سألنى محاورى كالمعتاد لماذالم ترشح سفيرا أو وزيرا ؟قلت له لأننى لا أملك المؤهلات الكافية لتولى هذه المناصب الساميه . قال بإستغراب ودهشه كيف ذلك وأنت أستاذا للعلوم السياسية ولك مؤلفاتك فى الدبلوماسية والسياسة الخارجية وخرجت عددا من الدبلوماسيين ، ،قلت له هذا أيضا لا يكفى ولا تشفع لك كل هذه المؤهلات ، فالمؤهلات المطلوبة لا علاقة لها بالمؤهلات ألأكاديميه فهناك العديد من أساتذة العلوم السياسية الفلسطينيين المرموقين فى جامعاتنا وفى الخارج ، وهناك مؤهلات أخرى ضرورية ومطلوبه حتى ولو لم تكن تحمل شهادات علمية ، قال لى أنت تبالغ ، وكثيرا ما يستعان بأصحاب المؤهلات ، قلت له هذا صحيح كم نسبتهم وما هى معايير إختيارهم ؟ عاد وسألنى وما هى المؤهلات المطلوبة ؟ أول هذه المؤهلات أن يكون ولاؤك لشخص أو أحد المتنفذين القريبين من الرئيس وليس ولاؤك للوطن ، وثانى هذه المؤهلات أن يكون ولاؤك للتنظيم وأن تقسم يمين الطاعة والولاء ، وثالثها أن تخضع قلمك وفكرك لأهواء حزبية وشخصيه ، وقاطعنى محاورى واضاف مؤهلاء آخر ، وهو إن لم تكن من رجالات الثورة القدامى ، فعلى أقل تقدير ان تكون إبنا لأحد هؤلاء المناضلين حتى تضمن لك منصبا دائما تورثه من بعدك لأبنائك .
وقاطعنى محاورى ، وكيف لك الدخول إلى هذه الدائرة ،قلت له إما بالمصاهرة والزواج ، أو بالولاء الشخصى ، أو الكف عن كل معارضه ، أو أن تكون معارضا من أجل المنصب فقط .
قال لى هل وضحت ماذا تقصد بمعارضة المنصب ؟ قلت له للمعارضه أشكال متعدده ، معارضه من أجل الحكم ، ومعارضه من أجل الوطن ، ومعارضه من أجل قضيه ، ومعارضه من اجل منصب ، ولذلك من المعارضه من يذهب إلى سجون السلطة أو سجون الحرية وألإستقلال ، ومنهم من يذهب إلى منصب ونفوذ وسلطة .
عاد محاورى وسالنى ، معنى ذلك أن ألأخرين لا نصيب لهم فى مثل هذه الوظائف ,أجبته فى ظل ما يسمى أو يعرف بنظام المحاصصه أو توزيع المغانم السياسية على أساس حزبىوتنظيمى ، لا يتبقى للمواطن العادى إلا ان ينتظر طويلا ،
قال لى : أنت تبالغ فيما تقول وتتحامل فى تقييمك ، قاطعته أنا أعمل فى أرقى و اعلى الوظائف الدنيوية كأستاذ أكاديمى ومفكرا وباحثا ، وهذه وظيفة العقل ، وكما تعلم أرقى الوظائف أن تعمل عقلك فى البحث عن الحقيقة ، أما الوظائف ألأخرى فانت مضطر فى أحيان كثيره ان تعطل عقلك من أجل إرضاء ألآخرين ، فتضيع الحقيقة ، وتصدر القرارات من مصالح خاصه ، وليس من مصالح عامه .
عاد محاورى ليسألنى من جديد ، وكيف نبنى جهازا ديبلوماسيا ومدنيا مهنيا وعلى درجة من الكفاءة وقادرا على إستقطاب العقول الفلسطينية بدلا من أن تبحث عن الهجرة .
قلت له المسألة ببساطه ودون تعقيد أن نقيم جهازنا الدبلوماسى والمدنى والأمنى على أسس من المواطنه الحقيقية والشراكة الفعلية ، وعلى أساس إستقطاب الكفاءات والعقول الفلسطينية فى الداخل والخارج وهى كثيره ، وبدلا من أن يهيم الشباب الجامعى على وجه المعمورة بحثا عن وظيفة أو عمل ، بخلق الفرص المتساوية على أرضه ووطنه ، فنحن ما زلنا فى مرحلة البناء والتأسيس للدولة والمجتمع وإذا لم يكن هؤلاء الشباب أحد ركائز ووقود عملية البناء هذه ، فسوف تبنى الدولة على عناصر ضعف وليس عناصر قوة ، وعملية البناء والتنمية تحتاج دائما إلى أسس وركائز قوية ، وهذه القوة تكمن فى عنصر الشباب والكفاءات العلمية التى تعمل فى العديد من الجامعات ومراكز البحث فى العالم .
