صالح صلاح شبانة
في العالم الثالث ، وهو تعبير كنا نستعمله أثناء وجود الإتحاد السوفيتي الراحل ، والآن انتفى الهدف من التسمية ، كانت هناك معضلة في الحكم وهي : أن نظام الحكم يعتبر مرسل من الله ، وأن الوحي يأتيه ، وبالتالي هو الذي يصرّف شؤون الأمة ، ويحظر على المواطنين الحديث بالسياسة ، إلا سياسة الخيول ، وهي مهمة السايس ، وداخل الإسطبلات فقط ، وتطبيع الكرار (مفردها الكر) وهو الجحش حديث الولادة ، وما عداه فمن اختصاص الدولة ، فهي التي تقرر المساحات المتاحة .
أما الكلام بشيء يخص سياسة الدولة ، أو انتقاد وزير أو وكيل أو موظف ميري أو قائد مخفر ، أو التفوه بحديث قد يظهر أنه مبطن وينطوي على أهداف خبيثة ، فهو يعتمد على رأي وثقافة ورحابة أفق المحقق ، و أنت ونصيبك يا(مسخم) !!!!
أما فتح الفم فكان يسمح به عند الحلاق ، الذي كان يقوم بقلع الأسنان ، ولأن الحلاقين يثرثرون ، فقد كان الحلاق يضع الكلبة (الكماشة الخاصة لقلع الأضراس ) تحت حزامه ، حتى فيما لو فتح الزبون فمه ليقول شيئا ، وتمت كبسة أمنية للمحلقة ، يسحب الحلاق الكلبة ويتظاهر أنه يعالج أحد أسنان الزبون ، وقد يندمج بالدور ، ويخسر المواطن أحد أسنانه !!
وعندما تتوتر الأمور ويهدد المواطن أمن ألدولة ، يتم صرف رجل مباحث عند كل حلاق !!
وبما أن كل ممنوع مرغوب ولو على قطع الرقبة ، يعشق الناس الحديث في السياسة ، شرط أن يتخذ الأحتياطات اللازمة لذلك ، وأهمها الخلوة الى رجال ثقة (مع أن أبوك اللي نفظك ، وأمك اللي مصعتك ، وأخوك أبن أمك وأبوك مش تقه ، ولا غراب البين) ، وتأمين المخبأ المناسب ، لأن للحيطان آذان ، وأن يتحرز من الحديث أمام من لا يعرف لأن(الثم المسكر ما بدخله ذبان)، والذباب لا يدخل إلا إلى الفم المفتوح الذي يثرثر(شغوي لغوي) !!!
ولأن الجهة الوحيدة المهابة هي الحكومة ، فأن الجميع يتحدثون عن الحكومة وقمعها وسياستها التعسفية ، ويلعنون سنسفيل أهلها ، حتى يصلوا الى جذورها !!
وذات يوم بلغ السيل الزبى ، وقرر مختار ووجهاء إحدى القرى آن يتحدثوا بالسياسة ، ولو على قطع الرقبة ، فالحياة لم تعد تحتمل !!!!!!
أمر المختار أشداء القرية وعتا ولتها بحراسة مضافته ، حتى لا يقترب أحدهم ، وخصوصا الطامعون بختم المخترة ، فيشي به ، فتذهب المخترة بعد أن صرف عليها دم قلبه !!
تم تحصين المضافة ، ومنع أي كان من الاقتراب ، لأن (المختار والعضوات ووجوه البلد بدهم يحكوا في السياسة) !!!
وعند اجتماع الشمل والتأكد من الأمن التام ، وإغلاق أفواه الأبواب وآذان الحيطان ، استعد المختار متهيبا ، ثم تنحنح كذا نحنحة مصطنعة وقال بصوت خافت ، لا يكاد أحد أن يسمعه :
(هي يا ناس الحكومه ما بدهاش ترخص السكر ؟؟)
وانتهى الاجتماع التاريخي ، ولم تأخذ الحكومة علما إلا بعد أيام ،حيث كلفت قائد المخفر بزيارة المختار زيارة ظاهرها سريا ، وباطنها علنيا ، ولا تسألوني كيف ذلك ، حيث قام قائد المخفر بزيارته ، وقام بضربه كذا عصا بعصا الخيزران ، وكذا عقال على مؤخرته ، شهده بعض المتلصصين الذين تغاضى القائد عنهم ، ذلك لأن الهدف (اضرب المربوط تيخاف الفالت)، ومن يومها لم يفكر مواطن بالحديث في السياسة وشؤونها ، ولم يسال أحد عن غلاء أو رخص السكر ، أو أي سلعة أخرى ، وحفظ الناس ألشعار القومي للعالم الثالث (حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس ) و (إذا شفت قوم بعبدوا عجل حش واطعمه حشيش) وأهم شعار على الأطلاق (إذا بدك تعيش مستريح ، قول عن كل إشي مليح )…..مليح …مليح …ملييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييح
الداعي بالخير
صالح صلاح شبانة