…. بداية لا بد لي من القول أن الرفيق عطا مناع، وحسب معرفتي به أنه لم يغير لا فكره ولا قناعاته السياسية ،بل في الكثير من الأحيان يبدي غيرة وحرص عاليين على الجبهة وسمعتها وهيبتها أكثر بكثير من المنخرطين في الأوضاع الرسمية للجبهة، فعطا ليس فقط جزء من هذا التاريخ والواقع،بل هو من المناضلين الذين دفعوا دما وسجون ومطاردة،في سياق نشاطه في الجبهة الشعبية، وجوه الأسري والعائلي ليس بالبعيد عن الجبهة الشعبية، ومن هنا فالرفيق عطا في نقده للجبهة الشعبية بدا متسرعاً وارتجالياً ،وجافى الحقيقة في العديد من ملاحظاته،وان كانت هناك ملاحظات حقيقية وجدية، وبالتالي كان الأجدى بالرفيق عطا أن يتريث ويحصل على المعلومات من مصدرها،بدلاً من استقاءها من مصادر غير رسمية وأخرى غير بريئة،هدفها بالأساس صب النار على الزيت،وهي المشهود لها في التآمر والتحريض ونشر كل ما هو مشبوه ومسيء للشعب الفلسطيني وفصائله وثورته ووحدته، ولا هم لها سوى تعميق الخلاف والانقسام والشرذمة في الساحة الفلسطينية، وفي هذا السياق نشرت مقالة الرفيق عطا مناع على أكثر من موقع الكتروني ،وقامت إحدى المواقع ا\للكترونية بنشرها، ضمن ما يسمى بالمقالات المميزة، وكعادتها في القدح والردح والتشهير،والخروج عن كل الأصول والأعراف ليست الوطنية،بل الصحفية والأخلاقية،في نشر الكثير من التعليقات البذيئة والسوقية كسوقية القائمين على هذا الموقع ،وذلك لأهداف وأغراض مشبوهة.
وقول الرفيق عطا مناع بحصول انشقاق في الجبهة الشعبية وخروج وانشقاق أو فصل أكثر من 800 كادر وحزبي من الجبهة تعوزه الدقة والمعطيات الصحيحة،والمطلعين على هذا الموضوع من أمثال الرفيق كايد الغول،أعطوا ردهم حول تلك الظاهرة، وهذه الظواهر والفرقعات الإعلامية الرفيق عطا،يعرف أكثر من غيره، في أوقات الأزمات والثبات على المواقف والمبادئ،تحاول الكثير من القوى التصيد في الماء العكر لأهداف وغايات ليست بريئة،فمثل هذه الظاهرة والتي وقفت خلفها قوى سياسية فلسطينية،أرادت أن تؤثر على مواقف الجبهة وهيبتها وسمعتها،ومثل هذه الظاهرة مرت بها الجبهة في أكثر من محطة،ولعل الجميع يذكر حالة التراجع والترهل واستفحال الأزمة التي أصابت الجسم الجبهاوي بشكل كبير بعد أوسلو وتداعياته،ومن ثم وقوف الجبهة بقيادة أمينها العام الشهيد القائد أبو علي مصطفى، أمام تلك المرحلة والأزمة في مؤتمرها السادس ،ومع مجيء أوسلو ولحظات التوقيع عليه ،أبتدع البعض ظاهرة ما يسمى بالحركة الشعبية للتغير والتصحيح،والتي غذتها قوى سياسية فلسطينية،لدفع الجبهة الشعبية لتغير موقفها من أوسلو،ولكن سرعان ما تلاشت وانهارت هذه الظاهرة،والتي وجد بعض الرفاق أنه غرر بهم،والبعض الآخر حركته مصالح وأهداف شخصية،وظاهرة النسور في غزة وهي ليست بالحجم الذي طرحه الرفيق عطا في مقالته،وهي أصغر حجماً من ذلك بكثير،وجرى ويجري التعامل معها في إطاراتها وسياقاتها التنظيمية والحزبي،وهي ليست بحاجة لتصريحات هنا وهناك قد يساء فهما أو تفسر على غير عواهنها ومقاصدها،رغم أن مال بعض الجهات الفلسطينية ليس بالبعيدة عن هذه الظاهرة.
