موفق مطر
كان حزب الله محقا عندما حرر الأحياء واستعاد في صفقة التبادل مع حكومة إسرائيل رفات المواطنين اللبنانيين الشهداء ,ولكنا حتى الآن ما زلنا نتساءل عن معنى إخراج رفات مئات الشهداء الفلسطينيين من أرضهم فلسطين , فحتى ولو كانوا في “ قبور الأرقام الاسرائيلية ” , فالشهداء الفلسطينيين كانوا في عمق أرض فلسطين حتى ولو كانت السيادة على وجهها لإسرائيل ,فهل يحق لنا تهجيرهم بعد أن عادوا إلى حيث تنمو الجذور ؟!!
قد تكون حاجة حزب الله لانتصار معنوي بعد انكسار وجهة سلاحه وانحرافها هي دافع تصنيع هذه الدعاية الضخمة لصفقة التبادل , فقد طغت فكرة الحشد والدعاية وعدد جثامين الشهداء ورفاتهم على فكرة الاستشهاد والعودة إلى فلسطين , لقد حرر حزب الله حسب دعاية زعامته , ووفقا لضخ وسائل الإعلام رفات 199 من الشهداء , لكنه حرر بالمقابل سلطات إسرائيل من عبء مساحة 199 قبر , كان كل واحد منها حقيقة قائمة كالبيت الفلسطيني الذي ظل عامرا بأهله وأصحابه ألأصليين في الناصرة والجليل وحيفا وعكا ويافا والرملة وصفد !!.
كان بإمكان قيادة حزب الله الإصرار على شرط تسليم رفات الشهداء الفلسطينيين إلى أهلهم أو ذويهم أو أقاربهم , ولم لا إلى جهة مسئولة في منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية الفلسطينية ليتم تكريمهم وتشييعهم إلى قلب التربة في قراهم ومدنهم التي ولدوا فيها , أو حيث يعيش أهلهم وأحباؤهم على أرض فلسطين ..فنحولهم من أرقام مجردة في معجم إسرائيل, الى أسماء عظيمة وخالدة في قاموس فلسطين وموسوعتها .. لكن حزب الله كما يبدو قد استعجل واهتم لمكسب حزبي . ونسي المنشغلون بإخراج الصفقة إعلاميا أن حكومة إسرائيل قد أنجزت وحققت وعدها بإعادة جثماني الجنديين إلى ذويهما في ” أرض إسرائيل ” بما شغلت الدعاية والمكاسب الحزبية قيادة حزب الله ومسؤوليه فجعلتهم يقبلون بصفقة تهجير رفات وجثامين الشهداء الفلسطينيين من أرض فلسطين !! فهل هذه عدالة ؟!
قد نتفهم المبررات الإنسانية التي سيتم تسويقها , لكنا هنا نتحدث عن رفات شهداء كانوا قد اختاروا وخططوا للنهاية هنا على أرض فلسطين , فهل يحق لنا إن كنا حقا أحياء وأصحاب إرادة كما ندعي أن نحرف بوصلة أرواحهم ونفوسهم وآمالهم وأهدافهم التي رسموها بوعي إرادي نحسدهم على مستواه وسموه ورقيه !… فرحتنا بتحرير إنسان من الأسر هي ” أم الفرح “ فليتنا نملك أكثر من جملة “نحبكم من الأعماق كما أحببتم فلسطين ” نعبر فيها عن فرحتنا بحرية الأشقاء اللبنانيين.
لكن فرحتنا لا تكتمل إلا بالسلام وبتحرير آخر أسير من معتقلات الاحتلال الإسرائيلي .. فهل ترانا سنفرح ونوزع فرحنا بالسلام الدائم على الدنيا بالقناطير ؟! .
كثيرون من ألأحياء في البلد يفكرون بسبل وطرائق الهجرة , فكيف يحق لنا المطالبة بإبقاء رفات الشهداء في مدافنهم المؤقتة حيث أرضهم الطبيعية التاريخية ؟! لقد جسم الشهداء مبدأ العودة الأبدية إلى أرض الوطن , فصاروا جزءا من مكوناتها , وباتت تربة الأرض أغنى من أي زمن مضى . أما الأحياء الساعون للهجرة , فإنهم يرسلون للقادة والزعماء والأمناء والرؤساء من الإخوة والرفاق والإخوان إشارات حمراء نذرها الخطر , فهم عندما يعبرون المعابر مغادرين الى بلاد بعيدة يبحثون فيها عن معاني وطن افتقدوها هنا في البلد !!, إنما يعبّرون بالهجرة عن موقفهم من الانقلابات على القيم الأخلاقية والثقافية والمبادئ والأهداف الإنسانية الوطنية , تورط فيها مستوى قيادي سياسي , وريادي ثقافي وأكاديمي أيضا ,عندما قلبوا النظام إلى عبث وفساد , والأمانة إلى سرقة واستغلال نفوذ , وعندما تحولت أدمغة وركاب مواطنين إلى أهداف , فكل رصاصة خرقت صابونة ركبة شاب من أبناء هذا البلد أو فتحت طاقة في صدره وخرقت قلبه , فتحت اوتوسترادات عريضة وطويلة بلا حدود لتسير عليها فكرة الهجرة بجنون مروع , فتسحق بسرعتها المذهلة مبدأ حق العودة , فلا غرابة أو تعجب من ذلك , فأي بلد في العالم لا سيادة فيه للقانون والعدالة ليس وطنا للإنسان الحضاري الحر. فنحن قد جنينا على أنفسنا عندما قبرنا العدالة والمساواة , واستخرجنا من مقابرنا مومياء المفاهيم البائدة , ومومياء الزعامة والقيادة الخالدة , وألبسناها رداء الإبداع , ووضعنا على رؤوسها تاج التعظيم , وبتنا نهىء للناس أنها زعامات ملهمة ومعصومة , فإذا بخيبات الأمل تهطل كالمطر الحمضي على رؤوس الجمهور , فتتساقط ” أردية الدماغ الفردي والجمعي ” لنكتشف بعد فوات الأوان أن الزعامات مثلنا لا تصيب أحيانا وحسب ..بل خطاءة أكثر منا !! .