عاد محاورى ليسأل من جديد :وكيف تتم التعيينات فى هذه الوظائف العليا ؟ وهل تخضع لمعايير موضوعيه ؟ وهل لدينا مؤسسه أو جهازا ديبلوماسيا محترفا ومهنيا ؟ وهل تخضع أو قد خضعت التعيينات الدبلوماسية القائمه إلى نظام المسابقه العامه التى تتاح فيه فرصة متكافئه للعقول والخبرات الفلسطينية المتخصصه للعمل فى السلك الدبلوماسى ؟ وهل لدينا معهدا للدراسات الدبلوماسية يعد ويؤهل الدبلوماسى الفلسطينى المتخصص كما هو الحال فى العديد من الدول الأخرى ؟ أم أن المسألة تتطلب ببساطه أن تذهب إلى من عنده القرار والنفوذ وتبدى مجرد رغبتك أن تصبح سفيرا لأنك لم تعد قادرا على العيش فى الوطن ، وهذا ما يحدث وحدث فعلا ضابط عسكرى متقاعد ، أو وزير سابق ، أو مستشار ، أو معارض لاهث على وظيفة ، أو احد أبناء العائلات الكبيرة ، أو أن تكون أحد أبناء المناضلين ، فالنضال له ثمن . هذه هى المعايير والضوابط التى حكمت وتحكم سلوك التعيينات فى سفاراتنا ووزاراتنا .
وعاد محاورى ليسأل ثانية : ولماذا لم ننجح فى إعداد جيل من الدبلوماسيين المتمرسين ؟ ولماذا لم تتاح فكرة التداول والإحلال فى السلك الدبلوماسى ؟ قلت له هذا صحيح إلى حد بعيد ، فالسفير عندنا يبقى سفيرا حتى يصبح عميدا للسلك الدبلوماسى ، وحتى إنتهت خدمته يبحث عن وظيفة مستشار أو أن يبقى حتى بعد سن التقاعد ، فهذه كفاءات لا تكل ولا تتعب وتحتمى بشرعية النضال ، وهذا أحد أسباب تجمد السلك البلوماسى الفلسطينى ، فهو ليس أحسن حالا من بقية المؤسسات والوزارات ألأخرى .
عاد محاورى ليسأل لكن هذه المرة سؤلا موضوعيا ، وهل سمعت عن نشاط السفراء والسفارات فى الخارج ؟ قلت له وبموضوعية لدينا سفراء على درجة عاليه من الكفا
ءه والتخاطب والتواصل مع المجتمعات المعتمدون لديها ، لكن كظاهرة عامه لا يوجد نشاط فعلى وملموس للعديد من هؤلاء السفراء ، لأن ما يعنيهم فقط كيف ينتقلون إلى سفارات ودول مهمه ، وهنا يطغى الولاء الشخصى على أى نشاط . قلت له لعل أحد أهم المؤهلات التى نحتاجها فى السفير أن يدرك أنه ليس ديبلوماسيا إلا فى معنى الوظيفة فقط ، لكنه فى الحقيقة هو مناضل بالعقل ينقل قضيته إلى أصغر بيت فى البلد التى يعمل فيها ، وهذا يحتاج إلى لغة وثقافة وتاريخ وإلمام بعلوم العصر ولغته .
ءه والتخاطب والتواصل مع المجتمعات المعتمدون لديها ، لكن كظاهرة عامه لا يوجد نشاط فعلى وملموس للعديد من هؤلاء السفراء ، لأن ما يعنيهم فقط كيف ينتقلون إلى سفارات ودول مهمه ، وهنا يطغى الولاء الشخصى على أى نشاط . قلت له لعل أحد أهم المؤهلات التى نحتاجها فى السفير أن يدرك أنه ليس ديبلوماسيا إلا فى معنى الوظيفة فقط ، لكنه فى الحقيقة هو مناضل بالعقل ينقل قضيته إلى أصغر بيت فى البلد التى يعمل فيها ، وهذا يحتاج إلى لغة وثقافة وتاريخ وإلمام بعلوم العصر ولغته .
,اخيرا ، إذا كنا نريد دولة فى الواقع ، فالدول لا تؤسس على الوعود والأمنيات ، بقدر ما تؤسس على عقول أبنائها ، ونحن لدينا عقول مهاجره كثيره ، وعقول فى الداخل ، لكن المهم كيف نوفر لها البيئة الحاضنه ، وليس النافره ، وذلك بتأسيس المؤسسات والوزارات والأجهزة الوطنية المهنية ، وهذا ما فشلنا فيه حتى ألأن ما نحتاجه دولة ووطن مؤسسات وليس أشخاص ، فالنضال والتحرير لا يكون فقط عبر المقاومة المسلحة ، ولكن عبر عملية بناء وتنمية حضارية وديموقراطيه ،وببناء الركائز والأسس ألإقتصادية وألأمنية والسياسية المهنية والوطنية ، فالدول لا تبنى عبر عملية بناء مؤسسات حزبية ، بل عبر بناء مؤسسات وطنية ، تدعمها قاعده من المؤسسات المجتمعية التى تملء الفضاء ما بين السطة والفرد وتوفر ألأساس للحرية والمساواه بين الجميع على أساس من المواطنه وليس ألإنتماء الحزبى . والبداية بالإجابة على السؤال كيف نحافظ ونوفر للعقل الفلسطينى بيئة آمنه ومنتجه ومبدعه ؟ ولنا فيمن حولنا مثالا حتى لوكانت إسرائيل .
دكتور ناجى صادق شراب /استاذ العلوم السياسية /غزه