” يا هل ترى هل استطيع زيارة مدينة نابلس في زيارتي القادمة لفلسطين” هذا السؤال طرحته عليّ صحفية وكاتبة فلسطينية تقيم في النمسا، فرغم زيارتها للضفة الغربية إلا أنها لم تستطع الوصول لمدينة نابلس بسبب الإغلاقات والحواجز والإجراءات الاحتلالية ضد هذه المدينة، وهذه الرغبة لزيارة مدينة نابلس تأتي لكون هذه المدينة لها رونقها الخاص من بين المدن الفلسطينية بشكل عام ومن بين مدن شمال الضفة الغربية بشكل خاص، فكما يقول الكثيرين كل شيء في هذه المدينة له رونقه وطعمه الخاص، فالتسوق متعته وللتنزه والمأكل والمشرب طعمه خاص، ولمدينتها القديمة ومعالمها الكثير من الجمال والمتعة والتي تدخل زائرها في سراديب التاريخ وزواياه وليس في سراديب هذا الجزء من مدينة نابلس فقط.
ولكن الاحتلال هو الاحتلال حرم هذه المدينة من كل ميزاتها ومن فرحها ومرحها وحولها لجيتو باتت الحياة فيها ليست بالأمر السهل، والوصول إليها بات رحلة من العذاب جعلت الشخص منا يفكر ملياً قبل أن يقرر الدخول لهذه المدينة بهدف التسوق أو الدراسة، وحتى المرضى وكبار السن لم يشفع لهم وضعهم وحالتهم بالوصول لهذه المدينة بسهولة ويسر فكان من منهم من استشهد على هذه الحواجز بسبب عرقلة مرورهم للوصول للمستشفيات ومراكز العلاج بالمدينة، لا بل أكثر من ذلك فهناك العديد من الأطفال من رأوا نور الحياة على هذه الحواجز وباتت المركبات وسيارات الإسعاف غرف ولادة متنقلة في الكثير من الحالات.
وهذه الإجراءات الاحتلالية ضد محافظة نابلس بشكل عام وضد مركزها مدينة نابلس لم تكن مصادفةً ولا عبثية، بل كانت خطوات مدروسة ومبرمجه تتم تحت حجج أمنية، فمحافظة نابلس تأتي في المرتبة الثالثة من بين المحافظات الفلسطينية من حيث عدد السكان فيها، حيث أشارت معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وفق نتائج تعداد 2007 أن عدد سكان المحافظة بلع حوالي (321,493) نسمة، 52.5% من مجمل سكان المحافظة يعيشون في المدينة نابلس ومخيماتها الثلاث المحيطة بها.
في المقابل تعتبر مدينة نابلس ثقل اقتصادي يشكل رافداً قوياً للاقتصاد الوطني الفلسطيني مما يعني تعطيل هذا الرافد ضربة قوية وموجعة للاقتصاد ورأس المال الفلسطيني بشكل عام، فعدد المنشآت في محافظة نابلس بلغ وفق نتائج تعداد 2007 حوالي (17,167) منشأة تشغل ما مجموعة (38,727) عاملاًً، وهي تأتي في المرتبة الثالثة من حيث عدد المنشآت من بين المحافظات الفلسطينية بعد محافظتي الخليل وغزة، والميزة التي تحظى بها منشآت مدينة نابلس أنها من المنشآت الاقتصادية الضخمة التي تشكل وزناً لا يستهان بها في الاقتصاد الفلسطيني، هذا ناهيك عن المؤسسات التعليمة والصحية الموجودة في مدينة،وأشارت المعطيات الإحصائية إلا أن في محافظة نابلس (2630) منشأة غير عاملة من بين العدد الكلي للمنشآت المشار إليه في هذه المحافظة، وفي هذا الباب تحتل مدينة نابلس المرتبة الأولى مما يعني أن الإحراءات الإسرائيلية والإغلاقات على هذه المدينة والقرى والمخيمات المحيطة فيها كان الأثر الكبير في تعطل هذا العدد من المنشآت الاقتصادية في محافظة نابلس.
ولم يكن المركز الاقتصادي لمحافظة نابلس الهدف الوحيد للاحتلال وإجراءاته بل كان الإنسان الفلسطيني في هذه المحافظة هدف للاحتلال وإجراءاته في هذه المحافظة أسوةً ببقية المحافظات الفلسطينية، فاحتلت محافظة نابلس المرتبة الثالثة من حيث عدد الشهداء الذين سقطوا فيها خلال الانتفاضة الثانية حيث بلغ عدد الشهداء حتى منصف حزيران 2008 وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حول انتفاضة الأقصى أن عدد الشهداء بلغ (592) شهيداً كان من بينهم (112) شهيداً من الأطفال أعمارهم أقل من 18 عام، و(82) من الشهداء كانوا من الإناث.
وكما البشر كان للحجر نصيب لا بأس به من إجراءات الاحتلالية والدمار الذي يزرعه بممتلكات الشعب الفلسطيني العامة والخاصة، فخلال انتفاضة الأقصى بلغ حجم المباني التي تضررت في محافظة نابلس بفعل سياسة الاحتلال التخريبية وفق لنفس المصدر السابق حتى 30 نيسان 2007 كانت (9951) مبنى، منها (9000) مبنى كان فيها ضرر جزئي، و(894) مبنى كانت عبارة عن ضرر وهدم كامل، وللمباني العامة ومباني المؤسسة الأمنية كان أيضاً نصيب من إجراءات الاحتلال هذه، فبلغ عدد المباني العامة (34) مبنى مقابل ( 23) مبنى منشأة أمنية قد تضررت، مما يشير إلى الاستهداف الشامل لمحافظة نابلس كان خطة مبرمجة من قبل الاحتلال، وكل ذلك كان يتم تحت مزاعم حفظ الأمن والنظام.
ولم يتوقف الاستهداف الإسرائيلي لهذه المحافظة في فترة انتفاضة الأقصى فقط مما يضعف حجته الأمنية في هذا المجال، بل استمرت الهجمة الإسرائيلية دون توقف، فالحواجز الاحتلالية لا زالت تطوق المد
ينة ومخيماتها، وتفصل بينها وبيت القرى والمدن المحيطة بها، فلا يمكن للزائر لمدينة نابلس وقراها أن يصل لمبتغاه دون المرور على عدة حواجز حتى باتت هذه الحواجز أداة لقياس الزمن والمسافات في هذه المحافظة، وباتت المدينة مشهورة بحواجزها لا بمعالمها، فما أن تسقط على مسامعك أسم مدينة نابلس إلا وتستذكر رحلات العذاب والذل على حواجز حواره، وبيت إيبا وحاجز الباذان وبيت فوريك هذا إلى جانب العشرات من السدات الترابية والمكعبات الإسمنتية التي تغلق العديد من المفارق والطرقات.
ينة ومخيماتها، وتفصل بينها وبيت القرى والمدن المحيطة بها، فلا يمكن للزائر لمدينة نابلس وقراها أن يصل لمبتغاه دون المرور على عدة حواجز حتى باتت هذه الحواجز أداة لقياس الزمن والمسافات في هذه المحافظة، وباتت المدينة مشهورة بحواجزها لا بمعالمها، فما أن تسقط على مسامعك أسم مدينة نابلس إلا وتستذكر رحلات العذاب والذل على حواجز حواره، وبيت إيبا وحاجز الباذان وبيت فوريك هذا إلى جانب العشرات من السدات الترابية والمكعبات الإسمنتية التي تغلق العديد من المفارق والطرقات.
