أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه أن القيادة تدرس بجدية وقف كافة الاتصالات مع الجانب” الإسرائيلي” بسبب استمرار النشاطات الاستيطانية، وعبر عبد ربه عن قلق القيادة من الأنشطة الاستيطانية وأعمال الاستفزاز واستهداف السلطة الوطنية. واتهم عبد ربه “إسرائيل” بالسعي لاستهداف السلطة وتقويض دورها للإبقاء على الفوضى عبر ما تقوم به في مدينة نابلس ومدن أخرى. وقد كان تردد أن رئيس السلطة محمود عباس سوف يعود إلى الشعب, أو أنه قد يعلن عن فشل المفاوضات, في حال لم يتم التوصل إلى “الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية” ؛ فما مدى اتصاف هذا الموقف بالواقعية؟ وما قدرة السلطة على تحقيقه؟ وما أثره عليها؟ أكد عباس هذا المعنى في خطاب أمام المؤتمر الثالث والعشرين للاشتراكية الدولية في العاصمة اليونانية أثينا بتاريخ 1/ تموز الجاري؛ إذ قال:” قررنا إعطاء محادثات السلام فرصة حتى تستمر، وحتى يمكن للعالم الذي يتوق إلى إقامة سلام عادل ودائم أن يقوم بدوره في مساعدتنا لإنهاء هذا الوضع، ولإنجاز هدف قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، منوها إلى أن هذه الفرصة لا يمكن أن تكون مفتوحة إلى ما لا نهاية.” من الناحية النظرية, يبدو هذا الموقف منطقيا, لكن التحدي أمامه عملي, وواقعي. من المؤكد أن إنهاء المفاوضات يترك فراغا, ويعلن فشلا لهذا الخيار؛ ما يفتح الساحة الفلسطينية بالضرورة على خيارات أخرى؛ ويستبعد أن يُترك هذا الخيار للشعب, أو لقوى سياسية غير مؤمنة بحلول سلمية مع “إسرائيل”؛ فلا بد أن تظل “قوى الاعتدال” هي الممسكة بزمام الشارع. يمكن أن يتم ذلك عن طريق تفعيل النضال السلمي ضد الاحتلال, أو بانتفاضة شعبية, مثلا, ليس معروفا بالضبط حظوظها من الشمول والتصاعد… هذا على الصعيد الداخلي. أما على الصعيد الدولي فتثار أسئلة عن الخيارات المسموح بها دوليا, وأمريكيا في هذا السياق؟ وعن مصير السلطة؟ هذا لا شك متوقف على جدية هذا التوقف؛ فإن كان مجرد تكتيك, أو تهديد مؤقت؛ فالموقف الأمريكي مختلف, بالطبع, عما لو كان جديا ومفصليا, فأمريكا بوصفها الراعية الحقيقية لعملية السلام, لا تسمح بأن يعلن عن فشلها بهذه الطريقة المدوية وشبه النهائية؛ لأن هذا يتيح لدول أخرى من قبيل الاتحاد الأوروبي, أو أبرز دوله, أو روسيا, يتيح لها أن تتقدم لمحاولة ملء الفراغ, وإن كانت ستواجه بمعضلة تتمثل في عدم الترحاب “الإسرائيلي”, وإهمال التعاطي مع مشاريعها المقترحة. ومع ذلك لا يتوقع أن تسمح أمريكا بالفراغ, وفتح الاحتمالات. هذا, فضلا عن خطر آخر لا تريده أمريكا بالتأكيد يتمظهر في تعزيز دعاوى القوى التي تعتبرها إرهابية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي, والتهديد الذي سيتصاعد على دول الاعتدال العربي التي لا تنفك عن طرح السلام خيارا استراتيجيا ووحيدا. ويثار هنا سؤال عن تأثير هذا القرار على السلطة وعلى الحياة الفلسطينية الاقتصادية؟ بعد هذا الارتباط والتعلق بالمساعدات الدولية والاتفاقات الاقتصادية مع “إسرائيل”, كاتفاقية باريس, مثلا, لا حصرا, التي تبقي السلطة فيما يتعلق بالاستيراد من الخارج غير مطلقة اليد. ويفتح هذا التفكير الباب على مصير السلطة نفسها؛ لأنها الثمرة الأولى للاتفاقات التي تمخضت عنها المفاوضات مع “إسرائيل”, وإن إعلان التوقف عن تلك العملية, بإعلان الفشل فيها, يعني إجهاضا لمشروع السلطة, كما أنه من الناحية الواقعية يقطعها عن تلك التعهدات الدولية, والدعم المالي والسياسي؛ فهل يقبل ألوف المنتفعين, ومن ارتهنت مصالحهم بالسلطة أن يقوضوها بأيديهم؟! يبدو أن إعلان الفشل الصريح والنهائي غير وارد في الظروف الحالية, ولكن المتوقع أن يكون فشلا وتوقفا في ثوب نجاحات متواضعة, هذا إذا لم تسفر الأيام, أو الشهور المقبلة عن اتفاقات سرية, وهو الأمر الذي لا يبدو أولمرت مؤهلا للمضي فيه, أو تنفيذه, إلا إذا كان على درجة عالية من الإجحاف بالحقوق الفلسطينية. أما كيف يكون التوقف, فقد يتم التركيز على الجانب الاقتصادي والأمني, وقد يرافق ذلك تحسن أمني وتخفيف من المعاناة اليومية على الحواجز وغيرها, ويصبح هذا الخيار أكثر واقعية إذا امتدت التهدئة إلى الضفة الغربية, وجاءت في سياق اتفاق واسع يشمل العديد من المسائل الجزئية مثل قضية شاليط, ومبادلته بأسرى فلسطينيين. ويمكن أن تستقوي السلطة أمنيا, بدور أردني غير مباشر يتولى تعزيز الإشراف والدعم لأجهزة السلطة الأمنية في الضفة الغربية. لكن هذه (الحلول) تبقى تسكينية, وأحيانا هشة وغير قابلة للبقاء, مع سياسات “إسرائيل” الاحتلالية الاستيطانية وتهويد القدس, ويبقى هذا الخيار, أو ما قاربه غير مطمئن, ولا مقنع, حتى للمؤمنين بالحلول السلمية, وهو يعطي غطاء للمارسات الاحتلالية, ويستبقي من الاحتلال بفضل السلطة “وجهه النظيف” . ناهيك عن القضايا الأخرى كقضية اللاجئين, المثال الصارخ على الظلم والتعدي الذي يتأسس عليه هذا الكيان.
[email protected]
د/ أسامة عثمان- كاتب فلسطيني.