من تحت ركام المنزل الذي فجره “شارون في رفح” ، ومن بين سموم المحركات التي تعمل بزيت القلي “السيرج” ، من خلف الأسلاك الشائكة المكهربة لمعبر رفح، و من بين زُرقة انياب تجار الأنفاق و مهربي الوطن . اخترق الصحفي الشاب ” محمد عمر المغير” الحصار و الإنقلاب، من معسكر رفح جابت قصصة الصحفية العالم كــــــ “أريد أن أعيش” التي جسد لنا فيها كيف قتل المنع الصهيوني، لحق العلاج و السرطان الشاب محمد ابو طه. و قصة ”أولمرت: أريد أبي” التي صورت حال الفتاة جمانة أبو جزر ذات السبع سنوات من رفح، و التي فقدت امها و هدم الصهاينة بيتها و اعتقلوا والدها. قصته عن حياة الصيادين الفلسطينيين في غزة “خرج للصيد” التقطت حياة الصياد في قطاع غزة، الذي لا يعرف هل سيصطادة رصاص الصهاينة ام سينجو كمعتقل، هل سيحالفة الحظ ببعض السمك و العودة لدفء اسرته، هو يركب البحر رغم كل ذلك و لا يستكين. ظهرت مقالات وقصص محمد الصحفية في الكثير من الصحف و المجلات الأمريكية و الغربية الهامة، و ترجمت للعديد من اللغات العالمية. فاز الصحفي الشاب” محمد عمر المغير” بالعديد من الجوائز الدولية لتميزة كصحفي، و تسلل أنسانيته الي قلوب من أستمع اليه و عقول من طالع سطوره. من ما ناله جائزة ”New America Media’s Best Youth Voice Award”.، فاز العام الماضي بجائزة “Ethnic Media Award” في الولايات المتحدة لأفضل قصة صحفية عالمية عن قصته “شارون…لماذا هدمت منزلي”. قبل بضعة ايام حاز علي جائزة ”مارثا غيلهورن” الرفيعة للصحافة الفذة ’The Martha Gelhlorn Prize‘، فالراحلة “مارثا ” كانت من اهم ،ان لم تكن اهم صحفي القرن العشرين ذوي البعد الملامس لقضايا و عذبات المطحونين. في تعريف الجائزة و من يحصل عليها “…تُمنح للصحفيين الذين يخترقون بأعمالهم أسوار الإعلام السائد، و يضحضون البربُغندا بكشفهم الحقائق المرة’ truth unpalatable ‘مدعمة بالوقائع القوية التي تُعري أكاذيب و دعاية المؤسسة الرسمية ‘ Establishment Propaganda’ …”ومن الفائزين بهذه الجائزة كُتاب أمثال الرائع ” روبرت فسك Robert Fisk” لعام 2002 .الأن جاورة إبن رفح ليضعنا علي خريطة الأعلاميين العالميين ذو القدرات المتميزة. أوصل تفاصيل حياتنا البائسة للعالم و ساهم في فضح عنصرية وظلم و فظاعة الممارسات الأجراميه الإسرائيلية . ”لست سعيداً بالفوز بالجائزة بقدر ما أنا سعيد أن يضع صحفي فلسطيني اسمه بجانب عمالقة الصحافة العالمية من أمثال روبرت فيسك في إحدى أهم الجوائز العالمية،” هكذا عبر الصحفي الفلسطيني محمد عمر المغيَر عن مشاعر الغبطة بفوزه. قال فيه المفكر الاميركي التقدمي الشهير صديق الراحل الكبير أدوارد سعيد ” نوام تشومسكي” امام لجنة التحكيم: “إن قصص محمد عمر (المغير) من غزة مُدهشة جداً في طريقة تناولها للحدث وعمقها، حتى في وجودها مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي عمل بها. انها حقاً انجاز يُشار له بالبنان لشخص متميز جداً وذي مهارة عالية ملتزم بأعلى القيم. أنا أتمنى أن يعطى الفرصة ليستمر في عمله إلى الأمام”. اما جون بلجر وهو من اهم الأعلاميين الجسورين في العالم قال فيه : “صدقاً لقد أصبح صوت من لا صوت لهم، ونتاجاته من نفس السجن المفتوح الذي يعيش هو فيه بمثابة تسجيل إنساني لواقع اللا عدالة التي ُفرضت على مجتمع نسيه معظم العالم”.عاد محمد عمر محققاَ انجازة الأعلامي الذي تجاهلته اقلام الكتبه العرب في فلسطين المحتلة و خارجها! لكن فور وصوله لجسر الكرامة الرابط الضفة الشرقية بالوطن المستباح، تلقفته ” الشين بيت” و اعرته جُل إهتمامها و ابرحته ضربا و امعنت في إهانته و إذلاله. عندما تلقفته سيارة الأسعاف قالت آلة البروبغندا الأسرئيلية انه وقع ارضا، و قامت” الشين بيت” بنقله لمستشفي اريحا الذي عالج كسور صدرة و عدم قدرتة علي التنفس و الصعوبة التي يجدها في بلع اي شيء، و الألم الشديد المستمرفي الخصية و ,,,,, و ,,,,, و. حُول الي المستشفي الأوروبي بخانيوس بعد تلقيه العلاج باريحا و مكث ايام بخانيونس قبل ان يرسل للبيت، ليستريح و يُحضر لعملية جراحية بالمشفي الأوروبي.