تحل الدماء النازفة من رأسها ووجهها دون مواصلتها التشبث بتلابيب الجندي ذو الجثة الضخمة، لثنيه عن معاودة ما قام به. فقد جن جنون رابعة عندما شاهدت الجندي يقوم بوضع أحد ثلاثة من المقاومين الفلسطينيين الذين قامت وحدة خاصة في جيش الاحتلال بتصفيتهم للتو في حاوية للنفايات القريبة من المسجد الكبير في معسكر ” المغازي ” للاجئين وسط قطاع غزة،فخرقت هذه الفتاة نظام حظر التجول المفروض على المعسك، واندفعت لثني الجندي عن وضع المقاوم الثاني في الحاوية، فأوسعها الجنود ضرباً بأعقاب بنادقهم وركلاً بأرجلهم. كان ذلك في تموز من العام 1970، عندما كانت رابعة لم تتجاوز العشرين من العمر، والأن وبعد أكثر من 38عاماً لاتزال رابعة تذكر ذلك المشهد الأليم. كان ذلك الجندي الضخم هو أحد أفراد وحدة ” ريمونيم “، التابعة للواء المظليين، والتي كان يطلق الفلسطينيون على عناصرها ” ذوي الطاقيات الحمراء ” نسبة للون القبعات العسكرية التي يعتمرها افراد الوحدة. وكان الذي يقود هذه الوحدة مئير دجان الرئيس الحالي لجهاز ” الموساد “، وكان وضع المقاومين القتلى في حاويات النفاية هي جزء من التعليمات التي أصدرها قائد المنطقة الجنوبية في ذلك الوقت الجنرال ارئيل شارون بدعم كامل من رئيس الوزراء الإسرائيلي جولدا مائير، ووزير دفاعها موشيه ديان. ما ترويه رابعة حول الجرائم التي ارتكبتها ” ريمونيم ” تطبيقاً لتعليمات شارون، يرويه عشرات الالاف من الفلسطينيين في قطاع غزة.
الصدمة سبيلاً للردع
كان شارون يطبق في مواجهة حركة ” الفدائيون ” التي تعاظمت بعد حرب الأيام الستة، وتحديداً في قطاع غزة نظريته الامنية التي كان يطلق عليها ” الصدمة سبيلاً للردع “، وهذه النظرية تقوم على ضرورة ” صدم ” الوعي الجمعي للفلسطيني بعمليات قمع قاسية من اجل اقناعهم بأنه من الأفضل لهم ترك خيار المقاومة. عناصر ” ريمونيم ” بشكل خاص وعناصر لواء ” المظليين ” كانوا مفوضين باطلاق النار على كل من يشكون به. ويذكر سلمان ابو بليم ( 73 عاما ) صباح ذلك اليوم من شهر شباط من العام 1970 عندما قصد مزرعته الواقعة للشرق من دير البلح، وسط قطاع غزة، ليجد اولاد جاره الثلاثة الذين غدوا على أرضهم لرعي قطيع الغنم الذي تملكه عائلتهم، و قد مزقت اجسامهم برصاص عناصر ” ريمونيم “. ويعتبر شارون هو أول قائد عسكري يتوسع في تنفيذ العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين في القطاع. فكل من يشارك في عمليات المقاومة ولو بشكل غير مباشر كان يتم طرد جميع افراد عائلته للاردن، بعد تدمير منزلها. والى جانب دجان كان يعاون شارون في تنفيذ جرائمه الجنرال يوسي جينوسار الذي كان ضابطاً في جهاز المخابرات الداخلية الاسرائيلية ” الشاباك “، والذي ارتقى في المنصب حتى وصل الى رتبة لواء، وبعد تسرحه من “الشاباك ” وقبل موته كان شريكاً تجارياً لعدد من النافذين في السلطة الفلسطينية، وحلقة وصل سياسية بين قيادة السلطة ودوائر صنع القرار في الدولة العبرية.
تاريخ حافل
الجرائم التي ارتكبها شارون في القطاع اوائل السبعينيات كانت في الحقيقة تواصلاً للجرائم التي ارتكبها منذ أن انضم للمنظمة ” الهاجاناة “، الذراع العسكري شبه الرسمي للحركة الصهيونية قبل الاعلان عن الدولة العبرية في العام 1945.وبعد الاعلان عن الدولة لفت شارون الذي كان ضابطاً برتبة ملازم انظار قادة الدولة بسبب القسوة التي كان يتعامل بها مع الفلسطينيين. وفي العام 1952 عين قائداً لوحدة ( 101 ) الخاصة التابعة للواء المظليين، والتي اخذت على عاتقها تنفيذ عمليات انتقامية ردعية ضد عمليات التسلل التي كان يقوم بها المقاومون الفلسطينيون. ولعل ابرز ما قامت به هذه الوحدة كان تنفيذ مجزرة ” قبية ” في العام 1954. عندما قاد شارون قواته في حملة انتقامية ضد اهالي القرية التي تقع للجنوب من مدينة نابلس، بزعم انطلاق متسللين من القرية لتنفيذ عمليات داخل اسرائيل. أمر شارون بتفجير منازل القرية على رؤوس ساكنيها من اطفال ونساء وشيوخ، فقتل العشرات وجرح المئات. وفي العام 1956، وفي العدوان الثلاثي احتل قطاع غزة، وشارك شارون كقائد للواء المظليين في احتلال مدينة خانيونس جنوب القطاع، ونفذ هو و الجنرال ماتي بيليد مجزرة القلعة المشهورة التي قتل فيها العشرات من الاهالي.وقد تحول بيليد بعد تسرحه من الجيش الى تأييد حركات السلام الاسرائيلية، في حين ظل شارون يقدس ” القوة العارية ” سبيلاً للحسم. وفي العام 1982 وفر شارون الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع الظروف لتنفيذ حلفائه مجزرة ” صبرا وشاتيلا “، التي قتل فيها الفين من الفلسطينيين. وبعد المجزرة تشكلت لجنة تحقيق اسرائيلية رسمية برئاسة القاضي إسحاق كاهن، وقد وجدت لجنة كاهن أن هناك “مسؤولية شخصية ملقاة على عاتق شارون”، فاضطر للاستقالة من منصب وزير ا
لدفاع.ومع توليه منصب رئيس الوزراء في مارس من العام 2001 خلفاً لايهود براك، كان الشعار الذي رفعه شارون لمواجهة انتفاضة الأقصى هو ” ما لم ينجز بالقوة، ينجز بمزيد من القوة “، فكان التوسع في تنفيذ عمليات الاغتيال ووصولها الى حدود غير مسبوقة طالت القيادات السياسية والروحية لحركات المقاومة، فضلاً عن تدمير منازل عوائل المقاومين وابعادهم. لكل ذلك يمكن فهم حالة الرضى والتشفي التي تسود الشارع الفلسطيني بسبب ما ألم بشارون.
لدفاع.ومع توليه منصب رئيس الوزراء في مارس من العام 2001 خلفاً لايهود براك، كان الشعار الذي رفعه شارون لمواجهة انتفاضة الأقصى هو ” ما لم ينجز بالقوة، ينجز بمزيد من القوة “، فكان التوسع في تنفيذ عمليات الاغتيال ووصولها الى حدود غير مسبوقة طالت القيادات السياسية والروحية لحركات المقاومة، فضلاً عن تدمير منازل عوائل المقاومين وابعادهم. لكل ذلك يمكن فهم حالة الرضى والتشفي التي تسود الشارع الفلسطيني بسبب ما ألم بشارون.
طالع بقية المقالات على موقع صالح النعاميwww.naamy.net
بريد الكتروني