الحلقة الثانية (2)
في هذه الحلقة سأذكر موضوعا ً ربما ذكرت جزء منه في مقالة قديمة جاء في سياق الحديث” وهنا وبما أنَ لكلِ مقامِ مقال ” كما يقال …
” فسيكون الموضوع تفصيلياً نظراً لموجبات المقام وأهمية الموضوع والذي سأشرح من خلاله بعضٌ من أسباب الانحدار الذي وصل إلى كل شيء في حياتنا وسلوكنا الثقافي تقريباً بما فيها مؤسسة الثقافة والأعلام الرسمية والأهلية ” وكأن المسألة كانت ضمن خطة نفذت وطبقت لتغييب الناس عن استشعار ما يحدث على الأرض وذلك من خلال إلهائهم بقضايا ثانوية وإبقائهم دون مستوى قضايا الوطن من خلال تشتيت الأفكار وتغيب الأولويات
وأضع هذه التفاصيل من خلال سرد واقعي أتحمل مسؤوليته كاملاً أمام الله والتاريخ ” وفيه كثير من العبر والدروس .
أتمنى من الأخوة القراء والكتاب أن يناقشوه بموضوعية لأن القصد ليس التشهير بقدر ما هو معالجة الخلل الذي نعيشه على مستوى الأعلام والثقافة التي باتت تُفقد الناس ثقتها بكل شيء
نبدأ من حيث انتهينا في الحلقة السابقة
(( تعلن وزارة الثقافة عن عقد ورشة عمل للتحضير لمؤتمر التاريخ الشفوي لثورة ال36 ))
وبدأ الكاتب نمر سرحان برفع وتيرة الشبابيك ووسعها بشكل ملفت للنظر وكأننا كنا نصرخ في وادي .! والأدهى والأمر ما كتبه عن زيارته لقريتي وزيارته لأعمامي حيث كتبها في حلقة وضع عنوانها (منذر ارشيد دعاني لزيارة أهله )
كانت مفاجئة صاعقة وهو يروي كيف استقبله أقاربي وأكرموه بناءً على توصية مني علماً أني لم يسبق لي أني رأيته في حياتي وقد أخذ منهم روايات شفوية عن الثورة”
كنت قد حاولت مقابلته أكثر من مرة في وزارة الثقافة حيث يعمل ولكن لم ألتقي به بسب غيابه المستمر عن مكتبه وهو يقوم بالبحث عن روايات في شتى القرى الفلسطينية
علمت انه من بلدة النبي صالح التي تقع بالقرب من رام الله ” فذهبت الى هناك وكان يوم جمعة ” الحقيقة أني انبهرت في هذه البلدة لجمالها الأخاذ وهي تقع على تلال تحيطها الأحراش الكثيفة والمستوطنات الصهيونية تستولي على أجمل ما فيها من مواقع حيث تحيطها المستوطنات من كل جانب
في مدخل القرية صرح لشهداء البلدة حيث وضعت عليه أسماء أربعين شهيداً وشهيدة وعلى رأسهم الشهيدة باسمة التميمي التي قتلها الصهاينة على باب محكمة رام الله وهي تحتج على محاكمة ابنها البطل الأسير
قابلت وجهاء القرية وتفاجأت بوجود الأخ الدكتورالمناضل سمير شحاده وهو إبن البلد ومن آل التميمي الكرام وعندما شرحت لهم الأمر فاجئوني بما يلي …
إن من تبحث عنه ما عاد يأتي إلى البلدة إلا آخر الليل حتى لا يراه أحد والسبب هو الآتي … عندما وصل مع السلطة بعد أوسلوا قام أهل البلدة بتكريمه كعائد ومناضل وقدموا له قطعة أرض ” وتبرع المغتربون من أبنائهم بثمن بناء بيت له حيث أنه لا يملك شيء وهو من اللاجئين الذين لجئوا إلى البلدة هو ووالديه عام 48″وجزاء هذا المعروف كان أول مقال كتبه بعد كل هذا التكريم مقالة تحمل عنوان(( جاسوس في النبي صالح ))…!
مما أغضب أهل البلدة حيث قال لي شيخ البلدة تصور يا أخي انه لم يرى الأربعين شهيداً .! بل رأى الجاسوس .! تصور هذا الجحود .!
الحقيقة أني ذهلت أمام هذا الأمر وتساءلت ” وهل بعد هذا ما زلت مندهشاً من شبابيكه المفسدة .!
