د. مدين حمية
في العام 1979 انتصرت الثورة في إيران وتأسست الجمهورية الإسلامية الإيرانية
د. مدين حمية
في العام 1979 انتصرت الثورة في إيران وتأسست الجمهورية الإسلامية الإيرانية على انقاض سنوات طويلة من حكم نظام الشاه المتحالف مع الغرب. وقد أحدث انتصار الثورة اهتزازاً في التحالفات الاقليمية والدولية. فايران الثورة سارعت إلى تحديد موقفها من الكيان الصهيوني معتبرة أن “إسرائيل” غدة سرطانية، وهذا ما عمّق الفجوة ـ التي حدثت أصلاً بفعل انتصار الثورة ـ بين إيران والغرب، على خلفية إختلاف التوّجه الإيديولوجي اللاهوتي.
هذه الأمور دفعت الغرب إلى إجراء مراجعة شاملة لمخططه القائم على تحقيق التوسع الجيو-سياسي، خصوصا في الخليج الفارسي لأهميته الطاقية في مختلف العناصر المادية، فكانت الحرب الإستنزافية بين إيران والعراق على مدى8 سنوات واحدة من أخطر الحروب التي تقصّد بها الغرب إضعاف ايران والعراق في آن. وقد انتهت تلك الحرب بعد أن وافقت إيران على إنهائها من دون أي تغيير جغرافي في أرض الواقع أي بمعنى لا غالب ولا مغلوب، إلا أن النتيجة كانت كارثية لكلا البلدين.
الحرب العراقية الإيرانية بكل تداعياتها، لم تؤثر على اندفاعة الثورة الإيرانية التي نجحت في محاصرة “إسرائيل” والغرب من جهات عدة عبر استيلاد ودعم حركات المقاومة، خصوصاً في لبنان وفلسطين. فلقد دعمت إيران المقاومة الفلسطينية وكان لها اليد الطولى في تحفيز الشعب الفلسطيني على القيام بانتفاضته الشهيرة وحاصرت “إسرائيل” من لبنان بواسطة حزب الله بعد أن ضمنت حليفاً استراتيجياً هو سوريا، التي بدورها لعبت دوراً بناءً في دعم المقاومة الفلسطينية وفي إطلاق المقاومة الوطنية في لبنان.
وإضافة إلى ما بذل من أجل تمكين حركات المقاومة في لبنان وفلسطين من إطباق الحصار على الكيان الصهيوني، تولت إيران بنفسها حصار الغرب بدءاً من نقطة الخليج الفارسي، إذ أن إيران تتحكم بالممر النفطي ويعود لها أمرحظر السلع النفطية بنسبة كبيرة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى استطاعت إيران أن تحفظ لنفسها دوراً بارزاً في افغانستان والعراق من خلال القوى التي تقاوم الاحتلال الأميركي وحلفائه، وهذا ما أدى إلى تضعضع الدول الغربية من الداخل إجتماعياً ومن الخارج على الصعيد العسكري.
إضافة إلى ما تقدم، ينظر الغرب بخشية وبقلق شديد إلى خطورة تملك إيران لدورة الوقود النووي التي وصلت الى نقطة اللا رجعة. وعتبر الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية أن هذا الأمر سيجعل إيران تملك طاقة اقتصادية هائلة إضافة إلى امتلاك أسلحة نووية ـ حتى وإن كانت محدودة ـ ما يجعلها أيضاً متفوقة على الصعيد العسكري ولها الكلمة الفصل في المعادلة الإقليمية. وكل هذا يحُد من خيارات قوات حلف شمالي الأطلسي والقوات الأميركية عسكرياً، وهذا ما باتت مقتنعة به تلك القوات، وهذه القناعة تترجم بعدم حماسة الغرب للقيام بعمل عسكري ضد ايران واستبداله بالضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، في حين أن اللوبي الصهيوني المتحكم بالمرتكزات الأميركية يحّرض على شن حرب مفتوحة ضد إيران. وقد إشتغل اللوبي الصهيوني على مجموعة من العناوين لتحقيق هدفه، وهي:
1ـ المواقف التي أطلقها الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد وبعض المسؤولين الإيرانيين بشأن المحرقة في ألمانيا والدعوة إلى إزالة إسرائيل عن الخارطة.
2ـ التفاهم الاستراتيجي الروسي الإيراني وسعي ايران لإقامة تحالف مع أفغانستان وطاجاكستان التي تجمعها بهما اللغة.
3ـ التقارب الكبير بين إيران وتركيا، خصوصا بعد فوز اردوغان وحزبه.
4ـ متانة الحلف الاستراتيجي الإيراني الصيني، خصوصاً وأن (40% من معامل الأسلحة في إيران مصدرها الصين).
5ـ نجاح ايران في تجاوز الحظر وتصدير نفطها عبر شركات أوروبية.
6ـ سعي إيران لامتلاك السلاح النووي، والخشية من أن يؤدي ذلك إلى تنامي القوة الروسية، بما يشكل تهديداً للحلف الأطلسي.
7ـ الدعم اللوجستي الذي توفره ايران لحركات المقاومة في كل من لبنان، فلسطين، العراق وأفغانستان.
8ـ سيطرة ايران على دول الخليج النفطية.
