م. زياد صيدم
كان يتباهى مزهوا في جلساته أمام المقربين بامتلاكه لقلب فسيح مترامي الأطراف.. هكذا كانت قناعاته من خلال تطبيق لنظريته وفلسفته الخاصة في حياته الممتدة .. فاخترق بسهامه قوس قزح بألوانه الجميلة، وصولا إلى القارات وتضاريسها المختلفة !.
اعتقد بصحة نظريته وصوابها للرد على غدرهن .. فقد قرر بعد تجربته الأولى وما شابها ، بأن لا يُلدغ من الجحر مرتين .. أمعن آدم في نسج علاقاته المزدوجة في آن واحد مع صنف حواء !.. استمر على هذا الحال ردحا من الزمن .. يوزع ودا وحبا وعاطفة بالتساوي على حدائق قلبه المتوردة ، حتى اعتقدت كل زهرة بأنه يشتمها ويتطيب بشذاها وعبق أريجها وحدها.. كان مقتنعا بممارسته لنظريته.. طالما يُرضى نفسه والآخرين بنفس القدر..
استهجن صديقه المُستمع لحديثه مشيرا عليه بالاستمرار في قصه فأردف قائلا:
عندما تقدمت بى السنين .. و غزا الشيب ما تبقى من شعر في جسدي .. وتكاثرت تجاعيد وجهي .. وبطأت حركتي .. ولم أستطع مواكبة العمر ومتطلباته.. أحسست بوحدة تكاد أن تفطرني .. فأخذت أبحث في زوايا وتلابيب قلبي عن ظلال من الماضي يؤنس وحشتي.. بحثت ونقبت في أعماقه أملا في العثور على ركن أجد فيه راحتي.. بحثت مطولا .. لكنى لم أجد ضالتي .. فقد وجدت حدائقه قد ذبلت وأطفأت أنوارها.. إلا من شعاع كان ما يزال يبعث بنور خافت ،هناك في الأعماق وكأنه يتوارى عن الأنظار ويختبئ خجلا..!
هنا تململ الصديق المُستمع وقام بإشعال سيجارته، نافثا دخانها إلى أعلى كمدخنة قطار بخارى.. مضمرا ما بين حاجبيه .. يريد سماع نهاية القصة ، فطالبه بالإيجاز ..
نعم . لقد حاول آدم الهروب بعيدا في تخوم صمت من الذكريات.. كان ملجأه الوحيد والمتبقي له في وحدته القاتلة والموحشة .. لم يسعفه حظه ” فالكبر عِبر ” كما يقول المثل فقد خانته ذاكرته..
فجأة وهو على هذا الحال من تشتت وضياع ، رأى ذاك البصيص من نور.. فقد تذكر شجرته الريحان ، تلك الشجرة المباركة من أشجار الجنة، راودته رغبة عنيفة بأن يشتم عبقها فهي إلى جواره ، لكنه لم يُعرها اهتمامه طوال سنوات خلت ؟.. خفق قلبه .. وأغمض عيناه مسهبا.. لم يطل إسهابه ، أسرع ملهوفا يسبقه إليها تضرعه واعترافه بلامبالاة قلبه ..أهو وخز الضمير وصحوته .. أم طوق نجاته وفرصته الأخيرة ؟ هكذا تساءل صديقه المُستمع في داخل نفسه..
ارتمى في ظلالها دون استئذان .. بدا نادما مستسلما ومتوسلا الغفران والصفح ..
فسالت منها عبراتها قطرات الندى.!!
إلى اللقاء.