في الأسبوع الفارط اختتم ما يقارب الثمانون ألف طالبا وطالبة امتحانات التوجيهي بفلسطين ، وحسب ما أشارت استطلاعات الرأي وشكوى كبيرة من الطلاب على صعوبة امتحان مساقات الفيزياء والأحياء من القسم العلمي ، وكذلك مساق الإدارة والاقتصاد للقسم الأدبي بات القلق والرسوب في هذه المواد يهدد غالبية كبيرة من الطلاب في جناحي الوطن ، وبقي الأمل معقودا على وزارة التربية والتعليم بتصحيح النتيجة وتلافي انتقادات كبيرة موجهة لها أولا ! سواء على الصعيد الرسمي أم علي الصعيد الشعبي لأن الفشل ينعكس على أدائها وآليات عملها إن كان على واضعي الأسئلة ، أو المنهاج ، أو طرق التدريس .. ونعتقد أن هذه المرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة .. إن بقي أسلوب الامتحانات وطرق التدريس بنفس الطريقة ، لأن المنهاج صار حديثا وتغير كثيرا ، أما طرق التدريس ومفهوم الامتحانات لم تتغير بتغير المنهاج الذي يعتمد بدرجة كبيرة على تنظيم المعلومات والفهم والاستنتاج وتقصي الحقائق والاستنتاج … وليس على طريقة التلقين والحفظ والتخزين التي تعشش في عقول المعلمين قبل الطلاب … من هنا تأتي صعوبة الأسئلة التي يشعر بها الطلبة إذ ليس من المعقول أن توضع لهم الأسئلة من خارج المنهاج ؛ لكن المفهوم الخاطئ للامتحان ، والذي يبني عليه المعلم أسلوب تدريسه للطالب هو الذي ينسف هدف العملية التعليمية التعلمية برمتها ..! إذا كانت المقررات التعليمية قد تغيرت بما تلائم الحياة العصرية التي نعيشها مع مضاعفة حجم المعرفة الهائل .. وبما تتلاءم وظروفنا السياسية فهل تغير سلوك المدرسة والمجتمع بما يلائم هذا التغير ؟؟ من يراقب أحوال أبنائنا من طلبة التوجيهي يجد أن بعضهم إن لم يكن غالبيتهم قد التحقوا بدروس ( الخصوصي ) منذ إجازة الصيف الماضي أي بعد انتهائهم من الصف الحادي عشر مباشرة ؛ مما شكل عبئا إضافيا على أسرهم ، وتمثل هذا العبء في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية من توتر وقلق وانفعال عاشته هذه الأسر على مدى سنة كاملة تعتبر أطول بكثير من السنين العادية ؟ وبات الجميع ينتظر الخلاص …! لماذا تشكلت هذه الحالة ؟ ولماذا أصبح الخوف كبيرا ومقيتا من الامتحان ؟ إن هذه الحالة ترسخت في وعي أبنائنا ، ووعي المجتمع عبر سنين طويلة من تبني اتجاهات خاطئة عن الامتحانات في مدارسنا وجامعاتنا أيضا ، ولم تتحول هذه الامتحانات إلى مواقف تعليمية من جهة وتقويمية من جهة أخرى … إن بعض المعلمين خاصة في المرحلة الثانوية انتهجوا طريقة غير سليمة في التعليم ، وأصبحوا يلقنون أبنائنا طريقة ( حل السؤال ) واختيار الإجابة النموذجية ، وابتعدوا عن الأهداف الأساسية وعن تعليم مهارات التحليل والتركيب والتطبيق والحكم …إلخ ، من هنا فقد الطالب ثقته بنفسه وانتابه القلق والتوتر والخوف … سنة كاملة والمدرس العام والخاص يلقن الطالب إجابة السؤال وتوقعه هو للسؤال ، ولم يعطى للطالب فرصة التفكير في السؤال وكيفية التعامل معه ، وبالتالي يصبح السؤال صعبا وخارج نطاق تفكيره وخارج نطاق المنهج كما يقولون … نعرف أن وزارة التربية والتعليم ستعمل على رفع نسبة الناجحين في المواد التي سيكون فيها نسبة الرسوب عالية حتى تخفف من الصدمة المتوقعة كما ذكرنا سابقا ، لكن الطريقة التي سيتبعونها وهي : يتم إضافة عدد من الدرجات للراسبين يتم تحديدها بناء على عدد الراسبين والذين يرغب بترفيعهم ، ولو افترضنا أن الراسبين في الفيزياء مثلا 50 % من الطلبة وترغب الوزارة بترفيع 20 % منهم ؛ فسوف تقيس أدنى درجة من الـ 20 % وتحسب كم درجة تحتاج للنجاح ونفرض أنها تحتاج إلى 15 درجة للنجاح فيتم إضافة 15 درجة لكل من هو أقل من خمسين وحتى من هو حاصل على 70 درجة مثلا وأحيانا لمن هو حاصل على 80 درجة كما عملت بذلك في سنوات سابقة . فهل هذه هي الطريقة الصحيحة في ترفيع هؤلاء ؟! إن هذه الطريقة تخل كثيرا بالميزان ، وتظلم كثيرا من الطلبة المتفوقين لأنهم سيحرمون من الدرجات الـ 15 التي تم إضافتها لعدد كبير من الطلبة ، وسوف نجد من الطلبة في الفئة الوسطى سينتقلون إلى الفئة الممتازة بما لا يستحقون ، ومن هنا تظهر نتائج عالية في الفئة الممتازة والفئة التي تليها في الترتيب .. إن ذلك لا يجوز في علم القياس ، ولا يمكننا عمل تقييم لهكذا نتائج ، نتيجة لاستخدام وحدات قياس عالية ( 100 درجة ) إذ كلما كانت وحدات القياس عالية كانت نسبة الخطأ عالية أيضا .. من هنا يبدو أن وزارة التربية لا تقوم بعمل تقييم شامل للعملية التعليمية وخاصة للمرحلة الثانوية ؟! وهذا يدل على الفوضى والتخبط في العمل .. وإن ذلك سيظهر واضحا في النتيجة التي ننتظر ظهورها خلال الشهر الجاري .. إن ما ظهر في امتحان الفيزياء والأحياء والإدارة والاقتصاد وربما مواد أخرى يؤكد أن الطلبة لم يستطيعوا التعامل مع الامتحان على أنه اختبار لمدى قدرتهم على الاستيعاب والفهم والتحليل والتركيب والتطبيق ومن ثم الحكم أو التقويم ، وأنهم تدربوا فقط على الحفظ الذي يساعدهم على حل الأسئلة بالشكل الأمثل ، فشتان بين أن يكون الإنسان صاحب فكر يحلل ويربط ، وبين أن يكون صاحب فكر يحفظ ويقبل ويرفض ضمن أسس ثابتة وسابقة لا يحيد عنها ، فقط لأنه وجدها بين يديه ووجد نفسه في خضمها .. فالنموذج الأول يمثل ثقافة الإبداع التي تستند إلى نسبية الحقي
قة وتعدد أوجهها ، بينما يمثل النموذج الثاني ثقافة الذاكرة المستندة إلى مبدأ اليقين والحقيقة المطلقة ، وبين النموذجين فارق شاسع يظهر في الفكر والعمل ، فالنمط الأول يدخل في إطار الوعي ذلك أنه يمارس وعيه ، بينما الثاني يدخل في إطار يضع فيه وعيه جانبا لا يستجيب فيه للتغير أو لتبدل الأحوال والظروف والنظم المعرفية .. فيا وزارة التربية أي النموذجين تريدون .. ؟!