جاءت مبادرة رئيس السلطة, محمود عباس؛ رفعا للعتب, وتسجيلا للمواقف, ليس إلا, فما إن ولدت حتى استحالت كسابقاتها, ليس فيها أي جديد, التزام بشروط الرباعية الدولية واعترافات بالاتفاقات السابقة… ثم نشطت الأقلام الواهمة, أو المضلِّلة تشيد بها, وتجعل الكرة في ملعب حماس, وما تريثتْ حتى بدأتْ تعدد ” علامات” تدل على عدم رغبة حماس في الحوار, أو جديتها فيه, ولعل آخرها ما رأوه في زيارة إسماعيل هنية لمقر الرئاسة الفلسطينية “المنتدى” الذي اعتبرته السلطة تكريسا للانقسام . ثم لم تصبر السلطة على الحوار صبرَها على المفاوضات مع “إسرائيل” التي وصلت إلى ما يشبه الموت السريري, نعم لم تصبر عليه, وهي تهدد بوأده قبل أن يبدأ, إذ حدد رئيس السلطة لمبادرة الحوار سقفا زمنيا ينتهي ب15 يوليو الجاري, بحسب نبأ أوردته” الشرق الأوسط” بتاريخ 8 يوليو( تموز) عن مصدر فلسطيني أن ” 15 يوليو (تموز) الجاري هو السقف الزمني لمبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)… وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن المبادرة لن تظل مفتوحة إلى أبد الآبدين. وإذا لم يحصل أي تقدم ما بعد المشاورات التي أجراها الرئيس أبو مازن في القاهرة وعمان واليمن, وغيرها من العواصم العربية، فانه سيشير بإصبع الاتهام إلى الطرف المسؤول عن عدم تحقيق المصالحة.واعتبر مصدر آخر، طلب عدم ذكر اسمه أيضا، أن المبادرة وئدت في مهدها من قبل وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، وحماس نفسها التي لم تقبل بالمبادرة. وحسب المصدر فان رايس هي التي تبرعت بالقول إن أبو مازن ما زال على موقفه من حماس، مباشرة بعد طرحه المبادرة، ولم تدع المجال لأي مسؤول فلسطيني لأن يقول شيئا في هذا الصدد. وأضاف إن رايس هي أيضا التي تبرعت بالرد على الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في مؤتمر برلين لدعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية نهاية يونيو (حزيران) الماضي، بالقول أنه لن تكون هناك مصالحة ورفعا للحظر عن حماس إلا بعد قبولها بشروط اللجنة الرباعية وهي الاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقات الموقعة والتخلي عن الإرهاب. وأضاف المصدر «وهكذا بإمكاني القول بدون تردد إن هناك قرارا دوليا بعد إنجاح الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني». وهنا لا بد من التأكيد على عدد من النقاط:الأولى : من المعيب هذا الوضع العربي الذي يقبل أن يكتم (صوته), ويطمس (رأيه) في قضية هي من أهم قضاياه, وأكثرها حساسية وقدسية, قضية فلسطين التي بالرغم من كل محاولات التيئيس والتضليل ما تزال حية في نفوس أبناء الأمة والشعوب العربية. الثانية: أن الجناح المتغلب الآن في السلطة هو المؤيد للانصياع التام للشروط الأمريكية, وغير القادر على المناورة؛ لأن الهوامش المتاحة له ضيقة. الثالثة: من غير اللائق بفريق من الكتاب والمثقفين الفلسطينيين والعرب ما ينتهجونه من استغباء للقارىء, وانتقائية متعسفة, وتجاهل للحقائق المكشوفة: أن إنفاذ الحوار بين السلطة وحماس, أو مجرد البدء به ليس الآن مرهونا بالإرادة الفلسطينية, ولا هو مقيد بقيودها وشروطها؛ فلنصرح إذن أن الحوار هو في الحقيقة بين أمريكا و”إسرائيل” من جهة وحماس من جهة أخرى, والطرف الفلسطيني وسيط بينهما!! ومع ذلك نجد كاتبا فلسطينيا- على سبيل المثال- يقول:” ولا شك أن حركة حماس تتحمل المسئولية الأساسية في التراوح والتعرج الذي أصاب طريق الحوار ، بل إنها تقوم بوضع مجموعة من ‘ المطبات الصناعية ‘ أمامه تمنع حركة الانطلاق الحقيقي للسير قدما نحو تنفيذ جوهر الإعلان .” ويتجاهل الكاتب حقيقة مؤلمة, هي افتقاد النظام العربي الرسمي والدول العربية المؤثرة, ثم السلطة الفلسطينية للإرادة السياسية, غير المهددة بالإلغاء الأمريكي العلني والمصادرة والتدخل السافر… إننا, في المقابل, لا نرفع حماس عن درجة المساءلة, ولا نراها بعيدة عن منزلقات خطرة, باقترابها من أنظمة لا يؤمن غدرها, ولا تذبذبها, كالنظام السوري والإيراني؛ إذ من يقتل المسلمين ويخنقهم في سوريا ليس أمينا على قضيتهم العزيزة: فلسطين, ومن يتعاون مع أمريكا في العراق, ويشغله النفوذ فيه, ولو بصداقة ” الشيطان الأكبر” ليس أمينا هو الآخر على فلسطين والمقاومة. فلنحاول الإنصاف ما استطعنا, وليتذكر كل من يتناول شأنا عاما أنه مؤتمن ومسؤول؛ فإن لم يستطع الحق فلا يضلل, ولا سيما حين يتعلق بقضية فلسطين التي هي بلا شك أعلى من الزعامات والفصائل. وهي كما يبدو ستظل جرحا نازفا يؤشر على اعتلال الأمة, يحفزها ويستنهضها. [email protected]