باكتمال كل جوانب صفقة تبادل الأسرى لحزب الله مع العدو خلال أيام يكون نصر تموز عام 2006 قد اكتمل سواء قال ذلك تقرير فينوغراد الإسرائيلي أو قال غيره بعض المغرضين من قوى لبنانية وعربية محسوبة على معسكر أمريكا وحلفائها. إن عودة الأسير القومي سمير القنطار إلى بيته وأهله يمثل رمزية فائقة الدلالة على صدق الوعد الذي قطعه سماحة السيد حسن نصر الله قائد المقاومة والهدف النبيل الذي من أجله كانت عملية الوعد الصادق التي استخدمت ذريعة لغزوة تموز الإسرائيلية الفاشلة، والتي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تسويقها باعتبارها بداية ولادة شرق أوسط جديد ديمقراطي وبلا “إرهاب” على حد زعمها، حتى أن كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا وصفت الهمجية الإسرائيلية والقتل والتدمير للبنان بالولادة المؤلمة لهذا الشرق المأمول ، وضغطت باتجاه إطالة زمن القتال والعدوان أملاً في تحقيق ما عجزت عنه في العراق وفلسطين .
إن الفرحة التي يستقبل بها أهالي العائدين من الأسر أبناءهم المحررين هي فرحة كل مواطن عربي من أقصى الوطن إلى أقصاه ولا تقتصر على اللبنانيين والفلسطينيين، واستطراداً فان عودة الجثامين الطاهرة لمئتي (200) شهيد تحتجزها اسرائيل لتوارى الثرى كما يليق بالشهداء يمثل دلالة أخرى ذات معاني كبيرة تتصل بالعزة والكرامة، فهؤلاء الذين سقطوا على امتداد ثلاثين عاماً وأكثر على ثرى فلسطين وطوتهم الأحداث والزمن يعودوا لينتصبوا شامخين بين أبناء وطنهم لتكون شواهد قبورهم منارات فخر وأمل لمن أتعبهم طول الطريق ووعورته.
لقد طالبت العديد من القوى التي كان لديها أسرى صهاينة بإطلاق المناضل سمير القنطار دون جدوى، وأصرت اسرائيل على رفض ذلك باعتباره من الذين “تلوثت” أيديهم بدماء الإسرائيليين غير أن السيد حسن نصرالله قدم وعده الصادق في الأمر وأصر وكان له ما أراد فهنيئاً للقائد وللمحرر الكبير. ومع أن الصفقة تركت موضوع باقي الأسرى العرب للأمم المتحدة ولسلطات بلدانهم إلا أن الأمر المؤكد أن هناك وعداً أممياً بالإفراج عن هؤلاء في أقرب الآجال.
أما نداء الأهل في فلسطين وبرغم كل الحديث المغرض عن تخلي حزب الله عن أسرى فلسطين بضغط دولي وباتفاقات ملزمة كما ذكر إلا أن المفاجأة السارة لأهلنا في الداخل والخارج كانت الإعلان عن تحرير عدد لم يحدد منهم، وقد كان ذلك هو الدعم الأكبر والأبرز لصمود شعبنا في غزة المحاصرة والجريحة، ولن ينسى الشعب الفلسطيني للمقاومة اللبنانية وطليعتها حزب الله هذا الموقف القومي والإسلامي العظيم والذي سنبقى نعتز به إلى يوم الدين.
لقد شكك البعض في انتصار المقاومة على اسرائيل وتحدث البعض عن هزيمة لحقت بلبنان جراء القصف والتدمير الصهيوني الهمجي لمنشآته وبناه التحتية كما تم تحميل حزب الله مسؤولية الخسارة المادية الكبيرة التي ألحقها العدوان بلبنان، وجنوبه خصوصاً، كما تشدق البعض بأنه لا يجوز حصر قرار الحرب والسلم في يد حزب الله والمقاومة إلى غير ذلك من ترهات أثبت العدو قبل الصديق خطأها، وقد أتت هذه الصفقة وسابقتها بتحرير نسيم النسر ودلالاتها الكبيرة ليكمل حلقات هذا النصر المؤزر وليقول لكل ذي بصيرة أن هناك إمكانية واقعية جداً لإلحاق الهزيمة بعدونا عندما تتوفر النية الصادقة والعزيمة السياسية والإيمان بعدالة ما نفعل .
إن شمول الصفقة قضايا مر عليها وقت طويل بالاتجاهين مثل قصة الطيار الإسرائيلي “رون أراد” واختفاء الدبلوماسيين الإيرانيين والشهيد سكاف وجثامين بعض الشهداء ممن كذبت سلطات الاحتلال بشأنهم، إن كل هذا يدل على حجم التنازلات المؤلمة التي قدمها العدو مرغماً ولا زلنا نتذكر كلمات السيد نصر الله بعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان تموز 2006 حين قال أنه لا فائدة من كل ذلك وفقط عن طريق مفاوضات غير مباشرة عبر وسيط دولي يمكن للأسيرين الصهيونيين العودة من خلال صفقة يخرج فيها كل الأسرى اللبنانيين من السجون الصهيونية واستعادة جثامين الشهداء الأبرار وكما نرى فقد كان للسيد ما أراد. إن ما يجري اليوم من تحضيرات لاستقبال هؤلاء الأبطال وفي مقدمتهم المناضل سمير القنطار يدل على الأهمية البالغة التي يوليها الشعب العربي في كل مكان خصوصاً في فلسطين ولبنان لقضية تحرير الأسرى .
إن اعترافنا باهتمام عدونا بجنوده وأسراه والحديث الصريح الذي أدلى به قائد المقاومة حول هذا الأمر ذات مرة كان للتحريض باتجاه التعامل بذات السوية مع هذه القضية الحساسة ذلك أن الإنسان هو القيمة الكبرى في هذا الكون ولهذه الحياة ونتمنى على كل الزعماء العرب كما المثقفين ومنابرهم إعلاء شان الإنسان الذي يقدم روحه وعمره لوطنه .
لعل عودة هؤلاء الأحباب تشكل عكس ما ذكرته السيدة رايس
حول ولادة متعسرة لشرق أوسط أمريكي جديد، لأن الصحيح أن هذه العودة تمثل ذروة التحدي للإرادة الأمريكية وتشكل فعلاً ولادة متيسرة ومناسبة لشرق عربي خالي من قواعدها ومن قواتها الغازية ومن عملائها أيضاً وهذا في نظر الكثيرين ما تمثله العودة الكريمة والميمونة لأسرانا البواسل ولجثامين شهدائنا الأبرار.
المجد للشهداء والنصر للمقاومة وهنيئاً لأمة العرب بهذا الإنجاز الكبير.
زياد ابوشاويش