خيري حمدان
تفتّح الرمّان على صدرها، حان وقت القطاف. عيون الرجال تحدّق هناك بلا هوادة. يسيل اللعاب من أطراف أفواههم المليئة بالقواطع البشريّة. والعين ما تزال تعرّي عذريتها اليانعة. أتذكر لون عينيها؟ عسليّتان خضراوتان أم سوداء. نسي أن يمعن النظر الى تلك العينين الكبيرتين. كانتا قادرتنان على احتضان طموحك وشهواتك المتراكمة. كانت عيناها مرفأ لمراكب الرجال العابثين العابرين في دنيا الشهوة. أتذكر اسمها؟ ربّما كان اسمها حياة .. فايزة .. ربيعة .. رباب .. أحلام .. كوثر أو حتى فتحيّة. وما ضرورة الاسم حين يفترشها ليلاً؟ كالحوت ينهش جسدها ويعطب للمرّة الألف عذريتها. حان الوقت للعبور الى الضفّة الأخرى. لقد سمح المأذون وكاتب العدل والشيخ الجليل بحلول موسم النكاح حسب جميع المذاهب المتعارف عليها. صفّقت الجموع فرحة وغنّوا بملء حناجرهم المذبوحة. “من أين لك هذا الغزال يا فارس؟” وقبل أن يلج حرمتها تذكّر دعاء والدته، تذكّر كلمتها الأخيرة. كانت تهمس في أذنه مطوّلاً دون أن تعير الغزالة أدنى انتباه. وانفضّ الحضور أخيراً. لم يبقَ سوى ليل أضمر خنجراً لذبح المشاعر في لحظة عناق طويلة. سقطت جميع الستائر مرّة واحدة. توقّفت الموسيقى عن زجر الآذان وسمع أخيراً صوت قلبه الملدوغ ببركان شرقيّ. دخل الى مخدعها وكان الخجل قد أغلق جفنيها. اقترب منها وهمس في سرّه “مبروك عروسي”. ثمّ رفع يده ولطمها بقوّة على وجهها وأتبع ذلك ضربة أخرى على كتفها وبطنها. مزّق ثياب الفرح البيضاء. عندها أدركت بأنّ الأبيض يتطابق مع خطى الرذيلة الجريئة. عندها أدركت بأنّ اليدّ التي كانت تتمنّى ملاطفتها وملاعبتها قد أصبحت أداة اغتصاب مدفوعة بتعليمات قلب الأم الممتلئ حناناً في اتّجاهٍ واحد. عندها تيّقنت بأنّها تيتّمت في بيت زوجها الذي فضّل اغتصابها وحرق أنوثتها. فضّل زوجها الحبيب استجداء طاعتها على امتلاكها وريّ بساتينها. رجالٌ بلا ذاكرة يخدشون وجه القمر، يُدْمون سطح البحر قبل العوم في جنباته. ذاكرة الديناصور الذي أكل زوجته بين الأدغال وترك الصغار عند حافّة الزمن يتقاتلون من أجل صفحة عابرة في دفاتر التاريخ. رجالٌ حرقوا صُوَرَ الطفولة وأسقوا بدموع التماسيح رهبتهم من جمالك. أطْفَئوا الشموع قبل أن يدركوا سحر الظلال. أطَفَئوا وهج العشق قبل أن تولد الأخيلة. حلقوا عاناتهم قبل أن ينفذوا كالمشرط في ربيعك. كسروا اليد التي ستحمل يوماً رضيعاً. ثمّ تناوبوا العواء في وجه القمر.