مما لا شك فيه أن الانتصار الذي حققته المقاومة اللبنانية مؤخراً في عملية تبادل الأسرى وجثامين الشهداء يعتبر انجازاً كبيراً وله الكثير من المعاني والدلالات.
ويعتبر تطوراً بالغ الأهمية في مسار الصراع، فهو ثمرة مفاوضات غير مباشرة، ويسجل إنجازاً بارزاً يضاف إلى تحرير الجنوب اللبناني بغير قيد أو شرط، فهو على مستوى الصراع قد كرس مبدأ الندية، فالصفقة شملت رفات الشهداء وتبادل جثامين بالإضافة الى الأسرى اللبنانيين الذين تم تحريرهم وفي مقدمتهم عميد الأسرى العرب المناضل سمير القنطار الذي كان محكوماً بـ “542” سنة والذي أمضى ثلاثين عاماً في الأسر، بالإضافة الى تعهد الأمم المتحدة بمتابعة موضوع تحرير عدد من الأسرى الفلسطينيين ضمن إتفاق صفقة التبادل.
وقد جاءت هذه الصفقة لتقول بأنه قد ولى الزمن الذي ينظر به الصهاينة إلى الشهداء بأنهم مجرد أرقام وباحتساب بالجملة، فالشهداء هم أصحاب الأرض والحق، وعين الحق أن تكون ثائراً فخوراً بنفسك، فعادوا الى أهلهم ورفاقهم مضمخين بتراب الوطن، مكللين بغار البطولة والشهادة، عادوا إلينا ولنبرتهم بروق الثورة … بروق البدايات … بروق الأبدية في شرايين التراب … عادوا إلينا تظللهم الرايات والأعلام، وتعزف لهم موسيقى الشرف، مرفوعي الهامة السامقة، مرفوعين على الأكف من الحدود اللبنانية الفلسطينية مروراً بمخيمات صور وصيدا وبيروت والبقاع والشمال وصولاً الى مخيمات سوريا وبعض العواصم العربية التي استقبلت كوكبة من شهدائها الذين جسدوا وحدة الأمة على أرض فلسطين، مجسدين بدمهم العمق العربي للمقاومة والثورة الفلسطينية، عمق الأمة، عمق المقاومة التي أثمرت انتصارا للمقاومة في فلسطين ولبنان بل ولجميع الأحرار في العالم والمؤمنين بنهج وخيارالمقاومة.
ومع ذلك نقول كم كنا نتمنى أن تنقل جثامين الشهداء إلى داخل فلسطين في أحضان شعبهم، إلى القدس والناصرة وعكا …. إلى بطاح الجليل بين الصامدين من شعبهم وأهلهم، لتقام لهم أعراس العودة إلى أرض الوطن.
لكن على ما يبدو أن الإسرائيليون يخافون الشهيد حتى بعد إستشهاده، لذلك كان اصرارهم على رفض بقاء جثامين الشهداء او نقلهم الى ارض الوطن تحقيقاً لأماني ووصايا الشهداء.
ولكن عزاؤنا أنهم انتقلوا من أرض البطولة والشهادة في فلسطين الى ارض المقاومة والتحرير ليدفنوا الى جانب رفاقهم الشهداء من القادة والمناضلين من ابناء الشعبين اللبناني والفلسطيني، وبشكل يليق بهم وبتضحياتهم العظيمة.
حقاً لقد كان اسبوع الشهادة وعرس الشهداء الذي يستحقون منا كل التكريم والفخر والإعتزاز لدمائهم التي روت أرض الوطن دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية وفي مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان.
ولعل ما يمكن أن نلاحظه ونتوقف أمامه في حصيلة صفقة التبادل حينما ننظر الى قائمة الشهداء الذين حررت جثامينهم لنجد أن النسبة الأكبر من هؤلاء الشهداء المحررين تعود إلى الفصائل اليسارية الفلسطينية، لتبرز من جديد الدور الكفاحي الفاعل والمميز الذي لعبته ولا تزال فصائل اليسار الفلسطيني في مختلف مراحل النضال والكفاح الفلسطيني.
حيث أن النضال والكفاح الفلسطيني لم يبدأ اليوم أو قبل عشر سنوات بل عمره من النكبة الفلسطينية،
وفي هذا المجال فإنه يسجل لليسار الفلسطيني مساهمته الفاعلة في معارك الحرية والإستقلال، وفي تسجيل الملاحم البطولية الخالدة وعلى امتداد التاريخ الفلسطيني المعاصر، والتي ينبغي أن لا تُغفل أو يعتم عليها في غفلة من الزمن، أو أن يحاول البعض القفز فوق حضور ودور هذا التيار وفعاليته على المستوى الجماهيري والسياسي والنضالي.
ولذلك لم يكن مستغرباً أن تتصدر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وهي إحدى أهم فصائل اليسار الفلسطيني الموقع الأول في عدد شهدائها الذين تم إستعادت جثامينهم في صفقة التبادل، والذين بلغ عددهم 44 شهيدا من أصل 197 شهيداً عادوا لمختلف الفصائل والأحزاب، واحتلت الجبهة الشعبية وهي أيضاً فصيلاً يسارياً الموقع الثاني بالنسبة الى عدد الشهداء.