عدت وأنا احمل كل الأسى والحزن على هذا الحال المريع ما زادني إصراراً على متابعة الموضوع والسعي لايقاف هذه المهزلة الخطيرة ” فأرسلت مقالاً إلى صحيفة الحياة وانتظرت ولكنها لم تنشر
قابلت الأخ حافظ البرغوثي رئيس التحرير والذي شعرت انه غير متحمس لنشر الموضوع في صحيفته وخاصة أن الأمر يتعلق بصحيفة زميلة مما يخلق له مشاكل هو في غنى عنها “
ولكن بعد حديث مطول اقتنع عندما شعر بخطورة الأمر، فوافق
على نشر الموضوع “
((في قاعة بلدية جنين كانت أول المصائب))
وبعد أيام فوجئت بمن يتصل بي ويخبرني أن هناك ورشة عمل في بلدية جنين بخصوص المؤتمر
فتوجهت فرواً إلى البلدية فوجدت الاجتماع قد تم فعلا وجمهور كبير يحضره وكان من بين الحضور رجال كهول منهم من يبلغ فوق المائة عام وخاصة أحدهم من حمله أحفاده من كفر كنا المحتلة عام 48
كان على المنصة مندوبين عن وزارة الثقافة منهم الكاتب نمر سرحان والدكتور مصطفى كبها وهو مختص بالتاريخ الفلسطيني
جلست بعيداً دون أن يشعر أحد من الجالسين على المنصة بوجودي وكان بجانبي اخي رشاد الكاسر برهان جرار والذي لم يكن راضياً عن الوضع من خلال ما أسره لي
وهو يقول هؤلاء مفسدين ولا اعتقد انهم سينجحوا .
وهو يقول هؤلاء مفسدين ولا اعتقد انهم سينجحوا .
وبينما كانوا يستمعون لشهادات بعض الحضور والتي كانت كلها عبارة عن سرد وقائع مشينة ومخزية بحق رجالات يعلم الله عنهم كيف قضوا وما منزلتهم عنده سبحانه وتعالى ” والمهم هنا ان اكثر المتحدثين من كبار السن والذين منهم لا يتمتع بذاكرة سليمة ولا حتى بنطقٍ سليم ” والحديث فلان عمل وفلان سوى وفلان ذبح فلان ” وفلان وضعوه في بئر ” أو فلان هجم على القرية الفلانية وسرق الغنمات والدجاجات وأخذت زوجه فلان …!
واليكم نموذج مما كان في هذه الندوة …
وقف كهل من كفر كنا وبدأ الحديث بكلام متقطع غير مفهوم بأغلبه ما كان يثير الضحك لدى الحضور
حتى قال جملة عن أحد الثوار لا اذكر اسمه الآن وقال التالي …
(جاء فلان إلى قريتنا ، هذا حريق الوالدين ، ملعون أبو لحيته ،
قلنا له يا كلب إنت جاي ليش على البلد ، أنت عميل وجاسوس )”
فوقف أحد الحضور وهو كبير أيضاً وصرخ فيه قائلاً
(والله ما جاسوس إلا أنت وقرايبك يا شايب يا عايب “ ولك ولك إنت كذاب أخص الله يلعنك ويحرقك في نار جهنم يا واطي يا ابن الواطي )
بصدق كان المشهد مأساوي لدرجة أن كادت تحدث طوشة كبيرة و مواجهة بين الحضور” من خلال تراشق الشتائم بين بعض الحضور
على إثر ذلك ” تقدمت وبسرعة نحو المنصه وأمام ذهول من يجلسون عليها ” حيث قام بعضهم وطلبوا مني الجلوس معهم ” تجاهلتهم وتوجهت الى عريف الحفل وأخذت منه المايكرفون
وتحدثت قائلاً : ما هذا يا ناس وتوجهت نحو مسؤولي الندوة وقلت لهم هذا ما أردتموه ..! فرجة بلاش ” بالله عليكم هذا مستوى ثقافي أم مستوى حارات وزواريب الجهل المطبق …!
هذه شبابيكك يا استاذ .! وهذا تاريخك يا دكتور ..!
