يبدو أن أمريكا تختصر وجودها بسهولة وتعمل على طمر هيمنتها بإتقان ، فهي لم تعد قادرة على احتمال ذاتها كما يبدو ،كما لو أنها تمارس عملية انتحارية تستطرد عملاقة العالم في إثارة الكراهية ضدها ،لتتلاشى رويدا رويدا، كشمس باهتة أوشكت نهائيا باتجاه المغيب.فهي أيضا لم تعد قادرة على ضبط نشوتها المتصاعدة يوما بعد يوم، فهستيريا القوة الضاربة جعلها كقاتلة تنتحر ذاتيا في نظر البعض ، بينما يصفها غالبية العرب بأنها عاشقة الدم وسافحة كرامة الشعوب العربية، فليس ثمة شي يشغلها سوى حفر ما يواري وجودها ،إنها في قمة اكتمالها ،غير أنها فقدت مع هذا الكمال رشدها، فأضحت حضارة بلا عقل يقودها نحو ما يجعلها بمأمن من هذا الفناء الحتمي الوشيك.يقول أحد المواطنين العرب ذات حديث معه حول مطالبتها القبض على الرئيس السوداني عمر البشير”يبدو أن أمريكا طغت، لم نؤيد يوما كعرب ومسلمون من هتكوا عزتها وفجروا أبراجها ،لأننا كنا نعد ذلك إرهابا ،واعتبرنا أنه كذلك، غير أنها اتخذت من ذلك الإرهاب إرهابا تفتك من خلاله بمن شاءت وتحتل شعوبنا ،وتعيق باسمه إمكانية نهوضنا وتقدمنا، كما أنها شرعنت للموت ألف شريعة جديدة “.ويضيف ” العراق ما زال داميا حين جاءت تحرره كما تزعم من زعيم مستبد هي من أوجدته يوما مسمار جحا ،ثم مارست عبثها التدميري في العراق فأحيت ألغام القوميات والطوائف والعشائر ،وعبر ذلك المسمار الذي أوجدته أوجدت ألف سبب للموت والحرب والدمار”.هكذا إذا ترسم أميركا صورتها في أذهان العرب ،إنها كما يقولون هي من أوجدت هؤلاء الزعماء المستبدين ، وحين بدءوا بالاستعصاء عليها ، أو رأت أن عمرهم الافتراضي أوشك على النفاد جاءت لتحتل أوطانهم تحت دعوى تحرير الشعوب منهم ، إلى حد كبير صار هذا الاعتقاد سائدا في الذهنية العربية فأميركا ليست سوى دولة شريرة حكمت العالم واحتلته عبر تزييفها لوعي الشعوب عبر تلك الزعامات ، وكذلك خلق قيادات وأنظمة سياسية عميلة لها و لها عمر افتراضي جعلت منها سببا لاحتلال أوطانهم.أمريكا خلقت أعداءها ، كي تستعبد العالم عاثت بأرض الأفغان فكان مسمارها الذي صنعته سببا لذلك ؛ اسمه ابن لادن ،فاحتلت باسم مطاردته وسجنت وقتلت ودمرت وارتكبت عهرها الدموي المتوحش، في كل مكان ، ثم بعد أن استنفدت أغراضها قالت أنها لم تجد هذا المسمار الذي أخذته لترميه في القش العربي المتهالك ،لتطارده في كل دهليز وزقاق عربي شاحب ، وحيثما ظنت أنه مر كانت تمر قنابلها وقاصفاتها معربدة بزؤم الموت والدمار، طعامنا قنابل ،وهواؤنا بارود ، وشرابنا في بغداد والبصرة وغزة وبيروت قنابل، كعكنا المعتاد الذي تسديه إلينا عاهرة العالم من طبخ يديها ؛طائرات أباتشي وراجمات “باتريوت” وعابرات القارات.عظام العرب معجونة بدمائهم ،أرواحهم مزهوقة ،وأحلام أطفالهم مسفوكة على قارعة الحرية الكاذبة ،والاستعباد المذل، كل ذلك لأن أميركا تمارس تحريرهم المزعوم من مساميرها”الزعماء العرب” الذين حكموا شعوبهم بالسوط والسجن والقهر.يعد البشير في رأي الكثير من العرب أفضل زعيم ،إنه كما يطلقون عليه “أفضل السيئ ” لأنه لم يكن يوما للإدارة الأمريكية سمسارا أو عميلا رغم عيوبه ،ولذلك فهي حسب اعتقادهم من تغذي الحرب في جنوب السودان ودارفور ،وتطالب باعتقاله لأنه لم يعتقل شعبه ،ولم يمارس ما يشبه عبثها في العراق وسجن جوانتنامو وأبو غريب وفيتنام والعراق وأفغانستان واليابان ،وكان الأولى بأمريكا كما يرى العرب أن تطالب باعتقال بوش وشارون وأولمرت- مجرموها الكبار -الذين خضبوا وجه الإنسانية بالدم وزرعوا في كل قلب مأساة واخزة، كما كان من الأولى لها أن تصلب ذاتها كي تكفر عن خطاياها المبثوثة في أرجاء الأرض ،لكن يبدو أن أميركا نسيت قبل كل ذلك أن إدارتها مصدر كل شرور العالم
*صحــافي يمني