وعلى الرغم من أن انتفاضة الأقصى وقد وضعت أوزارها، ومدينة نابلس بات يسودها الأمن والهدوء، وغاب عنها الفلتان والفوضى ، ومعظم الكتائب المسلحة توصلت لتفاهمات مع السلطة الوطنية الفلسطينية وسلمت أسلحتها إلا أن الاحتلال لم يتوقف في أجراءته ضد هذه المحافظة وضد مركز مدينتها نابلس، فشهدت الأيام الأخيرة غارات ليلية مستمرة استهدفت العديد من المؤسسات الصحية والتعليمية والتجارية وصادر ممتلكاتها وأصدر أوامر بإغلاقها،، ولن يكون اقتحام بلدية نابلس آخر هذه الغارات الاحتلالية، والهدف ألاحتلالي المُعلن “تحطيم البنية التحتية للإرهاب” على حد زعمهم، فأين دور مستوصف التضامن ومدرسة الإناث الإسلامية من موضوع الإرهاب؟، وما علاقة مركز تجاري ضخم يبع الألبسة والمأكولات والمشروبات بالبنية التحتية للإرهاب؟، فهل بات طالب العلم في مدرسته، والطبيب في عيادته، والتاجر بمتجره تمثل نشاطات إرهابية؟.
والغريب في الأمر أن هذه الإجراءات تتم في ظل صمت دولي وعربي مطبق وعجز فلسطيني رسمي كامل وخمول شعبي لم يسبق له مثيل، فالاحتلال يهدف بالدرجة الأولى لتدمير الإنسان الفلسطيني ومؤسساته الاقتصادية والتعليمة والصحية ولكل ما يمت لمعالم الحياة بصلة، وفي نفس الوقت يسعى لتدمير هيبة السلطة أو ما تبقى منها إن تبقى منها فعلاً سيء على أرض الواقع، وباستثناء بعض بيانات الشجب والاستنكار وإن هذه الإجراءات تعرقل عملية لم نرى بعد خطوات عملية، وصمت السلطة بهذا الشكل يعطي انطباع سلبي عنها وعن أدائها تجاه المواطنين ومؤسساتهم، هذا إن لم يضعها جزء من الرأي العام في خانة الاتهام إن لم تكن هناك خطوات عملية على الأرض.
فما قيمة كل مؤتمرات الاستثمار والمشاريع التطويرية إن كانت موجودة في مهب الريح وتحت رحمة الاحتلال، فالوصفة الاحتلالية السحرية موجودة وجاهزة مصادرات واغلاقات بحجة مكافحة الإرهاب، فمن من المستثمرين أو أصحاب رؤوس الأموال مستعد لهذه الدرجة من المخاطرة بأمواله لكي يضعها تحت رحمة قوات الاحتلال الإسرائيلي وسياسة أولمرت التدميرية لعملية السلام المزعومة.
فعلى المستوى الرسمي الفلسطيني أن يقف ملياً ويفكر بالواقع الفلسطيني برمته وليس بما يجري في مدينة نابلس فقط، فما يجري في هذه المدينة هو جزء من سياسية عامة للاحتلال، وقبل أن يتحدث سياسي السلطة عن مشاريع الاستثمار عليهم العمل باتجاه توفير الأجواء المناسبة لذلك، فإن لم يكن المطلب الأول للسلطة قبل الحديث عن السلام عودة الأمور لما قبل 28/09/2000 ووقف سياسية الاستيطان والجدران ستبقى السلطة بلا هيبة وبلا سلطة فعلية على الأرض، لا بل ستكون في زاوية الاتهام أيضاً، وبهذا الشكل الذي تسير فيه الأمور ستبقى نابلس مدينة يتيمة لا تجد من يدافع عنها.
وإن كان المستوى الرسمي عاجز لهذا الحد على أبناء المدينة ومخيماتها والقرى المحيطة بهم الدفاع عن المدينة بانتفاضة شعبية جديدة تعيد للأذهان مدينة نابلس وعنفوانها في الانتفاضة الأولى، وهذا النمط يجب أن يكون في كل مدينة وقرية فلسطينية في ظل استمرار المهزلة المسماة عملية سلام، وازدياد حدة الهجمة الاحتلالية في مجال الاستيطان ومصادرة الأراضي والاعتقالات وجرائم القتل، فعلى أبناء محافظة نابلس إخراج مدينتهم من اليتم الذي تعيش قبل أن يجدوا أنفسهم أيتام بلا هذه المدينة ومخيماتها وقراها.