لم يكن في حسبان أكثر الناس تشاؤماً أن ينتهي الحال بجارهم العامل البسيط إلى هذا المصير، بعد أن قام بقتل أربعة من أطفاله، بسبب ضيق اليد، ولعدم قدرته على توفير الغذاء الكافي لإعاشتهم.
هذه “الجريمة” التي هزت أصداؤها مدينة “مظفر أباد” الباكستانية مؤخراً، ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها “جرائم” مماثلة في كل من مدينتي “فيصل أباد”، و”لاهور”، والأسباب نفسها: الفقر والجوع.
وتعكس تلك “الجريمة”، أو “الحادثة” كما تسميها بعض المنظمات الدولية، حالة الفقر التي يعاني منها معظم سكان “مظفر أباد”، التي تبعد نحو 400 كيلومتر من جنوب غرب “لاهور” عاصمة إقليم “البنجاب.”
تفاصيل “الجريمة” دارت في قرية “باستي بداني”، جنوب مظفر أباد، حيث انهال الأب، ويُدعى عبد السلام، ضرباً على أبنائه الستة، الذين تتراوح أعمارهم بين 11 عاماً و18 شهراً، بينما كانوا يغطون في النوم.
وقد لفظ أربعة من الأطفال أنفاسهم في الحال، بينما نجح الأطباء في إنقاذ اثنين منهم “بأعجوبة”، كما جاء في تقرير لشبكة الأنباء الإنسانية “إيرين”، التابعة للأمم المتحدة.
وبرر عبد السلام “فعلته” بالقول إنه “اضطر للقيام بذلك لأنه أصبح عاجزاً عن إطعام أطفاله”، حيث نقلت صحيفة محلية قوله إنه “قام بقتلهم لأنه كان عاطلاً عن العمل طيلة عشرة أيام، وأصبح عاجزاً عن الاستجابة لطلباتهم.”
وذكر الأب لصحيفة “ديلي دون” أنه “ما كان يوجد في المنزل من طعام لم يكن كافياً لهم، وأنهم كانوا قد آووا إلى الفراش جياعاً”، عندما قام بقتلهم.
ولا تشكل “جريمة” عبد السلام سابقة من نوعها، ففي مارس/ آذار من العام الجاري، قام أحد الباكستانيين بقتل طفلتين من أطفاله السبعة، ثم انتحر بإلقاء نفسه أمام قطار، في قرية قريبة من مدينة “فيصل أباد” الصناعية.
وفي ذات الشهر، قامت سيدة شابة، تُدعى بشرى بيبي، بإلقاء نفسها وطفليها أمام القطار في “لاهور”، تاركة وراءها رسالة تقول فيها: “أُفضل أن أرى طفليَ يموتان، على أن أراهما يعانيان الفقر والجوع والحرمان.”
الغريب أن العديد ممن أعربوا عن إصابتهم بـ”الصدمة” لما أقدم عليه عبد السلام، أبدوا تعاطفاً مع الأب “قاتل أبنائه”، بل إن بعضهم حاول تبرير “جريمته” بقولهم إنهم “يتفهمون شعوره.”
ونقل تقرير “إيرين” عن رحمت علي، وهو عامل يبلغ من العمر 35 عاماً، وأب لأربعة أطفال قوله: “إن ما قام به (عبد السلام) أمر وشرير، فمن الوحشية أن ينهال الأب ضرباً أطفاله الصغار وهم نائمين.”
إلا أن علي استدرك قائلاً: “ولكن في بعض الأيام حين لا يكون في البيت طعام، يصاب الواحد منا بالإحباط حيال مستقبل أطفاله، ويبدأ بالتساؤل إذا ما كانوا سيكونون أفضل حالاً وهم في القبور.”
ويخشى علي، الذي لا يتعدى دخله الشهري 3500 روبية (حوالي 55 دولارأ)، أن يضطر إلى سحب أكبر طفليه من المدرسة، حيث يقول: “لا أستطيع تحمل تكاليف الدراسة، علينا أن نختار بين الطعام وبين التعليم.”
وألمحت شبكة الأنباء الإنسانية إلى بعض الجهود التي تقوم بها الحكومة المحلية في إقليم “البنجاب” للحد من تضخم أسعار المواد الغذائية، وكذلك جهود الحكومة الباكستانية للحيلولة دون حدوث “مجاعة” بالإقليم.
وفيما قررت الحكومة تحديد سعر عبوة الدقيق التي تزن 20 كيلوغراماً بـ375 روبية (5.5 دولار)، فقد شهدت الأسعار ارتفاعاً كبيراً وصل إلى 20 في المائة خلال العام الماضي، مما زاد من صعوبة العيش للعديد من المواطنين.
كما طالب وزير الأغذية، مالك نديم كمران، الحكومة الفيدرالية باستيراد حوالي 2.5 مليون طن من القمح لتجنب حد
وث أزمة غذاء في المستقبل.”
وث أزمة غذاء في المستقبل.”
من جهتها، علقت سيرا عزيز، أخصائية نفسية بلاهور، عن حوادث قتل الآباء لأطفالهم بسبب الفقر وعدم القدرة على إطعامهم، بقولها: “عند تعرض الآباء لضغوطات هائلة، فإن الأطفال عادة ما يعانون من الإساءة.”
وأوضحت أن “القتل عادة ما يكون أكثر أشكال هذه الإساءة تطرفاً، ولكن عجز الآباء على إحضار ما يكفي من الطعام للبيت، يتسبب في زيادة حدة التوتر الأسري، ويؤدي إلى مشاكل كثيرة بما فيها العنف.”
كما يلجأ العديد من الآباء إلى “ممارسات” أخرى، من بينها “التخلي” عن أبنائهم، فعلى سبيل المثال، تلقى مركز “إدهي” الخيري في “حيدرأباد”، بإقليم السند، العديد من الطلبات من آباء يطلبون فيها تكفل المركز بأبنائهم لعدم قدرتهم على إطعامهم.
وقال ميراج أحمد، أحد المتطوعين بالمركز، أن إحدى السيدات تركت طفلها البالغ من العمر ستة أشهر في المركز، بدعوى فقر أسرتها وعدم قدرتها على إعالته.
كما أحضرت سيدة أخرى أربعة أطفال وتركتهم في المركز، ولكنها عادت وأخذتهم عندما قيل لها أنها لن تتمكن من رؤيتهم مرة أخرى إذا سلمتهم للمركز