كثيراً تنتاب الإنسان مشاعر الإنتماء لهذه الأمة العريقة صانعة المجد والحضارة والتأريخ ، ويجد نفسه مأخوذاً بالغيره عليها تارة والحسرة مما يحدث لها تارة أخري ، فكلما أردت أن أُحدد مجالا أو موضوعاً أو قضية للكتابة عنها ، تقفز عشرات القضايا والأولويات التي تضعك دائماً أمام واقع أليم وحالة مؤلمة من التقوقع في دائرة القطرية المغلقة ، وهمومها وتنحسر أولوياتنا في قطرية مقيته جردتنا من الإنتماء الأكبر للحدود الإنكسارية الإنهزامية التي رسمها لنا الإستعمار منذ أن رسم لنا الحدود المسموح لنا بالتحرك من خلالها سياسياً ، وإنسانياً ، واجتماعياً، وتاريخياً ، ورسخ لدينا مفاهيم جنسية وهوية في إطار مزرعتك الضيقة المسماه وطن صغير أو قطر مغلق بحدود الإلزام من الغير . حتى تلاشت واضمحلت عزائمنا القومية العربية وبدأنا كشهود الزور ننتظر احتضارها وفراقها للحياة .حالة صمت مرعبة نعيش في أتونها بعدما صمتت حناجر الإحياء القومي وتعالت طيور القطرية تطربنا بشغف خصوصيتها.ورغم كل ذلك إلا أن هذا العقل الثائر على مرض العصر ووبائه يتساءل أحياناً ويشطح عما هو مقيد به ومرسوم له من هامش حركة وتفكير ، ويمر بلحظة تمرد ويتساءل سواء بصوت مسموع أو بينه وبين نفسه أين فلسطين يا عرب ؟ وأخري أين لواء الإسكندرونة ؟ وثالثة أين العراق ؟ ورابعة أين لبنان ؟ وخامسة أين السودان ؟ وسادسة أين الصومال ؟ ولكن لم نعد نتذكر أن هناك أين سابعة موجعه تناسينا ألمها ووجعها ، نحاول أو يحاولون أن نشطبها من التأريخ والذاكرة ، يريدون أن نتجاهلها ونتركها لمصيرها ولقيودها الفارسية ، ألا وهي أين الأحواز يا عرب ؟ أم أن ” أين ” أداة الإستفهام لا تنطيق على هذه البقعة العربية الطاهرة والعزيزة من وجدان لم يمت بعد ، ولم تشيخ ذاكرته وتضعف لكي يقفز عنها .أين الأحواز يا عرب ؟!منذ زمن أتساءل أين الأحواز ؟ تساءل لا يستند لجهل بالمعرفة الجغرافية أو السياسية أو لعلاقة مكانية وزمانية ، ولكنه تساءل لإدراك أين الأحواز فينا نحن حملة القلم والثقافة والإعلام أولاً ، وبالحكومات والنظم الرسمية ، وبالجامعة العربية التي تعتبر البيت الحاضن للعرب والشعوب العربية ، أم لم نسمع بعد أن هناك قطعة أحوازية عربية ترزح بشعبها تحت نير القهر والظلم والاضطهاد والملاحقة والاعتقال والإعدام ومصادرة الحريات .إنها خوزستان الإسم الذي أطلقه الفرس عند احتلالهم لتلك البقعه العزيزة التي سكنتها قبائل عربية كقبيلة ربيعة وبنو تعل وبكر ابن وائل وبني حنظلة وبني العم وبني مالك وبني تميم وبنو لخم قبل الإسلام ، حتى سيطر كوروش سنة 529ق.م وشن حملة إبادة ضد العرب ، ومن ثم خضوعها للإسكندر الأكبر ومن بعده السلوقيين حتى عام 310 م حينما اقتنعت الأسرة الساسانية باستحالة إخضاع العرب فسمحت لهم بإنشاء إمارة تتمتع بالاستقلال الذاتي مقابل دفع الضريبة للأسرة الساسانية حتى جاء الفتح الإسلامي ومعركة القادسية وخضعت الأحواز للخلافة .استمرت الأحواز محتفظة باستقلالها فلم تخضع لأي دولة وحكم حتى سنة 1920 م عندما اتفقت بريطانيا مع إيران بإقصاء أمير عربستان وضمها للأخيرة ، وهو ما تحقق عندما منحت بريطانيا عربستان الإمارة العربية الغنية بالنفط بعد إعتقال الأمير خزعل غذراً بمؤامرة أنجلوفارسية ، وعليه خضعت الأحواز للاحتلال الإيراني الذي لا زال حتى اليوم يمارس كل أنواع الظلم والاضطهاد والقمع ضد هذا الشعب العربي دون أن يجرئ أحداً على ذكر هذا الاحتلال وممارساته ضد شعب أعزل يأبي التجرد من تاريخه وعروبته وأصالته .ليس الغريب خضوع الأحواز للاحتلال الإيراني ، وليس الغريب استعباد واضطهاد إيران لهذا الشعب العربي ، ولكن الغريب والعجيب والمثير للدهشة أن العرب أنفسهم بإعلامهم الرسمي والغير رسمي ، وبحكوماتهم ونظمهم السياسية ، وبجامعتهم المتحدثة والحاضنة لهم يتجاهلوا هذه المنطقة العربية ، وهذا الشعب العربي الشقيق الذي يتعرض للإبادة يومياً ، وللقمع هو وحركته الوطنية ، بمحاولة لطمس هويته وأصالته وتاريخه وثقافته ، ورغم ذلك لا زال الشعب الأحوازي متثبت بعروبته وأرضه وثقافته ويواجه مصيره لوحده بإرادة لا تنكسر ، وعنفوان لا يهدأ أو يخبو ، ويخوض مواجهته مع الدولة الإثني عشرية بصمود ومقاومة يقابلها تجاهل وخوف وخشية من المثقفين العرب والساسة والإعلام بكل إنتماءاته من تناول قضية الأحواز وشعبها وعدالة حقوقهم ، وغض النظر عن الإبادة التي يتعرض لها ومحاولة طمس هويته وانتمائه للوطن العربي الأكبر واقتطاعه وبتره من جسدنا الكبير .فأين الأحواز يا عرب ؟!!!
سامي الأخرس
19/7/2008