انفردت رام الله، خلال فصلي الربيع والصيف من العام الحالي، بتميزها الفني والثقافي والسينمائي. إذ أقيمت فيها، المهرجانات الفنية وأسابيع السينما والمهرجانات الثقافية، مؤكدة أنها “مدينة ليبرالية” ومنفتحة، تستطيع أن تحتض مثل هكذا مناشطات وفعاليات، بل ومدينة تؤهلها ثقافتها وتركيبتها الاجتماعية وثقلها السياسي، أن تكون نموذجا للمدينة الفلسطينية القادرة على تحمل الإبداع الذي يحتاج للإنفلات من سطوة السلطتين، السلطة السياسية الشمولية والسلطة الاجتماعية المتحجرة. لقد كانت واحة في وسط “التصحر الفني”، وملجأ للفنانين من الشباب المبدعين، توفر بيئتها الثقافية والاجتماعية وجغرافيتها المتميزة، ما لا تستطيع مدن فلسطينية أخرى من توفيرها، باستثناء بيت لحم مثلا، لكن أيكفي أن تبقى رام الله هي “الواحة الخضراء” للفنون بأشكالها المختلفة، حيث المهرجانات الراقصة والتراثية والغنائية، ومهرجانات المسرح والمسرح الجوال، وأسابيع السينما …ألخ؟؟الخطر على “الواحة الخضراء” من “التصحر الاجتماعي” إن جاز التعبير، أعمق منه على الواحة الخضراء في الصحراء الحقيقية، لا سيما وأن خطر “التصحر الاجتماعي”، يمكن أن يتمدد على حساب أماكن الانفتاح، إن هي لم تتوسع على حسابه، وتخترق وتنشر ثغورها، وتقيم “واحات خضراء” هنا وهناك، وفي أمكنة أخرى، وتكون مترابطة فيما بينها، لتتمكن من مواجهة زحفه. في هذا السياق، جاءت مبادرة مركز الفن الشعبي، المؤسسة المنظمة لمهرجان فلسطين الدولي، واقامة عدد من العروض الفنية في مدن فلسطينية أخرى، كانت خطوة في الاتجاه الصحيح، واختراقا للأماكن المهمشة، والقطاعات الاجتماعية المحرومة، في المحافظات الأخرى، التي تعاني من بنية ثقافية واجتماعية واقتصادية كابحة للإبداع، الى جانب، غياب تجربة تاريخية على هذا الصعيد، كمدينة رام الله، التي عرفت المسرح والسينما والغناء والرقص والفرق الفنية منذ عقود خلت.للفن –ولا أريد أن أجدال أي نوع من الفن- دور كبير في إحداث التغيير الاجتماعي والثقافي، فهو يستطيع أن يحرك مياه راكدة، ويدب فيها الحراك والتفاعل والتصادم، الذي يولد التغيير، وما أحوجنا في مشهدنا الاجتماعي لذلك! ولكونه كذلك، فقط أذكر، بموقف السلطة السياسية-الدينية كما في قطاع غزة، وتحريمها مثل هكذا إبداعات، كمهاجمتها لمهرجان الغناء والرقص ومهرجان فلسطين الدولي، أو الاعتداء على مؤسسة إبداع في مخيم الدهيشة من جهة غير معلومة!من جهتها، وزارة الثقافة الفلسطينية قبل أسابيع، أعلنت عن خطتها لبناء/تشييد ثمانية مراكز ثقافية، أو ما يمكن أن يسمى “قصور ثقافية” في محافظات الضفة الغربية دون قطاع غزة، التي اعتقد أنها الأحوج، وهي أيضا، خطوة في الاتجاه الصحيح، ويمكن أن تكون بادرة ايجابية، لنقل الفن من رام الله الى مدن أخرى، بل وقرى ومخيمات فلسطينية أخرى، على أمل أن لا تكون أهدافها، على شالكة قصورنا الثقافية في الوطن العربي، بوقا لسلطة الحاكم. طبعا، هناك جزر فنية كثيرة منتشرة في وطننا، وهي تجارب غنية، المهم أن لا تبقى هذه الجزر مفتتة، وهذا لا يعني بكل تأكيد الدعوة لإخضاعها للسلطة، لا أقصد السلطة الوطنية الفلسطينية، بقدر ما أقصده “الإدارة المركزية” لها، ف “لندع مئة زهرة وزهرة تتفتح “، إذ أن ما يمكن أن نساهم به على هذا الصعيد، أن نقدم الدعم والتوجيه والمساعدة والتشجيع لها من جهة، ونضع سياسة وطنية ترعى ذلك، كي لا يبقى المركز- مكان الإشعاع ، فيما يبقى المهمشون في/على الهامش!!