تعتبر ظاهرة الإرهاب من الظواهر الخطيرة التي تهدد بنية أي مجتمع، وخصوصا أنها تتسلح بالعنف أو رد الفعل الحرج (1) ، للتغيير الجدري للواقع الاجتماعي الذي تستهدفه هجماتها الدموية أو الإيديولوجية على حد سواء.
وبرصدنا لجذور هذه الظاهرة في الدول العربية والمتخلفة عموما، نجدها تتخذ من التخلف الاجتماعي والحضاري مجالا حيويا لنموها وكمونها ونشاطها بين الفينة والأخرى، ومرد هذه الظاهرة الخطيرة إلى المكبوت الاجتماعي لدى الإنسان العربي المسلم الذي ينهزم أمام هذه الظاهرة سواء بالسلب أو الإيجاب، وسقوطه في شباك الجماعات الإرهابية المتأسلمة نابع من فقدانه الأمل في تغيير واقعه بالعمل لأنه معطل أو بالفكر لأنه غير معترف به، فيحاول بأساليب أخرى توفر له الدفيء الإيديولوجي المناسب لتفريغ مكبوته الاجتماعي (الفقر، البطالة، نمط الوجود المتخلف …) بواسطة العنف، كرد فعل مرضي نفسي نابع من المجتمع الذي أنتجه، وبالتالي فبروز الانتقام من المجتمع ككل وتكفير المجتمع والاعتداء على الأبرياء (ظاهرة الانفجارات كنتيجة رد فعل) ، كل ذلك بدافع التحرر من واقع مرير وعقد الأمل على عالم ميتافيزيقي على الطراز الجهادي الوهابي وغيره، فيه كل ما أخفق في تحقيقه في الواقع (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر … ) ، بتحوير النصوص الشرعية في الفقه الجهادي وإعطاء تفاسير على غرار الإيديولوجية الإرهابية الناظمة لقناعاته وآماله وأفكاره وسلوكاته، فهذا الإنسان الضحية يختزل العالم في ذاته ويصبح وثوقيا لا يصح إلا ما يرى هو ولا أحد غيره، إلا أميره الجهادي، الذي علمه وخاط أنسجته الذهنية على مقاييس تضرب عرض الحائط كل ما فيه جنوح للسلم والأمان في النصوص الشرعية الصريحة، إضافة إلى تحوله لأداة طيعة يتم التحكم فيها عن بعد، بعدما تعرض لتشييئء مادي ومعنوي : فأصبح ذاتا راضخة ومطيعة في يد زمرة الجماعة الإرهابية، وبالتالي ينصاع بشكل لا شعوري إلى تدمير ذاته والآخرين، ظنا منه أنه سيدخل الجنة الموعودة ويشرب من أنهارها، ويتمتع بحورها العين، ونعمها التي ليس لها نهاية، هذه البنية الميتافيزيقية التي تنقل أمله من الواقع المادي إلى ما وراء الطبيعة هي بالضبط المكبوت الاجتماعي المسنود بواقع حاصره وقهره وأفقده الأمل، فأصبح لا يرى إلا الآخرة لوحدها كانسان ذو بعد واحد مسلوب الإرادة والمكبوت في بنيته النفسية يعمل وينشط باستمرار ويغيب لديه الرقيب (القانون، المجتمع، الأسرة، الوطن ..) ،فيصبح ناقما على كل شيء حوله لأنه يتخبط في صراع داخلي لا واعي مدعوم بواقع ملازم لذاته ونفسيته المهزوزة، في غياب الواقع البديل طبعا، وبالتالي يصبح ذلك الإرهابي كالأفعى التي تنهش ذيلها ليدمر نفسه أولا، والآخرين ثانيا، أملا في مرتبة الشهداء والصديقين !!
من هنا نجد أن المكبوت الاجتماعي الناشئ عن تردي الأوضاع الاجتماعية في حياة الإنسان المتخلف المهدور نفسيا واجتماعيا يلعب دورا محوريا في إنتاج ظاهرة الإرهاب المتأسلم، وخصوصا في ظل غياب واقع بديل يبعث فيه الأمل للعودة إلى رشده الاجتماعي لبناء مجتمعه عوض تدميره لصالح مشاريع إيديولوجية تلعب على وجدان الشعوب للتنكيل بها، وتعميق أزماتها وتناقضاتها الداخلية، وتبني أوهاما ميتافيزيقية لتخدم مآربها السياسية الخارجية، وتروج لثقافة هدامة عوض الرجوع إلى قيم ديننا الحنيف وما يحمله من تعاليم سمحة تقدس دم المسلم وتحترم حرمته وتعلي من شأن إنسانية الإنسان، كانسان بامتياز، وليس وحشا كاسرا يدمر الدنيا التي استخلفه الله فيها لكي لا يفسد فيها ويسفك الدماء كمن سبقه في بداية الخليقة، كما يوضح لنا القران الحكيم.
(1) رد الفعل الحرج : عنف متولد عن ضغوطات اجتماعية ينتج عنه تدمير الذات بعد الفشل في التغلب على أزمة الواقع.
بوغولــــــيد رشــــــــيد : كــ
ــــاتب ومــــــفكر مــــــــغربي
للمزيد من المعلومات المرجو الاتصال :
E Email : [email protected]
E GSM : 067.49.10.09