د. خضر محجز
تسييس الدين معناه أن تدعي أن الدين قادر على صياغة الحياة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
د. خضر محجز
تسييس الدين معناه أن تدعي أن الدين قادر على صياغة الحياة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وكل ذلك باسم الله طبعاً. وهذا ما تحاول الجماعات الأصولية كلها دعوة الناس إليه في مرحلة الاستضعاف: أي مرحلة المعارضة؛ متكئة ـ في سبيل ذلك ـ على تضخيم أخطاء الحاكمين، وتسليط الضوء على فسادهم السياسي والمالي والاجتماعي، ووعد الناس من ثم بتقديم صورة الحاكم المثالي عمر بن الخطاب عندما تفوز بالانتخابات.
لكن بعد أن تصل هذه الجماعات إلى الحكم، وتكتشف أنها غير قادرة على حكم الناس وفق الدين الذي دعتهم إليه؛ فإنها تبدأ في تديين السياسة: أي تبدأ في ممارسة نفس الألاعيب السابقة ولكن هذه المرة باسم الدين؛ حيث نبدأ نسمع عبارات من مثل: مصلحة الدعوة، المصالح المرسلة، معاوية كان يفعل هكذا… حتى يصل الأمر بهم إلى تكرار نفس الأخطاء، التي جاؤوا لإصلاحها، ونسيان عمر بن الخطاب تماماً، بل ربما معاقبة من يذكرهم به. كل ذلك باسم الله شخصياً. وإذا كان عمر هو أمير المؤمنين، فإن معاوية هو خالهم!.
ليت شعري لماذا لم يستخدموا اسم معاوية، عندما قدموا لنا أنفسهم في الانتخابات؟. أننتخبهم باسم عمر، ويحكموننا باسم معاوية!.
ـ2ـ
لا ينفعك ذلك!
لم يتبق من شعارات الانقلاب لدينا في غزة إلا هذا الحديث الشريف، المكتوب على جدار مقابل لأحد الشوارع الرئيسية في قرية كبيرة، حولها المرحوم ياسر عرفات ـ ذات صباح ـ إلى مدينة باسم مدينة “جباليا النزلة”. وهذا هو نصه، كما رأيته آخر مرة يوم 2/7/2008:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً”.
والسؤال لا يدور اليوم حول معنى الحديث. فكلنا يعرف معناه، نسبة إلى تاريخه وواقعة رسمه على الجدار. كلنا يعرف تماماً أن هذا الحديث يراد منه تحريض فرقة من الناس على قتل إخوانهم في الوطن والدين، باعتبارهم كفاراً.
ورغم أنني لا أعلم ـ من مجمل ثقافتي الدينية ـ نصاً شبيهاً، يمكن توظيفه وتحميله بكل هذا القدر من التعصب والديماغوجيا وشهوة القتل؛ إلا أنني أتجاوز كل هذا، لأسأل سؤالاً من نوع آخر: لماذا مُسحت كل الشعارات المماثلة، في كل مناطق قطاع غزة، ثم تبقي هذا الشعار في شارع هام من شوارع مدينة جباليا النزلة، حتى الآن؟. هل يمكن القول بأن العامل “السوسيولوجي” له حضوره الدال هنا؟. وهل يريد تاركو هذا الشعار مكانه القول؛ بأن أهل هذا المكان من القطاع ـ على وجه التحديد ـ هم أكثر تطرفاً، وأكثر صدقاً، وأكثر إخلاصاً للأيديولوجيا الدينية؟.
لا جرم، أن يذكرني كل هذا بالحادثة التالية:
سألت كادراً ـ كان كبيراً، ثم لم ينل من بركات التغيير إلا شهرة من لم يفعل إلا السوء ـ ذات يوم:
ـ هل يقبل مني الله إسلامي وتديني وحبي لله وللرسول، إذا ما أصررت على الكفر بجماعتك الدينية؟.