9ـ لعب اللوبي الصهيوني دوراً
رئيساً في خفض سعر صرف الدولار مقابل اليورو الأوروبي وكذلك ارتفاع سعر النفط عالمياً ما أدى إلى كساد هائل في المنتوجات الأوروبية وحدوث ضائقة إقتصادية على شعوب الدول الاوروبية.
رئيساً في خفض سعر صرف الدولار مقابل اليورو الأوروبي وكذلك ارتفاع سعر النفط عالمياً ما أدى إلى كساد هائل في المنتوجات الأوروبية وحدوث ضائقة إقتصادية على شعوب الدول الاوروبية.
لقد إشتغل اللوبي الصهيوني على كل هذه العناوين لتهيئة الأجواء من أجل شن حرب على إيران، الأمر الذي اصطدم برفض القيادة العسكرية الأميركية، ما سبب انزعاجاً لـ اللوبي الصهيوني، ترجم بالتهديد الذي أطلقته القيادة الإسرائيلية بضرب المفاعلات الإيرانية بصواريخ نووية، وهذا التهديد جاء بعد أن اجتمعت القيادتين الإسرائيلية والأميركية بحضور قيادات اللوبي الصهيوني ونائب الرئيس الأميركي ديك شيني قبل حرب تموز 2006 حيث أتخذ قرار توجيه ضربة جوية محدودة تستهدف مواقع إيرانية. ويومها طلب أحد الجنرالات في المخابرات العسكرية الأميركية من رئيس الأركان الاسرائيلي دان حالوتس اختبار فعالية الضربات الجوية ضد حزب الله في لبنان على أن تكون إيران هي الهدف التالي لهذه الضربات. فوافق الطرف الإسرائيلي، وحصل عدوان تموز 2006 حيث كانت الخطة جاهزة لدى الطرف الإسرائيلي.
نتائج حرب تموز أنتجت واقعاً جديداً في نظر المحللين الاستراتيجيين، وقد توصل هؤلاء إلى خلاصة مفادها: أن الضربات الجوية غير مجدية ولا تحقق الانتصار إذا لم تكن المعلومات الميدانية متوفرة ودقيقة. إن نجاح الضربات الجوية على العراق كان بسبب دقة المعلومات الميدانية، أما بالنسبة لإيران فالوضع مختلف، فهنالك ظلام دامس. لقد استسلمت الإدارة الأميركية لنصائح قيادتها العسكرية بعدم جدوى الحرب على إيرانلأن ذلك سيؤدي إلى الدخول في نفق الجحيم من دون نهاية.
لذلك، لم يبق أمام واشنطن من خيارات لتفادي الضغوط الإسرائيلية إلا بمواصلة العقوبات والضغوط على إيران، إضافة إلى التزام أميركي بتقديم المساعدة الاستخبارية واللوجستية لإسرائيل في حربها المقبلة ضد حزب الله..
أما لماذا حزب الله مرة أخرى، فللاعتبارات التالية؟!
ـ حصول الاستخبارات الأميركية من المتحالفين معها في لبنان على معلومات أوضح عن حزب الله.
ـ تفاقم الحالة المذهبية، وهذا ما تعتبره واشنطن إنجازاً يفيد من الناحية الاستخباراتية.
ـ تواجد الأساطيل التابعة لحلف شمال الأطلسي على مقربة من الشواطئ اللبنانية بذريعة دعم تطبيق القرار 1701، وقد تم تدعيم هذه القوات مؤخرا بتواجد كثيف للقوات البحرية الأميركية.
ـ الإعتقاد بأن كلفة الحرب ضد حزب الله هذه المرة ستكون أقل بكثير من كلفة الحرب على إيران، سيما وأن واشنطن تتوجس من اقدام ايران على اغلاق ممر النفط (هرمز) واستهداف الدول النفطية.
ـ الإعتقاد أن حرباً جديدة على حزب الله سيكون لها وقع خفيف على المجتمع الدولي، وأن توجيه ضربة قوية لحزب الله سيعزز الموقف الأميركي ويساهم في ممارسة ضغوط قوية على إيران وسوريا.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ما حدث في لبنان داخلياً في أيار 2008 ألغى فكرة شن حرب اسرائيلية جديدة ضده؟
ثمة اعتقاد أن ما قام به حزب الله وحلفائه مؤخرا على الساحة اللبنانية في مواجهة قرار الحكومة اللبنانية المتحالفة مع واشنطن لم يلغ فكرة الحرب العسكرية ضده بل أرجأها إلى زمن أخر، وهذا الزمن ليس ببعيد.
وبعد “بروفة” حرب تموز 2006، وانتصار حزب الله على “إسرائيل” يصعب التكهن بمدى نجاح الحرب التي ستشن على حزب الله مجدداً من قبل “إسرائيل” وأميركا ومعهما حلف شمال الأطلسي. فهل يكرر حزب الله انتصاره؟!
ثمة رأي يجمع عليه المحللون وهو أنه إذا لم ينتصر حزب الله كما انتصر في تموز 2006، فإن كلفة الحرب ستكون شديدة الوطأة على الطرفين. فهل تغامر إسرائيل وأميركا مجدداً بشن الحرب على ايران في لبنان؟!.
د. مدين حمية
رئيس مركز الدراسلت الاستراتجية للعلوم والامن القومي