خلصنا في المقالة الماضية إلى أن المقاومة في فلسطين عند البعض غدت كما كانت عند منظمة التحرير بعد أن أصبح همها الحصول على الشرعية السياسية، بمعنى وسيلة لا للتحرير ولكن للاعتراف بها قيادة شرعية للجماهير الفلسطينية معترف بها إقليمياً ودولياً. كما أن ثوار الأمس في فلسطين لم يعودوا يعيشوا بروح المقاوم ولكنهم استعاروا وقلدوا الأنظمة الطائفية والطبقية داخل الطبقة نفسها، وأن دل ذلك يدل على أنها ليس لديها رؤية تساعدها على إدراك أولويات كل مرحلة وتمنعها من الخلط بين مرحلة وأخرى، بما يتسبب في ضياع التضحيات والإنجازات! نواصل قراءتنا لخطاب سماحة السيد حسن نصر الله لنرى الفارق الكبير بين المقاومة بلبنان وفلسطين. وحدة مشروع ومصير وهدف المقاومة في خطابه الذي كان أكثر تواضعاً وهو دائماً متواضع في مظهره ومحياه وابتسامته بحياء على الرغم من ثقته بنفسه وبحزبه، وليس كالبعض تشعر أنه متصنع في كل شيء ومن الوزن الخفيف يكاد يطير فرحاً وسعادة واغتراراً بنفسه أمام الكاميرات، لم يحتكر الفضل لنفسه أو لحزبه فيما حققه من انتصارات عظيمة ولكنه تحدث بكل تواضع وثقة واعترف لأهل السبق بسبقهم ولأهل الفضل بفضلهم، ولم يدعي أنه بداية ونهاية تاريخ لبنان أو المقاومة فيه أو في المنطقة كلها ولكنه امتداد لهم، إدراكاً منه إلى أن وطننا وطن المقاومة وأن المقاومة تتوارث من جيل لجيل ومن ثورة لثورة ولا يمكن أن يحتكرها أحد، أن يكون هو نهايتها،. فقال: عندما ذهب سمير قبل ثلاثين عاماً لم يكن حزب الله قد وجد وعندما قامت الشهيدة القائدة دلال المغربي ورفاقها بعمليتها النوعية الجريئة الاستشهادية لم يكن حزب الله قد ولد، أن يستعيدهم اليوم حزب الله أحياء وشهداء له دلالات كبيرة وأهمها: إن مشروع المقاومة وهذا ما يجب أن يعرفه الناس وتعرفه الأمة ويعرفه العالم, ويجب أن نقبل به ونعمل على أساسه، إن مشروع المقاومة هو مشروع واحد وأن حركة المقاومة هي واحدة ومسارها مسار واحد ومصيرها مصير واحد وهدفها هدف واحد وإن تعددت أحزابها وفصائلها وعقائدها وطوائفها ومذاهبها واتجاهاتها الفكرية والسياسية. نحن من هذا الموقع مع هذا الحشد من الشهداء على مدى ثلاثين عاماً نستحضر كل تضحيات المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب من إسلاميين ووطنيين وعروبيين وقوميين وإلى أي اتجاه فكري انتموا، نحن نعتز ونفتخر ونقدر كل الفصائل والأحزاب المقاومة وكل المقاومين والشهداء الذين سبقونا إلى ساحات المقاومة والجهاد والنضال، نستفيد من تجاربهم ونستلهم تضحياتهم ونحفظ لهم مكانتهم في ماضي وحاضر ومستقبل المقاومة. وفي هذا السياق أيضاً أود أن أؤكد من خلال ما ذكرت أن الهوية الحقيقية لشعوب منطقتنا الأصيلة الراسخة الثابتة لمنطقتنا ولامتنا هي هوية المقاومة وإرادة المقاومة وثقافة المقاومة ورفض الذل والاحتلال والهوان أياً كان المحتلون وأياً كان الطغاة وأياً كان الجبابرة، ولذلك وعلى مدى عقود من الزمن تجدون بأن راية المقاومة لا تسقط, تنتقل من مجموعة إلى مجموعة, من فصيل إلى فصيل من حزب إلى حزب من عنوان إلى عنوان ولكن تبقى الأحزاب والفصائل والأطر والعناوين مجرد مظهر خارجي للجوهر الحقيقي لهذه الأمة, جوهر المقاومة ورفض الظلم والطواغيت. قد يتعب بعضنا وقد يقتل بعضنا وقد يخلي بعضنا الساحات، وقد يبدل بعضنا خياره ولكن دائما كان يقيض الله سبحانه وتعالى في هذه الأمة وهذه المنطقة مَن يستلم الراية ويواصل الطريق، ولذلك المقاومات والفصائل تقدم النموذج لتستفيد منها الشعوب والأجيال، ومقاومتنا في لبنان من خلال ما فعلت وأنجزت وأدّت هي أيضاً تحاول أن تقدم النموذج ليتكامل مع بقية النماذج وليكون مثلا يحتذى، ولنا الشرف أن يكون هذا نموذجاً يعمم حتى ولو أدّى تعميم هذا النموذج إلى وضعنا على لوائح الإرهاب لدى دوائر الدول الإرهابية. ما أعظم هذه الكلمات وقائلها، وما أعظم هذا