الساعة تجاوزت الواحدة فجرا، ولأول مرة في حياتي اشعر بخطورة الزمان، فكما يقال الوقت من ذهب وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك، خاصة عندما تواجه إعصارا يجتثك من جذورك ويلقي بك في جحيم لا قاع له، جحيم يقلب حياتك رأسا على عقب ويدفع بك للجنون جراء الأسئلة المرعبة التي تفرض نفسها عليك مستهترة من ضعفك أمام الحقيقة والحالة الهروبية التي باتت نمط حياتي تميز النخبة الفلسطينية المتقنة لفن التضليل ودفن الرأس في الرمل ترك أحوال البلاد والعباد للسفلة الذين باتوا يسرحوا ويمرحوا مستغليين حالة الترهل والتناطح الغريب العجيب الذي أدخلنا في دوامة العبثية التي أكلت منا ما أكلت.
أحاول في هذه المقالة أن اقرع جدران الخزان، هذا أذا بقي له جدران، ففي اعتقادي أن لكل فلسطيني جدارة الخاص وسجنه الخاص وعالمة الذي يقيد فكرة وفعلة وحركته، ولكن عندما يتسلل السفلة إلى بيوتكم ويختطفون أولادكم ليحولوهم إلى متعاطين للمخدرات بأنواعها المختلفة وتبقوا صامتين فانتم مشاركون في هذه الجريمة التي تمس عصب النظام الاجتماعي والأخلاقي للشعب الفلسطيني.
قد يرد علي البعض بالقول لتحترق روما المهم بيتي، وأنا كنت من الذين يتبنون هذا الموقف وعملت علية قولا وفعلا والحمد لله نجحت إلى حد ما في الدفاع عن عالمي الخاص وهناك الكثيرون مثلي إلى أن لطمتني الحقيقة المفجعة والمرعبة عندما شاهدت بأم عينيي أطفالا تتراوح أعمارهم بين 15- 20 عاما يدمنون على الحبوب المنشطة”الاكستازي”، هذه الحبوب التي لها مخاطر على حياة المتعاطي تبدأ من الانحراف الأخلاقي والاجتماعي وتنتهي بالموت بجلطة قلبية أو خلل في وظيفة الدماغ.
للمعلومة أنا أتحدث عن ظاهرة أشاهدها في الأفراح والليالي الغير ملاح التي تكثر في فصل الصيف، فقبل أسبوع حضرت عرس لأحد الأصدقاء في إحدى المخيمات الواقعة في محافظة بيت لحم” وارجوا منكم أن تتوقفوا إمام كلمة مخيم”، لفت نظري في هذا العرس أن الأطفال بدؤا الرقص من الساعة 8-12 دون توقف، ومع بعض التدقيق وجدت أن هناك سرا لا اعرفه أنا وأبناء جيلي، تقربت من احدهم وسألته عن سبب هذا النشاط العام في أوساط المشاركين في العرس، فاعتقد أنني أريد المشاركة فاخرج من جيبه علبة بلاستيكية بحجم علبة الكبريت وإذا به يناولني حبة صغيرة يغلب عليها اللون الأسمر حيث عرفت منة أنها تسمي”الاكستازي” تلك الوصفة السحرية التي تدخل السرور والفرفشة والسطلان لكل من يتناولها، وكما قال لي فهي أي “الاكستازي” تعطيك الطاقة للرقص لأكثر من عشر ساعات دون توقف، وللتنويه فقط يتناول الطفل المشارك أكثر من حبة وهذا خطير جدا.
الملفت في هذا المشهد القاتم عياب ثقافة المقاومة التي حافظت على نقاء الأجيال المتلاحقة وحمتها من الانزلاق في وحل الرذيلة، والمصيبة أن قطاع لا باس بة من القاعدة العريضة لفصائل العمل الوطني وباستثناءات متواضعة انخرطت في ثقافة الاكستازي الجديدة وهذا يوضح حجم المشكلة القادمة والخطر الداهم بأولادنا والأجيال القادمة، هذه الأجيال الضحية لثقافة الصمت والانفلات والانقلاب والفساد والتفريط التي تتسع مساحتها وتسحق بكل قسوة كل ما هو جميل في مجتمعنا، أنها الثقافة الجديد التي تجيز للبعض المنحرف التطبيع مع الاحتلال وبيع كل شيء على حساب ثرواتنا الوطنية التي يشكل الشباب عمادها الرئيسي.
