منذ أكثر من سنة تقوم السلطات المصرية بمنع الفلسطينيين من كل أنحاء العالم بدخول أراضيها عائدين إلى وطنهم الأم غزة الجريحة ، ومن المعروف أن غزة المحاصرة للسنة الثانية على التوالي لا يوجد لها أي منفذ على العالم الخارجي إلا الحدود المصرية المغلقة منذ انقلاب حماس الدموي ، واستيلائها على السلطة في غزة وبات الشعب الفلسطيني منقسما متشرذما على الأقل في قسمين منفصلين ( سلطة حماس في غزة ، وسلطة الرئيس محمود عباس في رام الله ) تقف بينهما إسرائيل معززة لهذا الانقسام لإطالة أمده أطول فترة ممكنة ، بل يمكننا القول : إنها تفرض حالة اللا عودة ، بحيث تبقي حماس على ما هي عليه وتبقي رام الله على ما هي عليه .. قد نفهم دوافع إسرائيل من وراء ذلك … لكننا لا نفهم دوافع السلطات المصرية من وراء مشاركتها لإسرائيل في استمرار الحصار بإغلاقها للحدود مع غزة والتي أعلنت أنها لن تسمح باستمرار الحصار وتجويع أهلها ..؟ خاصة أن إسرائيل وأمريكا أعلنتا أن مشكلة الحدود المصرية الغزاوية هي مشكلة مصرية ..؟ الذي يعيش خارج الحصار لا يفهم حجم المعاناة التي يقاسي منها المحاصرين ، ولا نريد أن نتحدث عن عذابات الناس من الفقر والجوع وانعدام الدخل وفقدان كل الأشياء التي تبعث على حركة الناس وتسيير حياتهم والمسألة ليست مرتبطة بالغذاء كما يفهم البعض .. إذ من المعروف أنه ليس بالغذاء يحي الإنسان ، سوف نختصر الحديث بعبارة واحدة هي : أنهم فرضوا علينا حالة من اللا حياة و اللا موت .. وهي أقرب إلى الموت ..!؟ وفقط نعطي مثالا بسيطا هو : بسبب انعدام الوقود أو فقدانه لم تصل مياه الشرب لكثير من السكان ناهيكم عن المشاكل البيئية التي نتجت عن انقطاع الكهرباء والوقود وتوقف مضخات الصرف الصحي عن العمل .. وقد يظن البعض أن الحياة عادت إلى طبيعتها بعد مرور شهر على حالة التهدئة وتخفيف الحصار كما يروج لذلك ، الأمر هنا على الأرض مختلف تماما ولم يدخل غزة شيء من الحاجيات الأساسية سوى المواد الغذائية الفاسدة بدون رقيب أو حسيب ؟! ناهيك عن ارتفاع أسعارها بشكل جنوني .. ما هو مخفي وغير منظور ولا يشعر به الجميع ويقع فيه كل اللوم على الحكومة المصرية والإجراءات الصارمة المفروضة بحق الفلسطينيين خاصة الغزاويين هو فقدان وضياع آلاف الطلبة من الغزاويين الذين يدرسون في الجامعات العربية والعالمية ، ومن بين هؤلاء الآلاف كانوا قد أنهوا تعليمهم في تلك الدول للسنة الثانية على التوالي ومنعوا من العودة إلى وطنهم وأهاليهم ،أو فقدوا التحويلات المالية من ذويهم وعدد غير معروف منهم قد قبل اللجوء إلى دول أجنبية مثل كندا وأمريكا والدول الاسكندينافية ؟ وبات الباقي يتسول قوت يومه مضطهدا في دولنا العربية .؟ هنا في غزة ورام الله لا أحد من المسئولين يتطرق أو يعرف مصير هؤلاء ..؟ ومن المؤكد أن سفراءنا في هذه الدول غير مبالين بالأمر إن لم يمارسوا اضطهادا آخر ضد أبنائنا المشردين .. وصلني معلومات من أبنائنا في دولة عربية أن جماعات من حماس ومناصريها في هذه الدولة يقومون بجمع الأموال والتبرعات بحجة أنها ستستخدم في دعم الأزواج الشابة في غزة التي توقف فيها الزواج بسبب الحصار وانعدام وفقدان لوازم وحاجيات الزواج مثل غرف النوم والمفروشات والملابس وما شابه .. شيء جميل أن نقوم بهذا العمل ، لكن أليس أولى بنا أن نرعى أبناءنا في هذه الدول حتى لا نتركهم لغول الهجرة أو الضياع أو الانحراف ..؟ أم أن هذا الأمر لا يعنيكم ، وما يشغلكم هو تزويج أنفسكم للمرة الثانية والثالثة والرابعة بحجة الحفاظ على زوجات الشهداء والمطلقات ؟! من يعيش في غزة يعرف ذلك بشكل واضح ، وأن حالات الزواج التي تمت مؤخرا في غزة لا تبتعد كثيرا عن عناصر حركة حماس ومناصريها وباقي شبابنا قد عزف عن الزواج وبات يفكر فقط ! في الهجرة والخروج من غزة بلا عودة .. هذا هو ما تريده حماس فقط غزة لها ومن لا يقبل بها فليرحل …! إننا نوجه الدعوة لشعوبنا العربية وكل من يحب فلسطين بأن يساعدوا أبناءنا الذين فقدوا السبيل في العودة لوطنهم ، وأن يقدموا لهم الرعاية والتخفيف عنهم بدلا من تركهم يفكرون بالهجرة بعيدا عن فلسطين ، وإن فلسطين وشعبها يتقدمون ببالغ الشكر والتقدير للدول العربية حكومات وشعوبا لاحتضانهم أبنائهم من الفلسطينيين الذين يتعلمون في معاهدهم وجامعاتهم ، ولن ننسى وقفة الشرفاء معنا وسنبقى حافظين أوفياء لمن قدم لنا يد العون ، وساهم في صمودنا حتى تتحرر فلسطين وأهلها ، كما نتقدم من الحكومة المصرية بأن توفي بوعدها بفك الحصار عن شعبنا وإيجاد الطريقة المناسبة لفتح معبر رفح حتى يتمكن أبناؤنا من العودة ، ونقول لأخوتنا في مصر : إننا لن نستبدل وطننا بأي وطن آخر مهما طال الزمن ؛ لأن شعبنا الذي دفع الغالي والنفيس عبر سنوات النضال الطويلة ولا يزال .. لا يمكنه أن يستبدل ذلك بأي ثمن ، وإن مكثنا بين أهلنا في مصر بعض الوقت فذلك لن يكون إلا مؤقتا …
عــبد الكــريم عليــان
عضو صالون القلم الفلسطيني
[email protected]