فرد وقد أغمض عينيه، دلالة الثقة التامة والإيمان العميق:
ـ لا ينفعك ذلك!.
لم يفجؤني رده، بقدر ما أخافني على مصير هذا الشعب، الذي يحكمه أشخاص “من ضئضئ هذا”.
ـ3ـ
الشعب في خدمة الشرطة
الشرطة عندنا في غزة تحارب الفساد والاستغلال والسوق السوداء!…
الغاز عندنا يباع بالتقسيط، وفق نظام صارم، لا يسمح للمواطن بالمواظبة على إشعال موقده، عند اللزوم. وذلك لأن حصته من الغاز لا تتجاوز 6 كيلوغرام، في الأنبوبة الواحدة، لشهر أو لشهرين، أو لمدة لا يعلمها إلا موزعو الغاز.
والغريب ـ مع كل ذلك ـ أن السيارات التي تعمل بالغاز لا تتوقف، ساعة من نهار!. يمكن لموقدك البيتي أن يتوقف عن العمل شهراً، بينما لا ترى سيارة غاز متوقفة أبداً، رغم أن استهلاك السيارة من الغاز، يومياً، يوازي استهلاك بيت متوسط لمدة شهرين!.
من أين تحصل كل هذه السيارات على غازها، في ظل هذا الحكم الحديدي الجبار؟. الله وحده يعلم!. ولكن إذا ما دار بخلدك أن تطلب من شرطة غزة متابعة مراقبة توزيع الغاز، وشكوت لهم مما تظن انه سوق سوداء، تُباع فيها الأنبوبة للسيارة بسعر 150 شيكلاً، فسوف تطلب منك الشرطة أن تأتيها بالدليل!. وكأن كل هذه السيارات لا تكفي للتدليل، أو لمجرد تقديم حجة بضرورة البحث والتحري!. وكأن على المواطن ـ في ظل هذا النوع من الحكم الأيديولوجي ـ أن يقوم بعمل الشرطة!.
عندما جاءت قوات ياسر عرفات إلى غزة، باسم الشرطة، رفع أحد المطاعم شعاراً يقول: “مطعم الشعب وكافتيريا الشرطة”. على اعتبار أن الشعب فقير ومسكين ويكفيه مطعم حقير، في حين أن الشرطة من جنس
سماوي متسام، ولا يليق بها إلا نوع أرقى من أمكنة الأكل، يسمى “الكافتيريا”. في حينه نال مني هذا الشعار كثيرا من الهجاء والتعليقات الساخرة، لا من صاحب المطعم، الذي كان مجرد رجل يشرح العلاقات السائدة في حينه؛ بل كذلك من تلك الشرطة، التي كانت ترى في نفسها نوعاً من المخلوقات المتميزة، المباح لها استخدام كل تجهيزات قوات الأمن لخدمة زوجات العقداء!.
سماوي متسام، ولا يليق بها إلا نوع أرقى من أمكنة الأكل، يسمى “الكافتيريا”. في حينه نال مني هذا الشعار كثيرا من الهجاء والتعليقات الساخرة، لا من صاحب المطعم، الذي كان مجرد رجل يشرح العلاقات السائدة في حينه؛ بل كذلك من تلك الشرطة، التي كانت ترى في نفسها نوعاً من المخلوقات المتميزة، المباح لها استخدام كل تجهيزات قوات الأمن لخدمة زوجات العقداء!.
هرب العقداء وتركوا ما خولهم الله وراء ظهورهم، وورثتهم الآن شرطة من نوع لا يسر الخاطر كثيراً، تقول لنا: أيها السادة، نحن مستعدون للتحرك لتطبيق القانون. لكن عليكم أنتم أن تبحثوا عن المجرمين!.
ألا يقودنا كل ما مضى إلى قلب الشعار الشهير: “الشرطة في خدمة الشعب”، ليصبح: “الشعب في خدمة الشرطة”!.