الفهم الذي يدل على وعي قائلها وإدراكه لأهمية دور مَنْ سبقوه وأنهم جزء من الإرادة الإلهية التي شاءت أن يكون وطننا أرض الرباط والجهاد إلى يوم القيامة، وعدم سقوط راية الجهاد في أي مرحلة من مراحل تاريخنا، وأن هذه الكلمات على قلتها وبساطتها تخترق قلوب أبناء الأمة على اختلاف توجهاتهم الفكرية، حتى مَنْ يخشى أن يكرر حزب الله ما حدث في أفغانستان والعراق وتوحدها خلفه على أساس المقاومة والاحترام والتقدير لفضل مَنْ سبقوه. ليقل لي واحد من حملة لواء المقاومة في فلسطين أو المدافعين عنهم؛ الذين يُفترض فيهم أن يكونوا طليعة الأمة وأن يجمعوا أبنائها جميعاً على اختلاف توجهاتهم الفكرية خلفهم على أساس أننا جميعاً شركاء في القضية والمقاومة: مَنْ منهم ارتقي إلى أو دانى هذا الخطاب وهذا الوعي وهذا الفهم لقيمة المقاومات السابقة ولأهمية تواصل الأجيال وتكملة بعضها بعضاً وليس إلى مستواه؟!. توحيد الداخل اللبناني أو ليَقُل لي أحد إن كانت إستراتيجية حزب الله إستراتيجية تحرير وهو لم يبقى للبنان سوى كم مائة متر محتل من أرضه، وأنه يحاول استثمار ذلك الاحتلال من أجل توحيد الداخل اللبناني بمختلف تناقضاته الطائفية والمذهبية والعرقية والفكرية لصالح لبنان وتضحيات أبنائه؛ فيقول: الجميع إنشاء الله يدخل إلى حكومة الوحدة الوطنية ليشارك بشكل فعّال وجاد في حل مشكلات هذا البلد الأساسية وإعادة إحياء لبنان بالمستوى اللائق بتضحيات شبابه ونسائه وأطفاله وشهدائه وأسراه، بروح التضامن والتعاون وليس بروح تصفية الحسابا
ت أو إلغاء الآخر. إنني أعلن مجدداً وأمام ما هو مطروح للنقاش إن همنا وكل همنا هو تحرير بقية أرضنا، ونحن في حزب الله منفتحون على كل نقاش لإستراتيجية تحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وجزء الغجر الذي ما زال تحت الاحتلال. وهمنا كل همنا الدفاع عن بلدنا وأرضنا ومياهنا وسيادة بلدنا وعن شعبنا وكرامته وأمنه. ليقل لي أحد ما هي إستراتيجية وهَم المقاومة في فلسطين منذ خروج العدو اليهودي من غزة نهاية عام 2005؟! أو ماذا فعلت بنا المقاومة في فلسطين في معركة الصراع على الغنائم منذ ذلك التاريخ؟! أو إن كانت بعد أحداث غزة حزيران 2007 ترفعت عن سياسة تصفية الحسابات الحزبية والشخصية، وحاولت تقديم النموذج الذي يوحد الداخل الفلسطيني على قلة تناقضاته أو أنها قدمت نموذج تكريس الانقسام الذي كان نتيجة تسرعها في قطف الثمار التي زهد فيها ولو مؤقتاً حزب الله على الرغم من عِظم الانتصارات التي حققها؟!! حتى بعد دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس أبو مازن، والتي قال عنها رمضان شلح أمين حركة الجهاد الإسلامي بعد لقائه أبو مازن في دمشق أخيراً: أن الرئيس أبو مازن جاد وصادق في دعوته! للأسف لم تحاول حماس استغلال تلك الفرصة في إصلاح ما فسد؛ ومازالت تُعطي لأنصار مخطط ضرب وحصار وشغل المقاومة بالصراع الداخلي الفرصة لتعطيل الحوار ولاستمرار الانقسام وتكريسه! إلى درجة مَنْ كنت أتهمهم في مقالاتي أنهم دعاة فتنة وأعداء للمقاومة والوحدة الوطنية وتكريس الانقسام أصبحوا في كل تصريحاتهم وفي جميع المناسبات دعاة حوار ووحدة؛ إدراكاً منهم بأن العدو اليهودي استفاد ويستغل التناقضات بين رام الله وغزة في تكريس الانقسام، وابتلاع الأرض وتهودي القدس وبناء الجدار…إلخ. حتى رئيس حكومة الطوارئ سلام فياض أدرك ذلك وأصبح داعية حوار ووحدة وحريص على وحدة الوطن وسلامته، وعدم استمرار الانقسام الذي حقق من ورائه العدو اليهودي الكثير من المكاسب، ومستعد لحل الحكومة وتشكيل حكومة (تكنوقراط) لإنجاح الحوار وإنهاء الانقسام. وفي الوقت نفسه عجزت جميع الفصائل المقاومة وغير المقاومة في فلسطين الضغط على الطرفين لإنهاء الانقسام لأنهم شركاء لهم في الوطن والقضية، أو وضع الطرف الذي ترى أنه يعمل جهده لإفشال الحوار أمام مسئولياته الوطنية!