بعد نشر الحلقة الثانية التي اعتبرتها إنهاء للحديث في من هذا الموضوع سألني صديق: هل أنت ضد الإخوان المسلمين؟ ولماذا تغير موقفك من حماس وأوقفت تعاونك معهم؟!. أجبته: أنت لم تقرأ الموضوع جيداً، لأني أوضحت هذا اللبس الذي وقع عندك في الموضوع نفسه، بأني لست ضد لا الإخوان المسلمين ولا أي مسلم من أبناء الوطن أياً كان توجهه الفكري، وأني أعتقد أنه ما دامت فلسطين قضية الأمة المركزية فذلك يعني أنه إذا أخلصنا العمل لها فإنها تستطيع استيعاب كل الجهود والطاقات لأبناء الأمة أياً كان توجهها الفكري والأيديولوجي شرط الإخلاص. أما موقفي من حماس فهو لم يتغير! فالإخوة في حماس مازالوا عندي إخوة في الدين وشركاء في الوطن والقضية، ولهم كل الحقوق الشرعية والوطنية عندي بغض النظر عن موقفهم هم مني أو من غيري وتقديرهم لمعنى تلك الحقوق. والصحيح هو أني ثبت على موقفي وثوابتي التي كنت عليها قبل أن أتعاون مع حماس إعلامياً، والتي دعتني لترك تنظيم حركة فتح قبل ثلاثين عاماً. قال: وضح أكثر! قلت: في السابق كنت تأخذ عليّ أنت وغيرك شدة موقفي ونقدي لحركة فتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير! وقد سبق لي مرات عدة أن أوضحت لكم أنه لم يكون بيني وبين فتح ومنظمة التحرير سابقاً ولا السلطة الفلسطينية لاحقاً عداء تاريخي أو ثأر شخصي يجعلني أنتقدهم بأسلوبي القاسي جداً؛ ولم يكن لدي أي اعتراض على منظمة التحرير ككيان معنوي جامع شامل للجماهير الفلسطينية يحافظ عليها من الضياع والاندثار، ولا ضد السلطة الفلسطينية كمسئولة عن إدارة شئون الأراضي المحتلة، ولا على فتح كتنظيم مازال ميثاقه لم يُمس ويطالب بفلسطين من النهر إلى البحر، وبالكفاح المسلح الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين. ولكن اعتراضي عليهم كان كعملية سياسية تفاوضية أرى فيها أنها لن تحقق لنا الحد الأدنى من طموحاتنا الوطنية؛ بقدر ما تضفي من شرعية على ممارسة المحتل، وتغطي على جرائمه ضد الجماهير وتمنح العدو اليهودي المزيد من الوقت لاغتصاب المزيد من الأرض، وتهويدها وتغيير معالمها التاريخية والدينية والجغرافية والسكانية التي تسمح بضمها إلى الأراضي المغتصبة عام 1948. ولم يكن موقفي مع المقاومة في فلسطين وعلى رأسها حركة حماس لأني مغرم بهم، أو لأني جاهل بخلفيتهم الإسلامية والتربوية، ومدى وعيهم وثقافتهم وخبرتهم …إلخ، وأنهم نتاج وتربية مدرسة الإخوان المسلمين التي ابتعدت عن نهج مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، ولم تستطيع استيعاب فكر الأستاذ الشهيد سيد قطب، ولم تدرك حجم التغيرات التي حدثت في تلك المرحلة التي سبقت وتلت تاريخ استشهاد الإمام حسن البنا، وظلوا إلى الآن وغداً على نفس النهج الذي انطلق منه مؤسس الجماعة عام 1927م! وعلى الرغم من ذلك وصفني البعض منكم بأني جاهل ومخدوع بهم، والبعض اتهمني بأني موظف أو مرتزق! على الرغم من أن البعض كان يعلم تحفظاتي على كثير من ممارساتهم السياسية اليومية وغيرها، وما لا يعلمه عنهم وأعلمه من خلال حواراتي معهم عن قرب، وتقديمي لهم النصح سواء على صعيد التعامل مع بعض الأشخاص وضرورة اتخاذ مواقف منهم حاسمة وحادة، أو على صعيد بعض أساليب المقاومة، إلى اللعبة السياسية ومشاركتهم في الانتخابات التشريعية حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه اليوم وما سيقعون فيه غداً، كل ذلك لم يكن عندي عبثاً أو جهلاً مني بهم أو عداءً لحركة فتح أو السلطة الفلسطينية، ولكن حرصاً مني على مشروع المقاومة في فلسطين، لأني أرى فيه أنه طليعة وقائد مشروع المقاومة في الأمة كلها، وأخشى أنه إذا سقط لوائه أو تراجع في فلسطين أن يسقط ويُقضى عليه في الأمة كلها، وذلك سيكون خسارة ما بعدها خسارة, علماً أني أعتقد دينياً أن الجهاد سنة ماضية إلى يوم الدين، وأن فلسطين هي موطن الطائفة المنصورة والظاهرة على عدوها، وأنها أرض رباط وجهاد إلى يوم القيامة، وأنهم سيكونون إذا ما فرطوا وتراجعوا أو تخبطوا في سياساتهم لأنهم لم ينتصحوا أو لأسباب دنيوية أو قصور في الإدراك لمتطلبات بعض المراحل؛ سيكونون مرحلة عابرة في تاريخ فلسطين مثل غيرهم، وأنهم لن يكونوا نهاية تاريخ فلسطين كما أنهم لم يكونوا بدايته، وأن مسيرة الجهاد في فلسطين ستتواصل إلى أن يهيأ الله تعالى للأمة أمر رشدها. وقد كان موقفي ذاك على الرغم من معرفتي بهم وكل ما جره تعاوني معهم عليّ من مصائب ونكبات؛ يستند بيني وبين نفسي على دليل اشرعي، وهو القاعدة الشرعية الأصولية: درء المفاسد مقدم على جلب المنافع. فكنت أغض الطرف عن كل الممارسات التي يشتركون فيها مع السلطة وفتح وأركز على نقدي للعملية السياسية التفاوضية التي تقودها منظمة التحرير والسلطة، خوفاً على ضياع الثوابت والتفريط فيها، والقضاء على مشروع المقاومة في فلسطين، وليس القضاء بالمعنى الحرفي للكلمة كما كنت ومازلت أستعملها، ولكن بتجميد المقاومة أو شغلها في الصراع الداخلي وضياع الوقت لصالح العدو في مفاوضات أنا على يقين أنها لن تنتهي بدولة فلسطينية في حدودها الدنيا على الأقل (الضفة وغزة). أما وأن إخواننا في حماس لم ينتصحوا من أحد ولم يفكروا قبل أي خطوة يخطونها أن لها شركاء في المقاومة والوطن، والأمة كلها شريك لهم في كل ما سيتخذونه من قرارات؛ وأنهم لم يقولوا لأنفسهم أن من إخواننا الذين يؤيدوننا ويدعمون موقفنا ويحرصون علينا مَنْ يملك من البصر والبصيرة، والخبرة والتجربة، والفهم والوعي، والصدق والإخلاص، ما قد لا نملكه أو نبصره ونراه، وأنه الواجب علينا كما هو الواجب عليه
م أن يقفوا إلى جانبنا وقد فعلوا ذلك ولم يقصروا، أن ننتصح ونأخذ برأيهم ونتقارب معهم حتى وإن خالف ذلك طموحاتنا وتقديرنا للأمور لأنهم قد يكونوا على صواب أكثر منا، وخاصة بعد أن نفذوا قراراهم وشاركوا في العملية السياسية ورأوا ما جلبته عليهم وعلى الجماهير الفلسطينية وقضية الأمة من تراجع وفتن تكاد تعصف بالجماهير الفلسطينية والوطن، تهدد بتغييب أو تأجيل أو تجميد مشروع المقاومة، أي الجهاد في سبيل الله، الذي اعتبره بعض فقهاء الإسلام الركن السادس في الإسلام، كل ذلك باعتقادي من أجل أن يُعترف بحماس طرف فلسطيني مفاوض، أو أنها هي الطرف الأقوى الذي يمكن أن يُوثق به لتنفيذ أي اتفاق قادم. أمام كل ذلك كان لا بد لي أن أحافظ على موقفي وثوابتي وألا أفرط فيها، أو أقبل أن ألغي عقلي وأبحث عن مبررات أنا لن أقتنع بها لأبرر بها ذلك التحول في سياسة وممارسة حماس، لأني لن انتظر بعد هذا العمر وتلك التجربة الطويلة في العمل النضالي والجهادي، وما حصلته من علم ومارسته من ثقافة وكسبته من معارف وتجارب الآخرين، لن أنتظر عشرين أو ثلاثين عاماً قادمة حتى أدرك ما قد تأول أو ستنتهي إليه حماس في حال استمرت على هذا النهج في التعامل مع الداخل الفلسطيني ومن ناحية أخرى مع الخارج اليهودي الصليبي، وأنا أدركت ما ستنتهي إليه حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وواجهتها به وصارعتها من داخلها ضده قبل أن يدركه كثير من المعارضين الآن الرافضين للتسوية ولهم أسماء رنانة، وذلك منذ بداية النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وقد كنت مازلت في بداية عمري (18 سنة)، وبعد عامين من النقاش والجدل لم أتلقى فيهما إجابات شافية على كثير من الأسئلة والتغيير في الميثاق والبرنامج السياسي تركت تنظيم فتح عام 1979، وقلت أنها تسير بنا إلى المجهول، وبدأت في العمل من أجل تشكيل تنظيم إسلامي جهادي وقتها، وأثناء ذلك التقيت مع مجموعة من الإخوة الذين أحسنت فيهم الظن وأكملت معهم ذلك، ولكن للأسف … وكم تمنيت أن تصحح حماس خطأ أولئك الإخوة بعد أن بلغت ما بلغت، وما زلت أتمنى ألا تستعجل قطف الثمار وألا تسرع في العودة إلى النهج الإخواني في السياسة!.