ما ان قرعت الهيئة الوطنية للانتخابات جرس تسجيل الكيانات السياسية لانتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في تشرين الاول المقبل حتى سارع كل من له رصيد في البنوك الامريكية والاوربية للبدء في حملته الانتخابية وفتح مقرات واستقبال وتوديع الشخصيات العشائرية التي يراها من وجهة نظره مهمة وساندة له وذلك في مقدمة للاستحواذ على اكبر قطعة من كعكة المحافظات. ربما يبدو لحد اللحظة كل تحرك بهذا الاتجاه مبررا طالما انه في حدود مايسمح به القانون لكن ايضا هذا القانون يفرض على اولئك كشف بمصادر اموالهم ومن يمول الحملة الانتخابية حيث يحضر القانون العراقي استلام الاموال من الخارج والاستقواء به على الداخل! فهل تملك الساحة العراقية اليوم شخصية تنفق ملايين الدولارات على حملتها الانتخابية وافصحت للقانون عن مصادر تمويلها؟! جلّنا يعرف وبالاخص اولئك المطلعين على بعض الخفايا ايام “المعارضة العراقية” وتحديدا للفترة من العام 1991 اي بعد انتفاضة شعبان-اذار حتى عام 2003 ان شخصيات المعارضة هذه كانوا ممن يتلقون مساعدات اجتماعية في البلدان التي لجئوا اليها سواء اكانوا في لندن او اميركا او ايران ناهيك عن البلدان الاسكندنافية ذات اللجوء الذهبي! بل ان بعضهم قد ذهب بعيدا ليقف مع اصحاب العاهات المستديمة والتخلّف العقلي من اجل راتب تقاعدي مجزي يحفظ له عدم مطالبة الجهات المسؤولة له بالبحث عن عمل! ترى من اين لهؤلاء كل هذه الملايين التي تجمعت خلال خمس سنوات وهي الفترة التي اعقبت سقوط صدام الى يومنا هذا؟! من اين لك هذا، سؤال لابد ان تطرحه الهيئة القضائية على اولئك فضلا عن المنظمات المدنية والشعبية وكل من يهمه امر العراق ومصلحة العراقيين. التحركات الميدانية لهؤلاء تثبت وبالدليل القاطع ان بعضهم قد اتكأ على السفارة الامريكية او ايران واخرين على دول خليجية مثل الامارات العربية المتحدة والسعودية بينما اتخذ البعض الاخر من الجريمة المنظّمة مصدرا لتجميع الثروة وكل ذلك طبعا بعلم الحكومة التي غلّبت لغة التوافق على لغة المصلحة الوطنية وحياة المواطن وكرامته طالما انه لايستطيع ان يرمي الناس بالحجارة من كان بيته من زجاج! لذلك لم ولن يكون بمقدور اي حكومة توافقية ان تترجم قانون المسائلة على ارض الواقع. بيد ان بعض السياسيين يطالبون الحكومة بترجمة قانون المسائلة ليس حبا في الحكومة طبعا او طمعا في بناء عراق دستوري يكون الجميع فيه تحت مظلة القضاء بل لانهم يدركون ان فتح ملف من هذا النوع يعني سقوط الحكومة السريع ومن دون عناء فضلا عن كم الفضائح التي ستخرج بها لان فتح النار على الجميع يعني فتح الجميع النار على الحكومة وهو مالاطاقة لاي حكومة به مطلقا. هذا الامر لايعفي الحكومة ولايخرجها من دائرة مسؤوليتها اتجاه الوطن والمواطن لان من دون تفعيل القوانين يعني مشاركة الحكومة باي فعل منافي يقوم به الاخر. صديق لي ذكر قصة استيزار احد الوزراء في الحكومة فيقول ان سيادة الوزير كان في تلك الليلة مشاركا فاعلا في تحضير “الزردة” ولايعلم من امر ترشيحه للوزارة شئ حتى تلقى مكالمة هاتفية عاجلة من رئيس احدى القوائم المشاركة في الحكومة ليبلغه ان الموافقة على تقلده حقيبة وزارية قد صدر ولابد ان يستقل اول طائرة الى بغداد لحضور المراسم! ومن هذه الشخصيات على الساحة العراقية اليوم الكثير الكثير وهم الاغلبية في البرلمان والحكومة وليسوا اقلية للعلم بالشئ. فهل مطلوب من طبّأخ “الزردة” ان يفعّل قانون المسائلة؟ وهل مطلوب من هكذا وزن ان يُفصح عن مصادر تمويل حملته الانتخابية؟ وهل في مصلحة الحزب الذي ينتمي اليه ان ينشر غسيله على الملأ؟ الكارثة الاضخم ان متخلّف عقلي قد تقلّد منصب سفير! اللهم انا لانسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فينا.
رياض الحسيني: كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل