كان اندلاع الحرب أشبه بنكتة بالنسبة إلى ياسمينة، عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها، وكانت تحلم بأن تصبح خبيرة اقتصاد، وفي طفولتها كانت تلعب دور الأم مع دميتها.
ولكن في إبريل/نيسان عام 1992، احتل الجنود الصرب بلدتها بيالينا، شمالي البوسنة بالقرب مع الحدود الصربية، وبدؤوا أعمال القتل الوحشية والتعذيب والإرهاب بحق المسلمين، في حملة تطهير عرقي ضدهم.
تقول ياسمينة “خلال الليل كانت النسوة تختفين، وفي بعض الأحيان كنا نرى أجسادهن ملقاة في الحدائق، وفي بعض الأحيان، كن يختفين بشكل نهائي. والأمر لم يقتصر على هذا.”
وتضيف ياسمينة، التي طالبت بعدم نشر اسمها كاملاً حماية لأطفالها، إن الرجال كانوا يتعرضون للضرب في اليوم الأول للاحتلال.. و”أمي اختفت.. ولم أعرف ما حصل لها حتى الآن.”
وفي وقت لاحق، جاءت المليشيات الصربية، التي اتهمت لاحقاً بأنها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، إلى منزل ياسمينة بحثاً عن مقتنيات ثمينة وأسلحة، وعندما لم يعثروا على شيء، بدؤوا بضرب زوجها.
وتقول: “وبعد ذلك بدؤوا بتعذيبي.. ففقدت الوعي، وعندما صحوت، وجدت نفسي عارية بالكامل ومغطاة بالدماء، وكذلك كانت شقيقة زوجي.. علمت أننا تعرضنا للاغتصاب”، وفي إحدى زاويا المنزل، كانت حماتها تحمل ابنها وتبكي.
وتوضح ياسمينة، التي تبدو الآن أكبر من عمرها البالغ من 35 عاما، أن اليوم الأول كان أسوأ أيام حياتها، وأن الأمر استمر على هذا المنوال طوال عام كامل.
وتضيف قائلة مع 10 نسوة أخريات تعرضن للتعذيب الوحشي: “لقد كنا نتعرض للاغتصاب يومياً، ليس في المنزل فحسب، فقد كانوا يأخذوننا إلى الجنود في الجبهة ليقوما بتعذيبنا.. ثم في المنزل أمام الأطفال.”
وتقول: “المحادثة الوحيدة التي أجريتها معهم.. أنني طلبت منهم أن يقتلوني.. وعندها كانوا يضحكون، وكأن ردهم أنهم لا يريدوننا أن نموت.”
وتقول إنها في إحدى المرات أخذت إلى جبهة، وهناك قامت إحدى المقاتلات الصربيات باستخدام زجاجة وأقحمتها بها، ومن ثم كسرت يدها، وقطع أحدهم ثديها بالسكين.
لقد تعرضت عشرات آلاف النسوة للاغتصاب في البوسنة، وأنحاء أخرى من يوغسلافيا السابقة بين عامي 1992 و1994، إبان حكم الرئيس الصربي رادوفان كراديتش، وفقاً لتقديرات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وجاء خلاص ياسمينة على يد وجه مألوف في العام 1993، وهو رجل كان صديقاً لوالديها، وقيل لها إن هذا الرجل اشتراها كعاهرة، ولكن ما أن استقلت سيارته حتى أخبرها أنه أنقذها لأنه مدين بذلك لوالديها.
فأخذ الرجل ياسمينة وأولادها إلى الخطوط الأمامية، وأعطى شيئاً للجنود الصرب، وتوجه بها إلى موقع بوسني، وقال لها إنها أصبحت حرة الآن.
غير أنها بعد ستة فترة أبلغها الأطباء القائمون على علاجها بأنها حامل في شهرها السادس، وأن الأمر أصبح متأخراً على إجهاضها، لكنها ظلت تقول إنها لا تريد هذا الجنين.
ورغم إصرارها على الإجهاض، إلا أن الأطباء أبلغوها بأنه خطر على صحتها، وبعد أسابيع، حاولت الانتحار، وهو أمر كررته ثلاث مرات، ولم تنجح.
وتعيش ياسمينة الآن في شقة متواضعة بأحد المجمعات السكنية في العاصمة البوسنية سراييفو، برفقة زوجها وأبنائها.