بغض النظر عن الجهة التي تقف خلف العمل الإجرامي الذي راح ضحيته عدد من الفلسطينيين الأبرياء على شاطئ بحر غزة، فإن مثل هكذا جريمة جبانة مدانة من كل فلسطيني، وجريمة ذليلة تستوجب العقاب الشديد، والعقاب الرادع القاطع لدابر المنفذين، ومن يقف خلفهم، ويوفر لهم الغطاء المادي والمعنوي.فمن هي الجهة التي تقف خلف التفجير؟ ومن له مصلحة بتشويش الحياة في غزة؟ثلاث احتمالات، وإسرائيل، التي لا يمكن استثنائها، وإبعادها عن التفجير المجرم، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، فإسرائيل لا يمكنها ترك الفلسطينيين للعيش بسلام، ولها أذرع، وأصابع تمتد في كل الساحة الفلسطينية، والعربية، وقادرة على مثل هكذا عمل، واستغلاله. الاحتمال الأول، وهو أهون الشر: أن يكون التفجير عملاً انتقامياً، وتصفية حسابات، يقف من ورائه أشخاص، أو عائلات، أو تنظيمات صغيرة ناشئة تختلف مع حماس، ولا يروق لها الانصياع للقانون العام. وإن صح ذلك، فغزة أمام حالة محتقنة من الخلافات تعبر عن نفسها بالقتل والدم، ولكن يمكن ملاحقتها، والسيطرة عليها، وخنقها، فهي تستمد قوتها من تواصل حالة الانقسام داخل الساحة الفلسطينية، وتتنفس من الوضع العام الممزق، وهذا الاحتمال لا أبعاد سياسية له، ولا مضاعفات اجتماعية له، وهو سمة كل المجتمعات. الاحتمال الثاني: ما تقوله فتح، وتردده على أكثر من لسان؛ بأن لا علاقة لفتح بتفجير شاطئ البحر، ولا بالتفجيرات التي سبقته بيوم، واستهدفت مقهى، واستهدفت منزل النائب ” مروان أبو راس ” إنه صراع داخلي بين أجنحة حماس، وقتال على النفوذ، وتنافس على الصلاحيات، والمصالح التي بدأت تظهر، وإن صح اتهام فتح؛ فمعنى ذلك، أن غزة أمام حالة من الحزن الشديد، فالمقاتلين لم ينزلوا عن الجبل بعد، وحالة التهدئة مع إسرائيل ما زالت مؤقتة، والوضع العام قابل للتفجير في كل لحظة، والطيران الإسرائيلي ما زال يصول في سماء غزة يرصد كل تحرك، ولو كان صحيحاً أن الخلاف الحزبي داخل حماس خلف التفجير، فإن ذلك غير مخيف، إذ يمكن التغلب عليه، وحسم الأمر سريعاً، والسيطرة على أبعاده، ويمكن لحماس من إعادة ترتيب وضعها الداخلي، وحسم التنافس بما يخدم فلسطين.الاحتمال الثالث والأخطر، وهو ما تقوله حماس: واتهامها صراحة تنظيم، فتح، وبالذات أحدى مجموعات فتح التي تقف وراء الانقسام، ولا تحبذ المصالحة، والرافضة لأي نجاح تحققه حماس على أرض الواقع في غزة، ولا تتمنى لغزة الاستقرار، وإن صح اتهام حماس، فمعنى ذلك أن تفجير شاطئ البحر بداية سلسلة من التفجيرات، ستغرق غزة في التوتر والترقب، ومعنى ذلك أن غزة تقف أمام خلية، أو مجموعة من الخلايا العسكرية المنظمة جيداً، والمسلحة جيداً، ولها تمويل مالي وفير، وقادرة على الرصد، والعمل بالسرية المطلوبة، وبإمكانها تحديد أهدافها بدقة، والعمل متى شاءت، وبالطريقة التي تشاء، وبالتي فهي خلية لها امتداد ميداني، وأبعاد سياسية، وستكون ضربتها التالية في مكان آخر غير متوقع، وفي زمن آخر غير معلوم، وعليه فهي قادرة على شل الحياة من جديد في غزة، وهذا أمر خطير، وجديد، ومستنكر، سيعقد الواقع في غزة، وسيغرق حماس في دوامة الحيرة، والشك، وتوزيع الاتهام، وربما هذا ما أجبر حماس على ردة الفعل، وتنفيذ مئات الاعتقالات العشوائية داخل صفوف فتح، والتي ربما تكون بعيدة كل البعد عن هذه الخلايا، ولا تعلم عنها شيئاً.بهذه الطريقة تكون حماس قد حققت الهدف الأول للجهة التي تتهمها بالوقوف خلف التفجير، هو إحراج حماس وجرها إلى هذه الطريقة من الاعتقالات، والممارسة التي ستنعكس بالسلب على مشروع المصالحة، ووأد كل صوت عقل لدى الأخوة في فتح، ومن ثم البرهنة على أن حماس غير قادرة على توفير الأمن، وغير صادقة في توجهها للمصالحة.صوت العقل، والمنطق:وسط دوامة الارتباك في الساحة الفلسطينية، والاتهامات، والاتهامات المتبادلة، كان صوت العقل الصادر عن النائب “أشرف جمعة” عضو المجلس التشريعي عن قائمة فتح البرلمانية، ودعوته نواب حركة حماس في التشريعي وعلي رأسهم الدكتور “أحمد بحر” لعقد اجتماع عاجل مع نواب حركة فتح في قطاع غزة من أجل حل الأزمة لصالح الوطن والمواطن، إنها دعوة منطقية لبدء حوار جدي للمصالحة، وتنم على مسئولية، ولاسيما إن صاحب الولاية المنتخب، والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، هو الرئيس حتى نهاية ولايته، والمجلس التشريعي المنتخب فقط، وهم ممثلو الشعب الحقيقي بالانتخاب، وهم أصحاب الرأي والمشورة، ولهم تعقد الراية، ولما كان التئام شمل المجلس التشريعي في الظروف الراهنة في حكم المستحيل، فإن لقاء أعضاء المجلس التشريعي في غزة للتباحث في حل جذور الخلاف القائم، ورأب الصدع، وإنهاء حالة الانقسام، يمثل فرصة رائعة لذوي النوايا الحسنة من تنظيم فتح وتنظيم حماس، و ما أكثرهم!! المطلوب من الأخوة في حماس التقاط الدعوة، ولاسيما أن مثل هكذا لقاء كان مطلباً لنواب حماس حتى وقت قريب، فرب ضارة نافعة، ولعل في الموت حياة تقود إلى الشروع الفوري في الحوار لما يخدم فلسطين، ويفوت بالمصالحة الفرصة على المارقين .