يتفق الكثير في اليمن أن النظام السياسي اليمني نظام فاشل ومستبد وغير قادر على الانعتاق رداد السلامي
يتفق الكثير في اليمن أن النظام السياسي اليمني نظام فاشل ومستبد وغير قادر على الانعتاق من حالتي الفشل والاستبداد اللتين جعلتاه الآن يعاني من ضعف وبوادر أعراض انهيار.
فإذا كان النظام السياسي يستمد قوته من قدرته على توليد وإنتاج التناقضات فإنه بدا يستمد ضعفه وانهياره من ذات اللعبة التي يلعبها ، وما زاد عن حده انقلب ضده ‘ لا يتواني النظام الحاكم في تبديد الثروة ومقدرات الشعب و اتخاذها وسيلة لشراء الو لاءات والذمم وحرف مسارات التحولات الديمقراطية والتحديثية في بنية المجتمع اليمني ، وتأسيس ثقافة التناحر والصراع ، كي يبقى متمو ضعا وفي حالة إضعاف لقوة المجتمع وإرادته إذا أنه يزج المجتمع في دوامات جديدة من حروب تتخذ طابعا أخلاقيا ودينيا وصراعا مذهبيا طائفيا وقبليا ومناطقيا ، وبدلا من الاتجاه نحو تأسيس ثقافة مجتمعية ديمقراطية محكومة بوعي الديمقراطية والعصر الحديث يتجه نحو تاسيس ثقافة تقليدية صراعية محكومة بوعي القبيلة والطائفة وعقدة المؤامرة والتصفية والنبذ والإقصاء.
وإذا كان الرئيس صالح قد انتهج كل ما يريق الدم ويسحق العظام في حروبه مع خصومة ايا كانوا فإنه لايبدو وهو يزج البلاد في معمعة الصراعات بأنه السبب وراء ذلك ‘ كما انه يؤسس لإضعاف القوى المدنية وتلك التقدمية التحديثية حروب جديدة تستنزفها في معارك فكرية وجدل عقيم بينما هو يجذر وجوده الضعيف كي يضعف من ضعفه لينهار تماما .
وإذا كان الرئيس سيد الخصومات والصراعات ومنتج الخلافات الحادة والجارحة ‘ فإنه يسعى وبكل جدية نحو عرقلة الخلاف المنتج للخطاب والتفكير العقلاني وذلك المؤسس لحياة مدنية يكون فيها الخلاف رشيدا بعيدا عن ردات الفعل والعاطفة ولكن يؤسس لخطاب قبلي نابذ وطائفي قاتل وديني جامد متطرف، وثقافة طاردة لتعايش الثقافات جنبا إلى جنب ، بما هي اختلاف له الحق في الوجود والتعبير عن ذاته بعيدا عن الاستعلاء والإقصاء والنبذ، وإذا كان نظام صالح قبل الوحدة نظاما قبليا اسرويا ، تحت غطاء نظام جمهوري فإن الوحدة اليمنية التي كانت بمثابة تحول جديد لبنية النظام وشكلة الذي سيحكم البلاد فإنها لم تحقق ما يمكن اعتباره تحولا حقيقيا ناقلا باتجاه الدولة الوطنية الديمقراطية ، بقدر ما زادت نظام القبيلة والأسرة توغلا وبروزا واضحا يتلفع بالشعارات التقدمية والديمقراطية كشفته تحالفاتها إبان حرب صيف 94م وما تلاها من سنوات لتكون أكثر بروزا في وقتنا الراهن ، وإن بدت أنها ليست كذلك ، فمع اشتداد حركة الرفض للوضع الذي انتجه نظام صالح الأسروي القبلي المنغلق والنابذ ، ومعاودة حرب صعدة للمرة الخامس لتحسم بمكالمة هاتفية من قبل صالح ، وبروز هيئة الفضيلة التي اسسها الشيخ الزنداني –خطيب جامع القصر الجمهوري- ومستشاره الديني ، احتشدت هذه القوى ، فقبيلة حاشد احتشدت قبل مدة بقيادة نجل شيخ قبلي راحل في تظاهرة كبيرة إبان اشتداد الحراك السلمي الجنوبي ، في ظاهرها انها ضد صالح وفي جوهرها تظامن غير معلن معه ضد الحراك الجنوبي ورسالة غير مباشرة اليه أنها على استعداد للدفاع عن الوحدة التي مثلت بالنسبة لها غنيمة وفيدا ومنبعا للثروة ولذلك ،فإن الوحدة اليمنيةلا تستمد قداستها لدى صالح والقوى التقليدية المتحالفة معه، من جوهرها الوطني والديني الجامع بل من اعتبارها فيدا وغنيمة كما أشرنا سابقا، وهذا ما يفسر تحالفها معه تحت شعارات ضدية مفتعلة ومعارضة مموهة ..
إذا يمكن القول إن القبيلة قد حصلت على دفعة قوة إضافية خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما منذ تحقيق الوحدة اليمنية خصوصا من قبل المشائخ الجدد ذوي الأصول القبلية وغيرهم للعودة إلى مكونات الهوية دون الوطنية، وبزوغ طبقات اجتماعية متفاوتة وغير متوازنة مما جعل ما يفترض أنها دولة الآن عاجزة عن ضم الطبقات الجديدة لاحتواء التغير في البيئة الاجتماعية للسلطة والسياسة وهو السبب وراء الضعف في بنية النظام . فالنظام لا زال ينظر إلى العصبة القائمة على القرابة الدموية معتبرا إياها البيئة الطبيعية للسلطة وجودا وممارسة، كما ينظر إلى القوة المتأتية عن استثمار العصبة باعتبارها حقا لأهلها.
بكلمة أخرى فإن محاولة إدماج القبيلة الدولة لم يترتب عليه تخلي القبيلة عن مفهوم العصبة القديم، القوة الإضافية التي حصلت عليها القبيلة من بروز “أو وجود” طبقات جديدة لم يترافق مع انفكاك مفهوم المسؤولية من الأساس القرابي الأصلي وتحولها إلى مسؤولية تتوزع بين الجميع ، إذ بقي النظام كما كان نظاما قبليا عمل على جعل الديمقراطية خادما له يوتد نفوذه ويعمل على إسباغ شرعية مزيفة له ، وعبرها يمارس إنتاج ذاته وتأبيد حالة الخلاف والصراع والفوضى في المجتمع ويشتت قواه المؤتلفة الساعية للتغير ويربك مساعيها بإدخالها هي الأخرى في دوامة خلافات وانشقاقات ، معها أيضا ينشق المجتمع ويتماهى معه في خيار الإبقاء عليه كما هو ، على غرار قول شيخ قبلي راحل “” جني نعرفه ولا انسي ما نعرفه”