القصّة بسيطة، ولا نريد أن تأخذ حجماً أكبر من حجمها، فالقضية كلّها يمكن اختصارها بأنّ المنتج المنفّذ كريستين جمّال قد طلبت منّا «عدم إكثار الكلام»، وقد قالتها حينها بصوتٍ عالٍ وبنبرةٍ أزعجتني خصوصاً أنّ جميع مَن حولي سمعها، فقررت أن أتكلّم لأضع النقاط على الحروف». ويتابع الرحباني موضحا:ً «منذ طفولتي كنت أحاول أن أكون متنبّهاً كي لا أقوم بهفوات ولو صغيرة، فكنت أبتعد عن كلّ أنواع الحماقات التي كان رفاقي يقومون بها كي لا أسمع ملاحظة من أحد، وكبرت على هذه الأسس وما زلت حتّى اليوم أتّبع الدقة نفسها في كلّ ما أقوم به، إذاً لا يمكن أحداً أن يقول لي إنّني «أكثر من الكلام»، مع ما يمكن أن تحمله هذه العبارة من إشارة إلى عدم أهمية كلامي». ويبدو أنّ أكثر ما أزعج الياس الرحباني أنّ تلك العبارة قيلت في وقت لم يكن يطيل فيه الكلام، إذ كلّ ما كان يقوله حينها كان تحية إلى شعب فلسطين بعدما غنّى الشاب الفلسطيني بصوته الذي يعتبره من أهم الأصوات في الشرق، والمؤسف بحسب الرحباني هو اعتبار غالبية الناس أنّ مَن يتصرّف بتواضع مكسور الجانح، لذلك قرّر في تلك الليلة أن يؤكّد من خلال تعليقه أن التواضع ليس ضعفاً بل هو القوّة بعينها».
وهنا ينتهي الحديث عن ذلك التصريح الذي طرح علامات استفهام وتعجّب، لنعود في السنوات مع الياس الرحباني إلى اليوم الذي قرّر فيه أن يظهر على شاشة تلفزيون «المستقبل» والسبب، على حدّ تعبيره، كان رفضه ذلك التقسيم الذي كان سائداً حينها، أي في عام 1996، إذ كان المسيحيون يشاهدون شاشة الـ «أل بي سي» ويمتنعون عن مشاهدة تلفزيون «المستقبل»، وكذلك كان المسلمون يشاهدون شاشة «المستقبل» ويبتعدون عن شاشة الـ «أل بي سي»، الى ان التقى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعرض عليه أن يكون هو مَن يشقّ طريق المشاهدين المسيحيين نحو شاشة «المستقبل»، ويقول: «لقد رفضت عرضاً من الـ «أل بي سي» للظهور فيها على رغم أنّ تلك المحطة صديقة لي وتربطني بالمخرج سيمون أسمر صداقة عمرها أكثر من 35 سنة، ولكنّني أصرّيت أن أظهر على شاشة المستقبل».
ويخبر الرحباني أنّه حين بدأ برنامج «سوبر ستار» في موسمه الأوّل قرّر التركيز على إعادة الأصالة إلى الواجهة فكانت معظم الأغاني مختارة من الأرشيف الفنّي الأصيل، مشيراً إلى الحماس الذي تملكه لنجاح البرنامج، «فأنا على رغم خوفي من السفر في الطائرة، وعلى رغم امتناعي لسنوات عن السفر حتّى من أجل إنجاز أعمالي الخاصّة، رضيت أن أسافر منذ بدأ هذا البرنامج لأكثر من 12 مرّة في كلّ موسم متحمّلاً حالة الرعب التي تصيبني والتي من شأنها أن تسبّب لي انفجاراً في الرأس أو توقّفاً في القلب!». ويتابع: «إنّها المرّة الأولى التي أعلن فيها عن هذه التفاصيل، وأعلنها من أجل سبب واحد هو أن يعرف الناس أنّه ما من أمر يمكن أن يتحقّق بسهولة وببساطة، وأنّه على رغم كلّ الصعوبات ما زلت أقوم بما يلزم لأنّني قطعتُ وعداً ووعد الحرّ دين، فكيف بالحري إن كان الوعد لشخصٍ استشهد؟».
اليوم، بعد انتهاء الموسم الخامس من «سوبر ستار»، كيف يقوّم الياس الرحباني هذه التجربة؟ يجيب: «إنّ هذا البرنامج يتقدّم في كلّ موسم عن الموسم السابق على صعيد جمال الأصوات، ويكفيه أنّه فتح المناطق اللبنانية على بعضها كما فعل أيضاً بالنسبة للبلدان العربية». أمّا عن التعليقات التي غالباً ما صرنا نسمعها في الآونة الأخيرة حول السبب في تخريج دفعات جديدة من المغنّين والمغنّيات في وقت تكتظ الساحة الفنية بكمّ هائل منهم فيقول: «إنّ الإنسان حزينٌ بطبعه لذلك هو بحاجة دائمة إلى التسلية، أضف إلى أنّ هؤلاء المغنّين المعدودين الذين يظهرون في كلّ موسم لن يسبّبوا تخمةً في الساحة الفنية بخاصّة أن عدد المغنين، الجيّدين وغير الجيّدين، رغم كثرتهم لا يبلغ عددهم نصف عدد المحامين مثلاً». ويتابع مؤكّداً فكرته بعد رؤية علامات التعجّب، «ليس عندنا عشرة آلاف مغنٍّ في حين أنّ هذا الرقم يعبّر عن عدد المحامين في لبنان». ويتأسّف قائلاً: «لقد كنّا نتوقّع أن يتمّ تهديم الفكر العربي من الصهاينة، فإذا به يأتي من الإنتاج العربي، إنّهم يدمّرون العقل العربي بوعيهم أو بغير وعيهم، وفي الحالين ال
أمر مضرٌّ»، ويضيف: المشكلة باختصار هي أنّ شركات الإنتاج وكلّ العاملين في حقل الأغنية يذهبون إلى هذا وذاك بدلاً من أن يقصدوا أصحاب الاختصاص والخبرة في هذا المجال.
أمر مضرٌّ»، ويضيف: المشكلة باختصار هي أنّ شركات الإنتاج وكلّ العاملين في حقل الأغنية يذهبون إلى هذا وذاك بدلاً من أن يقصدوا أصحاب الاختصاص والخبرة في هذا المجال.
وأخيراً، سؤال يدغدغ حشرية كثر: يتغيّب الياس الرحباني عن برنامج «سوبر ستار» في موسمه المقبل؟ يرد الرحباني إنّه لا يعرف إذا كان هذا البرنامج سيشهد موسماً مقبلاً لأنّ العقد الذي وُقِّع مع إنكلترا، صاحبة فكرة البرنامج، مدّته خمسة أعوام وقد مضت، ولم يُعلَن بعد عن الرغبة في تجديد العقد، «وحتّى حينه لكلّ حادث حديث».