مع الإشارة إلى أن الجبهة الديمقراطية كانت قد أعلنت في بيان لها أنها قدمت لحزب الله قائمة ب 167 شهيداً لا زال الإحتلال الإسرائيلي يحتجز جثامينهم، إلا أن الصفقة لم تشمل سوى الذين استشهدوا بعد العام 1985، ولم تشمل ما قبل هذا التاريخ، ولا سيما أبطال العمليات النوعية ” ترشيحا، عين زيف، طبريا، بيسان، القدس الأولى والثانية، باستثناء رفات الشهيدة البطلة دلال المغربي ومجموعتها لفتح فقط .

0; لذلك نستطيع القول أن اسبوع الشهادة والشهداء كان عرساً فلسطينياً ولبنانياً وعربيا،ً وكان أيضاً عرساً خاصاً لليسار الفلسطيني الذي لبس ثوبه الأحمر ورفرفت راياته الحمراء في مراسم تشييع مواكب الشهداء في أزقة المخيمات وشوارع المدن والعواصم العربية.
0; لذلك نستطيع القول أن اسبوع الشهادة والشهداء كان عرساً فلسطينياً ولبنانياً وعربيا،ً وكان أيضاً عرساً خاصاً لليسار الفلسطيني الذي لبس ثوبه الأحمر ورفرفت راياته الحمراء في مراسم تشييع مواكب الشهداء في أزقة المخيمات وشوارع المدن والعواصم العربية.
وخلاصة القول لا بد لنا بل ومن الضرورة أن نقرأ في صفقة التبادل التي إنجزت الكثير من الدروس سواء على المستوى الفلسطيني أو العربي والإستفادة منها وإستخلاص العبر من هذا الإنجاز والإنتصار الكبير، ولعل أبرز القضايا التي ينبغي التوقف أمامها والتأكيد عليها هي :
أولاً: ان نجاح صفقة التبادل، بالشكل الذي حصلت فيه، تؤكد من جديد أن خيار المقاومة كان ولا يزال الخيار الذي يمكن أن يحقق الانجازات ويجبر العدو على الرضوخ، حيث إنتصرت إرادة المقاومة والثبات والصمود السياسي على جبروت وعنجهية الإحتلال الإسرائيلي وإستطاعت أن تفرض عليه شروطها دون أن تقدم أية تنازلات، وهذا أمر إعترف به العديد من قادة العدو الإسرائيلي الذين رأو في سفقة التبادل استمرارا لحرب صيف ـ 2006، واستمراراً لهزيمة “إسرائيل” في تلك الحرب ، وإستمراراً أيضا لمسلسل الانتصارات التي حققها حزب الله والمقاومة في لبنان .
ثانياً: إن الانجاز الذي حققته المقاومة في لبنان يجب أن يشكل دفعاً كبيراً وحافزاً للمقاومة في فلسطين في مفاوضاتها مع الاحتلال بشأن الجندي الأسير جلعاد شاليط وباتجاه إطلاق جميع الأسرى والمعتقلين في معتقلات الاحتلال، والإستفادة مما حققته المقاومة في لبنان، التي استطاعت أن تغلق واحدا من اعقد ملفات الصراع مع الاحتلال دون قيد أو شرط..
ثالثاً: إن الدرس الأساس الذي ينبغي الاستفادة منه على المستوى الفلسطيني هو ضرورة إيلاء قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب الاهتمام الذي تستحق ووضعها في سلم أولويات العمل الوطني الفلسطيني سواء من خلال السلطة الفلسطينية ومؤسساتها أو من خلال منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني وإثارة هذه القضية على المستويات العربية والدولية بشكل موحد بعيداً عن التجاذبات والخلافات السياسية.
رابعاً: إن أهم دعم يمكن تقديمه لقضية الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، بما يعزز صمودهم، هو إنهاء حالة الانقسام الفلسطينية، والتوجه نحو رحاب الوحدة الوطنية والحوار الوطني الشامل وبالاستناد إلى وثيقة الأسرى (وثيقة الوفاق الوطني) وإعلان القاهرة والمبادرة اليمنية. فمن غير المقبول إبقاء الوضع الداخلي الفلسطيني على حاله من تشرذم وتفسخ وفي ظل إجراءات الاستيطان الإسرائيلية التي ابتلعت مساحات واسعة من أراضي الضفة والقدس، والتي باتت تملي على الجميع مواجهة مشاريع الاحتلال وسياساته العدوانية بشكل واحد وموحد.
أخيراً: ينبغي استخلاص العبر من الدماء المشتركة اللبنانية والفلسطينية، التي سالت على ارض الجنوب، وجبلت دمائهم بتراب شمال فلسطين، لبناء أفضل العلاقات بين الشعبين اللبناني والفلسطيني بما يعزز صمود ابناء الشعب الفلسطيني في نضالهم من اجل حق العودة، ومقاومة مشاريع التهجير والتوطين، بمنحهم الحقوق الانسانية والإجتماعية دعماً لصمودهم لحين العودة الى يارهم في فلسطين.
كاتب فلسطيني – لبنان