د. عوض السليمان
في مؤتمر الاشتراكية الدولية الذي عقد مؤخراً في أثينا، قام المسمى زوراً رئيس العراق بمصافحة
د. عوض السليمان
في مؤتمر الاشتراكية الدولية الذي عقد مؤخراً في أثينا، قام المسمى زوراً رئيس العراق بمصافحة علنية مع مجرم الحرب الصهيوني إيهود باراك، ولم تكن المسألة مصادفة وكفى، بل تبادل الاثنان الابتسامات والعناق، كأصدقاء طفولة وأصحاب ذكريات مشتركة.
وفي تبرير ما حدث أصدر مكتب ما يسمى الرئيس العراقي، بياناً قال فيه، إن مصافحة جلال الطالباني لإيهود باراك، جاءت بصفة الأول “أميناً عاماً للاتحاد الوطني الكردستاني وليس بصفته رئيساً للعراق”. وحاش لله أن يكون الطالباني رئيساً للعراق، فرئيس العراق هو المجاهد عزة الدوري حفظه الله.
وجاء في ثنايا البيان المهزلة، “أن ما جرى لم يكن سوى سلوكاً اجتماعياً حضارياً لا ينطوي على أي معنى أو تداعيات أخرى”.
ما كنت أعلم أن بيادق المنطقة الخضراء يعرفون التصرف الحضاري والسلوك الاجتماعي، وقد جاءوا إلى بلادهم مختبئين تحت الأحذية الأمريكية ، حيث عينتهم الإدارة الإرهابية في البيت الأبيض لتلهو بهم كما تشاء. وما فهمت عن أي حضارة وسلوك يتكلمون وهم الذين خانوا بلادهم، وجلبوا العدو إلى أرضهم وساهموا مباشرة بقتل ملايين من أطفال العراق العظيم. فكم من طفل قتل بسببهم وكم من عائلة شردت نتيجة سلوكهم الحضاري، وكم من شاب شنق وفتاة اغتصبت وهم عن ذلك راضون وله مؤيدون، وجعلوا ظهورهم مطايا تركبها أمريكا، وتدوس على أعناقهم كلما شاءت ثم يتكلمون عن السلوك الحضاري والتصرف الاجتماعي.
لا شك أن التاريخ عرف خيانات مؤلمة ارتكبها بعض الطامعين في عروش بلادهم، لكن خيانة بيادق المنطقة الخضراء ما سبقها خيانة بهذا الحجم، اللهم إلا خيانة ابن العلقمي للدولة العباسية وتسهيل تدمير العراق على يد هولاكو.
إن هذه المصافحة جاءت على خلفية الدعم الصهيوني منقطع النظير لأزلامها في المنطقة الخضراء، كيف لا وهم الذين تآمروا على شعب العراق ، وحلوا جيشه وقضوا على مقدراته العسكرية كي ينعم الصهاينة بالأمن بعد زوال العراق وحاشا له أن يزول.
إن تسهيل الحكومة العميلة للموساد الصهيوني دخول أرض العراق والسماح له أن يعيث فساداً في جنوبه وشماله، وإعطائه الضوء الأخضر ليقوم بتصفية العلماء العراقيين وقادة الجهاد، تستحق من إيهود باراك أن ينظر بعين العطف على بعض أتباعه.
إن السرقات التي قام بها الموساد لمقتنيات العراق، ولآثار العراق الخالدة دفعت إيهود باراك، لمصافحة صاحبه، ومن هم أصحاب باراك إلا الخونة والمتآمرون.
بالطبع، ولا بد أن القارئ يعلم، أن مصافحة الطالباني لباراك لم تكن الأولى في سياسية العراق الجديدة، فقد صافح هوشيار زيباري سليفان شالوم وزير خارجية العدو الصهيوني في نيويورك، وبشكل علني وأمام وسائل الإعلام، وكذلك فعل زيباري مرة أخرى عام 2004 عندما صافح وزير التعليم الصهيوني .
وفي العام نفسه، حضر “مثال الألوسي” وهو أحد نواب أحمد الجلبي مؤتمراً دولياً في فلسطين المحتلة، وقد برر ذلك أن كثيراً من القيادات العراقية الحالية قد زارت الكيان الغاصب سراً
لست هنا في مجال التأكيد على وجود مثل هذه العلاقات بين الجانبين فهذا الأمر يعرفه كل طفل عربي، إذ لا يمكن لمن يخون بلاده صراحة ويتآمر مع العدو لاحتلال أرضه وتشريد شعبه، إلا أن يكون صهيونياً، ولو كان يعيش في بلد عربي ويدعي الوطنية.
إن أكثر ما لفت نظري في هذه القضية هو اهتمام وسائل الإعلام بها، وجعلها خبراً رئيساً، وكأن الطالباني جاء بشيء مستهجن أو جديد. فالرجل جاء إلى العراق مع من قتل أطفال شعبه، فما المانع أن يصافح باراك أو حتى الشيطان، وهل هناك فرق بين باراك وبريمر وجورج وبوش، أو ليسوا ملة واحدة، وقد قدم الطالباني لكل هؤلاء فروض الطاعة والانحناء، وليس بعد الكفر ذنب.
في أحيان كثيرة، أجدني مضطراً للمقارنة بين هؤلاء الذين يسمون أنفسهم حكام العراق، وبين أصغر طفل عراقي، ولكن أي مقارنة تلك، فالعراق هي الدولة العربية الأكثر تطرفاً في علاقاتها مع الصهاينة، واستشهد الرئيس صدام حسين جعله الله في عليين، ولم تسمع كلمة “إسرائيل” في وسائل الإعلام العراقية، ولا في المدارس ولا حتى في الجلسات بين الناس، وحتى أطفالهم وهم سادة أسياد المنطقة الخضراء لا يقولون إلا العدو الصهيوني ولا يعترفون بهذا الكيان المسخ، ولم يدخل العراق الأبي يوماً في مصالحة مع العدو ولا هدنة ولا سلام، وكان دائماً جاهزاً للجهاد ضد ذلك الكيان.
وهذا ربما أحد أهم الأسباب التي جعلت أزلام المنطقة الخضراء يسارعون للتطبيع مع العدو وتقديم فروض الطاعة له، وهذا بالضبط ما جعل إيهود باراك يتعطف على الطالباني ويبتسم في وجه.
وليعلم جلال وغيره، أن الأمر لن يدوم، وكما تخلص الموساد من بعض عملائه بعد أن أخذ منهم ما أراد سيأتي الدور على الآخرين لا محالة.
وليعلم بيادق الحكومة العميلة، أنهم لا يمثلون أحداً من العراقيين، حيث لا يوجد عراقي واحد يقبل بالتطبيع مع الصهاينة، وإن هذا الليل إلى زوال وسيأتي بعده صبح جميل، وعندها سنقارن أسد الرجال صدام حسين بغيره، ونقول لقد عاش صدام عزيزاً ومات شهيداً وأنتم كيف عشتم وكيف ستموتون. عيشة الغدر وميتة العير. وانتظروا إنا معكم منتظرون.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا