استياء بالغ خلّفه الفيلم المصري الجديد “طباخ الريّس”، إلى حد صَعُبَ فيه الضحك كما المعتاد على أداء بطله طلعت زكريا. فبعد أن تفاءل متابعو السينما المصرية بصحوة شاملة طالت الأفكار والتصوير والتمثيل كما في “عمارة يعقوبيان” و”حين ميسرة” و”هي فوضى” وغيرها من الأفلام السياسية الأخيرة التي أحدثت ما يشبه انقلابا فنيا برسائلها المسكوت عنها، بعد كل ذلك عاد فيلم “طباخ الريّس” بالمتابعين خطوات إلى الوراء ليس بسطحية الأداء فقط، بحسب متابعين، بل بالصورة المغرقة في الوردية التي حاول إضفاءها على الشخصية السياسية المحورية في الفيلم، والتي أتت هنا شخصية الرئيس المصري.
متابعون رأوا أن السياسة من جديد تسعى إلى تسخير الإعلام ليكون ناطقا باسمها وبالصورة التي تريد إسباغها وإملاءها على المتلقي.
شخصية الرئيس التي قدمها الفنان خالد زكي جاءت مفرطة في المثالية والتمجيد، ما يضع الفيلم في موقف محرج، وهو اتهامه بأنه أصبح مجرد بوق في يد السلطة، وأنه ينفذ أجندة خارجة عن الاشتراطات الجمالية والفنية والإبداعية، نحو أجندة سياسية محكومة بمتطلبات السلطة لحفظ بقائها.
الفيلم كذلك جاء بطروحات ساذجة، قد تسهم في الإساءة إلى صورة الرئيس، وذلك عندما تم تصوير الفساد على أنه يأتي من بطانة الرئيس ووزرائه، فيما هو لا يعلم شيئا عن معاناة شعبه الحقيقية، خصوصا على نطاق المعيشة.
ويوجه الفيلم لوما إلى الشعب الذي يقبل السكوت على الظلم، ويطالبه بإيصال الحقيقة للرئيس شخصيا، ويقترح أن يتم ذلك عبر القنوات الديموقراطية، كالإعلام المرئي والمكتوب، برغم تصوير الفيلم له على أنه “مُلاحَق”.
رسائل مضحكة، وأخرى لا مكان لها في فيلم يُفترض أن يطرح شجنا سياسيا، خصوصا عندما يلوم الرئيس الشعب بخصوص عدم تحديد النسل. وبرغم أهمية هذه النقطة، إلا أن قضايا الشعب وهمومه لا تنحصر فيها.
الفيلم أيضا استعرض قوة جهاز المخابرات الذي يسخّر الوسائل جميعها لإضفاء الصورة التي تريدها بطانة الرئيس على البلاد بحجة الذرائع الأمنية.
كان ذلك في عدة مشاهد منها الاستعانة بـ”كومبارس” مسرحي لأداء شخصية فلاحين يزورهم الرئيس ويتفقد أحوالهم، كذلك في إطلاق مجموعة من الشبان العشاق وشاعر على شاطئ النيل لأن الرئيس يتمنى أن تعود مصر لسابق أيامها عندما كان العشاق يتسامرون على وقع أبيات أحمد شوقي هناك!
أيضا كان ذلك عندما تم ترويج إشاعة مفادها بأن كسوفا سيحل وبأنه سيسبب العمى للناس كي يحتجبوا، برغم أن الرئيس يريد النزول إلى الشارع والالتقاء بشعبه!
كذلك وارب الفيلم كثيرا أمام الحقيقة التي كان لابد من طرحها بقوة وهي ترشيح الرئيس ذاته لمدة فاقت مستحقاته، بل على العكس من ذلك، فقد قدم الطباخ دليل ولائه للرئيس عندما قال له بأنه رشحه ببطاقتين واحدة له والثانية لقريبه المتوفى، وكأن هذا الترشيح حصل مرة واحدة فقط وبوسائل ديموقراطية بحتة!
برغم كل تلك الثغرات الجوهرية، إلا أن بعض مقاطع الحوار في الفيلم كانت قوية وإن تعمدت عدم النقد المباشر للرئيس، ومنها “أنا مش خايف على نفسي أنا خايف على ابني ما يلاقيش مدرسة وما يلاقيش بعدين شغل، وما أقدرش أجوزه البنت اللي بحبها”، و”إحنا مش عايزين أولادنا يكرهوا البلد اللي كلنا حبيناها”.
ولعله كان حريا بمؤلف الفيلم يوسف معاطي أن يكون أكثر حزما وصراحة في وجهة النظر التي استعرضها، بدلا من التحايل على الأطراف كافة بدبلوماسيته المعهودة، كما حدث سابقا في فيلم “السفارة في العمارة”، إذ نفّس عن الشعب همومه موحيا لهم بالنطق بمآسيهم، فيما هو سخّف خطاب المعارضة كله؛ الإسلامي منه واليساري بل وحتى الشعبي، تاركا لهم خيارا واحدا وهو الخطاب الرسمي!