ان الحرب التي نتعرض لها هي حرب من طراز جديد تعتمد حبة الاكستازي والمخدرات والدعارة كتحصيل حاصل سلاحا لها، هذا السلاح الذي يفتك بأطفالنا وشبابنا كما السرطان ويشكل تربة خصبة للسقوط الأمني في براثن المخابرات الإسرائيلية التي بنت خططها على هزيمة شعبنا من الداخل بعد فشلها الذريع في أساليب قمعها المباشرة القائمة على القتل والاعتقال، والمشكل أن الطريق سهلة لنشر هذه الآفات بسبب غياب الفعل الثقافي في مؤسساتنا التي يفترض ان تنهض بواقع شبابنا من خلال تعزيز الانتماء للتاريخ والثقافة الوطنية والتوعية المستدامة للمخاطر التي تهددهم.
ماذا بعد…؟؟؟ وما العمل ….؟؟ وأين طريق السلامة …؟؟ ومن يعلق الجرس وينقذنا من الخطر القادم …؟؟ وهل السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية والشرطية تقوم بواجبها تجاه شعبها …؟؟؟ وهل المجتمع الفلسطيني بقواه الوطنية ومؤسساته المدنية شريك صامت في الجريمة التي ترتكب بحق أبنائنا …؟؟؟ يا سادتي إن السوس ألاحتلالي ينخر مجتمعنا الفلسطيني وفي اعتقادي نحن في صراع مع الزمن الذي لن ينتظر الفعل الرسمي والشعبي لإنقاذ ما يمكن انقاذة، لذلك لا بأس من مناشدة للسيد الرئيس للتحرك واتخاذ القرارات الكفيلة باستخدام الجراحة العلاجية لاستئصال هذا المرض الأخطر، وهنا أتساءل عن دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن بكرة أبيها، إنها تعرف الحقيقة وتشخصها جيدا ولم يعد مقبولا أن تلتزم الصمت لان الصمت مشاركة بالفعل، وما ينطبق على الأجهزة الأمنية ينسحب على القوى الوطنية وأعضاء المجلس التشريعي في المحافظة والفعاليات التي كما سمعت من مصادر شرطية أن بعضها يشكل غطاءا لتجار المخدرات بالتدخل عند اعتقا
لهم.
لهم.
الحالة غاية في الخطورة، والدليل الصارخ على ما يتعرض له المجتمع الفلسطيني بشكل عام ومحافظة بيت لحم بشكل خاص، هذه المحافظة الضحية للعربدة والمشاكل المفتعلة وظاهرة التجيش الخطيرة التي تهدد بانفجار قريب لن تحمد عقباه، ولقد وصلت الوقاحة في البعض أن يتلذذ”ببطولاته” أو بشكل أدق بعربدته بان ينشر تفاصيل عربدته على المواقع الالكترونية مما يعطينا إشارات واضحة عن حجم المشكلة التي نعاني منها، والإبعاد والتداعيات الخطيرة لمثل هذه السلوكيات الغير بريئة.
أن الوضع الذي نشهده يذكرني بحلاب الأفيون الأولى والثانية التي شنتها بريطانيا على الصين في القرن السابع عشر، ولكن الاختلاف بيننا وبين الصين أن حرب بريطانيا اقتصادية والحرب على شعبنا وشبابنا أمنية ووطنية وأخلاقية، حرب تستهدف اقتلاعنا من الجذور وتركنا عرضة للتآكل الذاتي وتحويلنا لمجموعات بشرية تأكل بعضها بعضا، عندها سيغيب الفعل الوطني ولن ينفع العلاج.