أما حول ظاهرة التيار الوطني الديمقراطي التقدمي، فالجميع بما فيهم الرفيق عطا نفسه،يتفقون أنه في ظل حالة الاستقطاب السياسي الحادة والتجيش والتحشيد في الشارع الفلسطيني بين قطبي السياسة الفلسطينية(فتح وحماس)،وما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي،فهي بحاجة الى تيار ثالث يخط نهجه وطريقه الخاص في الواقع الفلسطيني،ويعيد التوازن في المجتمع والسياسة الفلسطينيتين،والجميع من قوى الحالة الديمقراطية يتباكى على غياب هذا الدور وتبعثر وتشظي التعبيرات السياسية والتنظيمية للقوى الديمقراطية،وولادة التيار الوطني الديمقراطي،والذي كان الرفيق عطا جزء من حلقاته المناطقية،تأتي كمحاولة في هذا السياق والإطار،وشروط نجاح هذا التيار رهن بالخروج عن المألوف والأسئلة التقليدية للأزمة وعواملها وحواملها،فالأسئلة النوعية بحاجة الى أجوبة نوعية، وأناس من طراز جديد ،تنج ولا تحاكي،تشرح وتنقد بشكل جريء، لا تنافق ولا تداهن،تحدد لماذا أخفقت القوى الديمقراطية وأين أخفقت، وتعمل على خلق حالة توحيدية تدرجية بين أطراف الحالة الديمقراطية الفلسطينية،بالأساس في نواتها الأساسية(الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب).
وبالنسبة لقول الرفيق عطا مناع،بان هناك أزمة في الجبهة الشعبية،وهذه الأزمة تطال أكثر من جانب ومجال،فهذا شيء جرى ويجري الحديث فيه،وهو ليس بالجديد ولا تخفيه الجبهة الشعبية،بل تعترف وتقر به،وهذه الأزمة وحالة الإرباك الداخلي التي تعيشها الجبهة،وما يكتنف في بعض المحطات والجوانب الغموض وعدم الوضوح لمواقفها السياسية،فهذا له نسبة من الصحة وهذا بالأساس مسؤولية الهيئات المركزية في الحزب،والتي يقع عليها بالأساس توحيد الفهم والرؤيا والمواقف،في العديد من القضايا الجوهرية، وهذا يتطلب وجود دائرة إعلامية مركزية،من خلالها يتم تحديد مواقف ورؤية الجبهة
السياسية من مختلف القضايا ذات البعد الاستراتيجي،ويجب عدم ترك الأمور حصيلة لاجتهاد سين أو صاد من الرفاق،والمؤسسة هنا هي التي تحكم وليس الشخص مهما علت مرتبته ومكانته التنظيمية،وصحيح أن الأوضاع الداخلية للفصائل الأخرى ربما،تكون على نحو مأزوم بدرجة أكبر وأعمق عما هو موجود في الجبهة الشعبية،ولكن هذا منطق تبريري وذرائعي، ومطلوب منا أن نعمل على تعميق الوحدة التنظيمية والسياسية والفكرية في الحزب،ومغادرة دوائر النمطية والرتابة في العمل ،وإبلاء الحلقة الجماهيرية الاهتمام الجدي،والعمل على خلق كادرات وقيادات جماهيرية تعبر عن رؤية وهوية الجبهة بين الجماهير،وأنا هنا لست بصدد التشريح أو الدفاع،بل ما أنا بصدده هنا أن ما ورد في مقالة الرفيق عطا مناع،قد يشاطره فيها الكثير من الرفاق وجهة نظر متفقة معه ،فيما يخص الأزمة وتجلياتها وتراجع دور الجبهة وحضورها وجماهيريتها،وهذا الموضوع ليس بحاجة لجلد متواصل للذات وتشكي وبكاء ووقوف على الأطلال والأمجاد والتاريخ،بل يجب دراسة الواقع الحالي بكل مستجداته وتطوراته وتداعياته،واشتقاق ما يمكن من تطوير وتركيم خطط وبرامج واليات تسهم،في فكفكة حلقات الأزمة ،وخصوصاً أن الجبهة لها تاريخها وسمعتها وارثها وتراثها بين الجماهير،وعلى الجميع أن يغادر عقلية الشخصنة والتوصيفات المضرة والمسيئة،وليكن العمل والإنتاج هو الفيصل والحكم والسيد عند الجميع،وبما لا يشكل خروجاً أو تعارضاً مع برنامج الجبهة ولوائحها الحزبية والتنظيمية،وأنا ما زلت متيقناً بأن حزباً أنجب قادة عظام من طراز الرفاق الشهداء الحكيم وأبو علي وغيرهم،والرفيق القائد الأسير سعدات،ما زال أمامه متسع من الوقت لكي يستعيد دوره وحضوره في الساحة والخارطة السياسية الفلسطينية.
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
29/6/2008