الدماء التي نزفت ليلة أمس على شاطئ غزة هي نفس الدماء التي نزفت من خاصرة كل فلسطيني منذ أن اشتعل فتيل الأزمة وتفجر بركان الفتنة بين الأشقاء شركاء الوطن والقضية والمصير ، شركاء الألم والجُرح والحسرة والجوع والفقر .لم تختلف هذه الدماء بلونها وطهارتها عن سابقتها فهي دماء من جسد فلسطيني ، كما هي نفس الآه المفجوعة التي سمعتها ولا زلت أسمعها أمام أضرحة الشهداء ، وأسرة الجرحى ، وهي نفس الفجيعة للأم والزوجة والأخت والابن والابنة والأخ ، فجيعة لا يداويها سوى العودة للرشد ، العودة من المجهول الذي ألقينا بأنفسنا به وفي دوامته ليتقاذفنا ويغرقنا في أمواجه الشريرة .خائن من يبتسم فوق الدماء التي نزفت أمس على شاطئ غزة ، وهو نفس الخائن الذي ابتسم على دماء من نزفت دمائهم سابقاً في شوارع غزة ، وهو نفس الخائن الذي استباح قدسية وحرمة الدم الفلسطيني بكل أنواعه وأطيافه وألوانه السياسية والاجتماعية . وللخيانة معنى واحد لا تجزأ ولا تجنس ولا طاهر بها .ما يحدث في غزة الآن مع تطورات أمس لم يفاجئني قط بل أحمد الله كثيراً إن لم تتطور الأمور للأسوأ ، وهذا ليس من باب التشاؤم بل هو قراءة للواقع الفلسطيني الاجتماعي والسياسي الذي أصبح واقعاً ممزقاً من أبرز سماته الحقد والكراهية ، والتشفي بالآخر ، فالكل متربص بالآخر ينتظر الفرصة لينقض على فريسته ويمزق أشلائها ويمتص من دمائها ، فالحقد يورث حقد ، والكراهية تولد كراهية ، والعنف يولد عنف ، والموت نتيجة حتمية لهما ، وفي كل الأحوال نحن من يدفع الثمن .دماء ستة شهداء على شاطئ غزة بمفخخة أذعرت الجميع ، أيقظت غزة من سباتها وغيبوبتها ووضعتنا جميعاً أمام الحقيقة التي حاولنا المرور عنها وتجاهلها والمضي دون أن نحمل أدني مسؤولية عما يحدث في غزة منذ عام 2000م وخاصة منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة ، والجميع يتجاهل السؤال الملح أين تذهب غزة ؟!هل تذهب إلى الجحيم لا أعتقد أن هناك جحيم أسوأ من هذا الجحيم الذي تعيش فيه ، كما ولا أعتقد أن هناك جحيم تصنعه الأيادي أكثر مما صنعته أيادينا في غزة ، والمحصلة النهائية جحيم + جحيم = جحيم .من المسؤول ؟ربما يتبادر للذهن سريعاً الجواب الشافي للكثير ممن يريدون ادخار الجهد وتنحية أنفسهم عن تحمل المسؤولية أن المسئول حماس وفتح عن هذه الحالة المعاشة ، ولكن هذا الجواب مبتور غير حقيقي وغير متكامل منقوص ، فحماس ليست مسئولة قطعاً لأنها ليست لوحدها تمتلك فلسطين ، وكذلك الحال ينطبق على فتح فهما جزء من نسيج وطني واجتماعي كامل ، وجزء من منظومة ثقافية متكاملة تتنوع بها الرؤى والأيديولوجيات ، هذه المنظومة هي المسئولة عن كل ما حدث ويحدث في غزة ، لأنها منظومة أفرخت لنا من فقاساتها الكهربائية ثقافة عششت في عقول شبابنا وأجيالنا قوانين الحقد ، واكتست ملامحها من عملية غسيل عقلي وذهني للنشء ورسخت مفاهيم العمالة والخيانة ، ومنطق التخوين حتى أصبحنا جميعاً خونة وعملاء كلاً في نظر الآخر . وهذا يقودني لحدث قد حدث معي قبل عدة أيام مع شاب صغير السن لا يتعدي الثلاثة والعشرون ربيعاً ، حيث بدأ يتحفنا بآرائه الشاذة الموتورة التي تشعرك بالرغبة بالاستفراغ ، والاشمئزاز معاً مما يطرحه من أفكار معلبة ملقنة ، تشعر وكأنك تحاور إنسان آلي منحرف فكرياً وشاذ يتحرك بجهاز تحكم يدوي عن بعد ، وعندما تدخلت لإسكاته بكلمتين أن يكون لربه ووطنه فقط ، فإذ به يباغتني وينعتني بأن هناك عملاء بلسان وطني ، فابتسمت ساخراً وقلت له إن كان حبي لوطني وربي عماله فاشهد إني أخطر عميل عرفه الكون وتركته كدمية تتحرك بلا وعي وبلا عقل وبلا انتماء للبشر ، بل جعلوا منهم دواب بشرية مجردة من كل شيء إلا من الحقد والكراهية ، إنسان فارغ من مضمونة ومحتواه .من هنا أدركنا من هو المسئول عما يحدث وحدث أمس في غزة ، وما حدث سابقاً وسيحدث لاحقاً ، وسط صمت يستثمر لنيل رضا أحد الطرفين من أصحاب النفوذ والمال ..جولة تلو جولة يتأكد حتمياً أن غزة تمضي إلي المجهول القاتم ، مجهول بطعم الاحتضار والموت ، مجهول باتجاه الجحيم لا عودة به إلى الرشد ما دام أهل الرشد قد غابوا عن الوعي وأصبحوا في غيبوبة لا يدركون أين يتجهون ، مسهم الشيطان وسيطر عليهم فأصبحوا أولياء له .حان الوقت لنقف جميعاً أمام أنفسنا ونتريث ونفكر ملياً في حالتنا الوطنية ، ونسأل أين ذاهبون ؟ ونعيد صياغة مواقفنا انطلاقاً مكن الخطوط العريضة التي نعود بها لإنسانيتنا ونتثبت ببصيص الأمل ونستفيق من حالة التيه التي نعيش في خضمها.وعليه فلا بد أن نلقي بالسيف بعيداً ونضع الحلول الجذرية التي تفرض بإرادة شعبية عامة وليس مصالح حزبية خاصة ، إرادة تفرضها جماهير شعبنا المدعومة من مؤسسات المجتمع المدني ، والمؤسسات الأكاديمية والمثقفون ورجال الأدب والفكر والقضاء .. إرادة تفرض ولا تُستجدي من أحد وليتحمل الكل مسؤولياته .نعم …….1- لتشكيل جبهة وطنية شعبية مدنية تقود مسيرة الشعب الفلسطيني كمرحلة انتقالية مؤقتة يتم من خلالها صياغة قانون أساسي وطني يمثل الدستور الناظم للجميع .2- محاسبة كل العابثين والفاسدين مهما كانت انتماءاتهم وهويتهم الحزبية والفصائلية .3- حل السلطة الوطنية بتشكيلاتها الحالية كالرئاسة والحكومتين المقالة والمعينة والمجلس التشريعي وترك الأمر لجبهة وطنية شعبية مدنية تضم كل المخلصون والأوفياء لهذا الشعب ولهذه الأرض.4-  
; وضع الأسس والخطوط والقواعد الاجتماعية التي تكفل إنهاء التمزق الاجتماعي الذي أصاب الشعب الفلسطيني .5- إشراف ومتابعة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي الفعلية للأوضاع في غزة والضفة .6- إعادة وضع برنامج وطني أساسي للسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية يدمج به كل قوي وفصائل وأحزاب الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية والمدنية .ورغم إيماني بأننا أمام استحقاق هام وخطير وضرورة ملحة للتحرك الفعلي إلا أن كل الدلائل والمؤشرات على الأرض تؤكد ” أن لا حياة لمن ينادي “.لك الله يا غزة ….. لك الله يا شعبنا .
..سامي الأخرس26/7/2008