سؤال طرحه الشاعر الكبير “بيرم التونسي” في قصيدته التي تغنت بها كوكب الشرق “أم كلثوم”. وهي أيضا التي شدت قائلة (القلب يعشق كل جميل). وفي وصف العشق قال المثل العربي القديم في أحد شطريه: (إن عشقت إعشق قمر). والجمال ليس فقط جمال الشكل و الملامح، وإنما أيضا جمال الشخصية و الطباع. ولا يمكن أن نغفل أن الجمال نسبي فما تراه أنت جميلا قد لا يكون كذلك بالنسبة للآخرين. لذلك قال شاعرنا “أبوفراس الحمداني” (وللناس فيما يعشقون مذاهب)!
أؤكد لكم بداية أن القلب لا يعشق دائما كل جميل، فالحب أيضا أعمى والهوى أحيانا غلاب! وهي المقولة التي رأيتها متجسدة أمامي في قصة إحدى صديقاتي. دعوني أولا أعرفكم على صديقتي صاحبة هذه القصة. فهي شابة جميلة مثقفة، تقدم إليها من الخاطبين ذوي المراكز ما لا يعد ولا يحصى، ترفض العريس تلو الآخرلأنها لا تريد أن تتزوج إلا ممن يخفق له قلبها. حتى فاجأتني قريبا بأنها أخيرا وجدت الرجل الذي كانت تبحث عنه، وأنه الوحيد الذي إستطاع أن يخطف قلبها. وراحت تصف وسامته وأناقته وثقافته وتستفيض في وصف جمال ملامحه التي لم تر عينيها مثلها من قبل وعيناه الأخاذتان، وسواد شعره الذي يذكرها بالليل وسحره….. إلى آخره من الصفات حتى أنني تصورت أنني سوف أرى أمامي نسخة من “عمر الشريف” في شبابه.
حتى جاء موعد لقائي بهما لتعرفني عليه. وكانت المفاجأة عندما وقعت عيناي عليه، حيث قلت في سري: (صحيح له في خلقه شئون)!
فقد رأيت أمامي رجل شدة رشاقته و سمرة بشرته تجعل قلبك يرق لا لشيء سوى أنك سوف تتذكر على الفورمأساة إخواننا في الصومال. عيناه واسعتان حقا كما وصفته صديقتي ولكنها نسيت أن تذكرالتجاعيد التي تحيط بهما تلك التجاعيد التي تؤكد أن شبابه قد ولىّ و إنتهى!
شعره شديد السواد تماما كما وصفته أيضا لي، ذلك السواد الذي يذكرك حقا بعتمة الليل، ولا تغتروا بذلك السواد فالفضل فيه يرجع بالطبع إلى جودة الصبغة التي يستخدمها.
و قد لاحظت في مجلسنا أنه يتجنب الضحك، فسألت صديقتى عن ذلك، فأجابتني أنه يتجنب الضحك حتى لا يكتشف الجالسون معه فراغ الفكين من الأسنان في الداخل.
أما عن نظافته الشخصية، فتؤكد لي صديقتي أن له فيها فلسفة خاصة، فهو من أنصار التيمم حتى مع توفر الماء، ومع ذلك فرائحته في أنفها كرائحة المسك و العنبر.
أما عن مزاجه، فتقول صديقتي أنك تكون محظوظا حقا إذا جلست معه وهو في حالة مزاجية طيبة، فإنك ستسمع منه في ذلك الوقت أرق الكلمات و أعذب العبارات و أجمل الأحاديث التي غالبا ما تكون من وحي خياله و لا أساس فيها من الصحة. وتعتبرصديقتي أن تلك ميزة في شخصيته فخياله خصب ولا تشعر معه بالملل، وبما أنها تستطيع أن تميز الصدق في أحاديثه، فلا تجد ذلك عيبا فيه.
وتحذر صديقتي الجميع من الجلوس معه إذا تعكرمزاجه – وغالبا ما يكون في تلك الحالة معظم الوقت – على حد قولها. فهي تنصح الجالس معه أن ينصرف فورا من أمامه، وإلا أصيب بطلقات يطلقها لسانه فتفتك بكل من حوله دون أي إعتبارات.
أما إذا رأيته وهو يمشي، فإنك ترى شموخا وكبرياء يمشي على الأرض، كأن لسان حاله يقول: “يا أرض إنهدي ما عليكي أدي”! مش عارفة أنا على إيه النافخة الكدابة دي ؟؟
وبالرغم أنه ليس مصنفا كواحد من أغنى عشررجال في العالم، إلا أنك إذا جلست معه أشعرك بذلك، مع أن صديقتي تؤكد أن الدولار صديق مقصًردائما معه و مقل جدا في زيارته، يتوهم أنه يتمتع بجاذبية خاصة للسيدات وأنه حلم الفتيات وأنه فالنتينو هذا العصر. مع أنني على يقين تام من أن صديقتي هي المرأة الوحيدة التي قبلته والوحيدة التي يمكن أن تطيق النظر في وجهه (الجميل).
وبالرغم من كل صفاته ومواصفاته إلا أن صديقتي – لا أعلم لماذا وكيف ؟ – يهيم قلبها بالرجل. وعلى الرغم أنك سوف تظلم من تقدموا لخطبتها،إذا حاولت مقارنته بهم. فهي تؤكد أنه في نظرها أعظم الرجال خُلقا وأجملهم خلقة.
وفي نهاية مجلسي معهم، سألتني صديقتي عن رأيي في حبيبها. فأجبتها على الفور: لقد صدق حقا أجدادنا في أمثالهم عندما قالوا: (مراية الحب عمية)!
وإلى لقاء قريب إن شاء الله….