تواصل معي العديد من الشخصيات و الصحفيين الأوروبين و الأمريكان لمتابعة وضع محمد عمر، بعضهم عرفه عن قرب و احبه و الجميع يقدره و يحترمه. أهتم برلمانيون اوروبيين و وزارة الخارجية الهولندية علي وجه الخصوص بشخص وزيرها قد ابدت جُل الأهتمام، مما وتًر اللغة الدبلوماسية بين “اسرائيل” و هولندا . توافد ممثلي المنظمات الدولية علي محمد بالمشفى الأوروبي لمتابعة حالته عن قرب، اضحت قصة محمد محط أنظار شخصيات و هيئات و منظمات عالمية سياسية اعلامية و انسانية. جميل ان نتمكن من فضح الممارسات الصهيونية،و نكسب هذا الدعم و الأسناد الدوليين لمحمد، و لكن….هاتفني من واشنطن صحفي أمريكي و كان غاضباَ جداَ، قال لي: ” طلبنا التقرير الطبي من مستشفي اريحا حول حالة محمد عمر بعد علاجهم له و قبل تحويله للمشفى الأوروبي بخانيونس. في اريحا انهم يقولون لنا التقرير الطبي مفقود !!! ما هذا يا صديقي علاجه الأولي تم في أريحا، لو الأسرئيلين قالوا لنا ذلك كنا لنستوعب، و لكن مشفى اريحا يا للهول …” هنا تمكن مني شعور بالحرج الشديد ، وقلت: ” ممكن سوء ادارة و سنتابع و نحصل علي التقرير”ـ ،،،، واصل حديثه قائلاَ :” الصليب الأحمر يُطالب مستشفي اريحا بالتقرير و يجيبونه بانه مفقود…. هناك افراد في هيئاتكم الصحية تحمى اسرائيل” قلت: لا، فقطع جوابي واضا
ف :” من المفروض الدكتور ابو شهلة – مدير المشفى الأوروبي بخانيونس ان يجري عمليه جراحية دقيقة لمحمد عمر بعد غد، لكن الدكتور ابو شهلة غادر من رام الله الي اليونان، فسر لي ذلك يا دكتور شعث! نحن نساندكم و نفتح الأبواب الموصدة و لديكم اشخاص تعرقل حصولنا علي التقرير الطبي من اريحا و هذا يخدم من؟ و هل رحله مديرالمشفى الأوروبي لليونان اهم من اجراء عملية لمحمد، ما بكم ، و ما تريدون؟” كنت اسير علي قدمي بشارع مزدحم جدا و انا اُحدثه و بعد انتهاء المحادثة، لم اقوى علي الحراك و تصبب العرق مني بغزارة و شعرت بخزي شديد، وقهر يطبق علي انفاسي، لقداعتذرت منه ووعدته بمتابعة القضية و العودة له فور اصلاح الخلل. ضغطت علي كل أزرار هاتفي الجوال ليصلني بغزة، شبكة غزة الجوالة في عداد الأموات، هاتفت مكاتب اتصال اكدو لي ذلك، هاتفت رام الله و لم يهتم السامع بذكر غزة. تهاويت علي طابعة كمبيوتر أُطير رسائل الكترونية، عسى ان نحفظ ماء الوجه الذي سُكب في اريحا. منا من لا يُدرك اهمية و حجم هذة الجزئية في معركتنا المُعولمة لكسب مواقع جديدة او استعادتها بعد خسارتها في الغـرب! البعض لا يستوعب اننا فتحنا ابواب كانت موصدة بوجهنا في العالم و امريكا بالذات، و جهله و انحسار حسه الوطني و تضخم كرشه يوصدها من جديد في وجه شعبنا المعذب، مقابل ماذا و لمصلحة من؟ هنا اطالب السيد الرئيس شخصيا بمحاسبة الأطراف المهملة و المتسيبة و انزال عقاب” المعتدي علي المصالح الوطنية العليا” بحقهم. فلسطينيا هذه النقلة لجيل شاب مبدع، يُدين بعض الكُتاب و الصحفيين الذين استخدموا قلمهم لتضخيم حساباتهم البنكيه، دون اعارة اي اهتمام للوطن او المواطن .كان و لازال لدينا كتاب يسلون قلمهم علي رقاب صناع القرار، ليس حرصا علي نقدهم البناء ، لا، بل لكي يتم ابتزازهم طمعا في الأمتيازات و الوظائف و المناصب. فالوطن هو صراف آلي يضعوا في جوفه مقالاتهم كبطاقات إئتمان، و يسحبوا من رصيد احزانه ما يزيدهم تكرشا و يطوف بهم شوارع لندن وباريس “خدمة” للجماهير المحاصرة..! هناك يحطون و يبحثون عما يبتغون من التفهات و الضياع يسددون ثمنها بأموال ابتـُزت بأقلامهم و السنتهم الحادة المتشعبة و المغروزة في قلب وجع الوطن. جيل الصحفي محمد عمر المغير هو مستقبل الكلمة في فلسطين ، فلنحمي المستقبل.
* مفكـــــر عـربي.