بئست شبابيكك يا استاذ وتاريخك يا دكتور واستطردت قائلاً الى الجمهور الذي كنت أشعر انه بحاجة لأنقاذ مما أوقعوهم به من خلال جرهم الى مهزلة ما كانت ضرورية وقلت
إن هذه الندوة وما سيتبعها من مهرجان هو أمر ٌ بات مشبوه من كل النواحي وأنا اطلب من الجميع أن يوقفوا هذه المهزلة ويرفضوا المشاركة به ” وخاصة أن ما يحدث في القاعة الآن هو نموذج كنا قد حذرنا منه عبر الصحف ” الا ان القائمين على الموضوع وأشرت اليهم وقلت انهم لا يأبهون الا بمصالحهم الضيقة وان هناك أمر خطير وراء إصرارهم على عقد هذا المهرجان لا ندري لأين يصب ولمصلحة من .!وهو بالتأكيد ليس لمصلحة شعبنا على الاطلاق ” وهذا اكبر دليل على أن الهدف منه هو إثارة المشاكل”
وقلت عبارة وبالحرف ” يا إخوان هل يجوز أن نُحضر شيوخ أفاضل ينتظرون لقاء ربهم في صلاة وعبادة “وهل من المنطق أن نعيدهم إلى أجواء الفتن والضلالة وها هم يشتمون بعضهم لمجرد حديث واحد .!فكيف سيكون الحال لو استمر الوضع وتطور .! ثم لماذا ولمصلحة من كل هذا يا ناس .!!
الحقيقة أن النتيجة كانت أسرع مما كنت أتصور وكنت أفكر قبل الحديث كيف سأستطيع وقف هذا الجمع الغفير من الناس..!والذين أتوا ضمن حملة منظمة انشغل عليها كثيراً وبتنظيم مؤسساتي ”
(( لا إلاه الا الله ))الذي قال (ومثل كلمة طيبة ) والقائل أيضاً (وقل اعملوا ) وصدق الله وكذب كل شياطين الأرض” وكأني قرعت جرساً نبه الحضور لحقيقة كانت غائبة عنهم وكأنهم كانوا في غفلة فاستفاقوا وبشكل رائع وفاعل
فوقف أحد الحاضرين وأيد كلامي وقال :اسمعوا يا إخوان “
لن نكون وقوداً لفتنه .! وهيا بنا نخرج ولن نعود إلى هذا المهرجان المقيتفأيده جميع الحضور وخرجوا وهم يطلقون عبارات الأستنكار لكل من كان له دور في ترتيب هذا الأجتماع .
بالفعل انفض الجمع أمام ذهول من على المنصة الذين احتجوا على وجودي وقال أحدهم من دعاك أنت ..! فقلت : أنا مدعوا يا محترم “
فنظروا إلى بعضهم مستهجنين وكأنهم يتهمون بعضهم بعضاً .
وقلت : لا تخافوا ولا تشكوا في بعضكم ” ولا احد منكم دعاني ” طبعاً لا تعرفون الذي دعاني ولن تعرفوه ” وهذا شيء طبيعي لأن الذي دعاني ليس الذي دعاكم “الذي دعاني واجبي الوطني أما الذي دعاكم شيطان رجيم
(( وزير الثقافة والتهديد بأبو عمار ))
في اليوم التالي ذهبت إلى وزارة الثقافة لأُقابل السيد الوزير فلم أجده “
وقابلت الأخ وكيل الوزارة السيد يحيى يخلف والذي كان قد علم بكل حيثيات الموضوع
وفهمت منه أنه آخر من يعلم عن ترتيبات المؤتمر وأن الموضوع تم ترتيبه بين نمر سرحان والوزير المبجل ” و
انه أي الوكيل حاول أن يمنع ، ولكن هناك إصرار من قبل الوزير والذي أقنع بدوره الرئيس الشهيد ابو عمار وأخذ موازنة كبيرة لتغطية نفقات المهرجان وورشات العمل “أخبرته أني لو كلفني الأمر حياتي سأحارب بكل ما أوتيت من قوة ولن أسمح لمثل هذا الأمر أن يحدث ” فقال لي ناصحاً يا أخي أنا أقدر موقفك وأنت على حق ، ولكن يد لوحدها لا تصفق ، والأمر وصل إلى وضع متقدم جداً والتحضيرات في نهايتها ، وأنصحك أن تجمع شخصيات من المنطقة وتذهبوا لمقابلة الرئيس وتضعوه في صورة الوضع ” وهذا أفضل ما يمكن ربما يقتنع .! لأنه مقتنع بان الأمور ستسير على ما يرام وان الناس راضين عن الموضوع
انه أي الوكيل حاول أن يمنع ، ولكن هناك إصرار من قبل الوزير والذي أقنع بدوره الرئيس الشهيد ابو عمار وأخذ موازنة كبيرة لتغطية نفقات المهرجان وورشات العمل “أخبرته أني لو كلفني الأمر حياتي سأحارب بكل ما أوتيت من قوة ولن أسمح لمثل هذا الأمر أن يحدث ” فقال لي ناصحاً يا أخي أنا أقدر موقفك وأنت على حق ، ولكن يد لوحدها لا تصفق ، والأمر وصل إلى وضع متقدم جداً والتحضيرات في نهايتها ، وأنصحك أن تجمع شخصيات من المنطقة وتذهبوا لمقابلة الرئيس وتضعوه في صورة الوضع ” وهذا أفضل ما يمكن ربما يقتنع .! لأنه مقتنع بان الأمور ستسير على ما يرام وان الناس راضين عن الموضوع
وأضاف : اسمعني كويس الآن الأخ ابو عمار صار عنده صورة سيئة عنك وعن تدخلاتك وما جرى بالأمس في بلدية جنين وجاء نمر سرحان وتحدث للوزير وذهب الوزير وهو غاضب جداً إلى الرئيس ليشتكي عليك وأخذ معه نمر من أجل هذا الموضوع “
وبينما نحن نتحدث جاء من يقول …الوزير وصل إلى مكتبه ” فذهبت مسرعا ودخلت عنده ” وإذا به يجلس مع ….!
مما أحرجه وأثاره وقال صارخاً و مستنكراً دخولي خلوته .
طبعاً إحتج على دخولي وهاج وماج وقال من سمح لك أن تدخل شو هي وكالة من غير بواب ، شو هي فوضى..!
قلت لا هي وزارة من غير وزير وفوضى ومئة فوضى وانا جاي احكي معك وبدك تسمعني أنا مش جاي اشحذ منك أنا مواطن ومن حقي أحكي رأي في المهزلة اللي بتعملها وزارتك
فقال : اسمع ما الك كلام معي روح الى أبو عماروهو بعث يدور عليك ” وأنصحك تروح على السريع أحسن ما تتبهدل
فقلت بروح ما في مشكلة بس بالول اسمعني المهرجان ابتاعك هذا لن يكون وانا على قيد الحياة
فقال : ياأخي أنت شو الي حاشرك في هيك موضوع وبعدين من قال لك اني لي علاقة في المهرجان .!
قلت : الست وزير الثقافة والأعلام والمهرجان تحت رعاية الوزارة .!
قال يا أخي في مدير عام هذا مشروعه وانا ما الي علاقة
قلت : كيف وكل الترتيبات بأسمكم وبكره ستحدث مشاكل مين المسؤول عنها اليس الوزارة ..!
فقال : مشاكل مشاكل انتم يا اخي ما عندكم غير المشاكل وما بتخلوا مركب ساير ” يا اخي ريحونا منكم ومن مشاكلكم ” وبعدين انت شو دخلك وهل انت مكلف بشكل رسمي كمراقب عام على الوزارات والمؤسسات
فقلت له : نعم انا مكلف وهذا شغلي
فقال : مين كلفك واعطيني التكليف حتى اشوفه
قلت : أنا مكلف من ضميري وهذا وطني وهذه قضيتي وهذا شعبي اللي بدكم تدمروا وتدمروا العلاقات بينهم ولن أسمح لكم
ضحك وقال: والله عال ضميرك روح يا حبيبي احكي هالكلام للرئيس خلي يعطيك قرار جديد ب(وزارة الضميرالأجتماعي )
قلت : اسمعني كويس ما في داعي للسخرية يا معالي الوزير واعلم اني جاد في الموضع ولن أتراجع وما بتخوفني لا بابو عمار ولا بغيره أبو عمار يخيف من ليس عندهم ضمير والفاسدين أما أنا ما بخاف منه
قال : طيب انت ليش معصب خلينا نتفاهم شو الضرر من الموضوع
فقلت : الضرر كبير وشرحت له وجهة نظري
فقال: يا اخي شو المانع ان الناس تعرف أسباب فشل ثورة
ال36 ..!
قلت: ثورة ال36 فيها أمور مشرقة لماذا التركيز على القضايا المفسدة والخيانات والفساد والقتل وقطاع الطرق وسرقة الأغنام والدجاج وغيرها من المور الم يكن قادة كبار واشراف الم تحق ثورة ال 36ركثير من القضايا الوطنية رغم كثير من المئآسي .! وبعدين لماذا نثير الموضوع الآن وبهذه الطريقة والقائمين عليها ليسوا مؤهلين لمثل هذا العمل وهو عمل كبير يحتاج الى جهود من خبراء في التاريخ وفي علم الاجتماع وقبل أن تجمعوا الناس يجب أن يتم دراسة احوال الناس في الماضي والحاضروضع عدة أسئله ليس أولاها ولا آخرها سؤآل هام جداً …(هل الوقت مناسب ..!؟)
الى اللقاء في الحلقة القادمة
منذر ارشيد